تجميد "إيست ميد".. لماذا أوقفت أميركا تصدير الغاز الإسرائيلي؟
بدأ المشروع أساساً بمقترح أوروبي في العام 2013، في محاولة لتخفيف الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
بعد سلسلة من المواقف المشكّكة في جدوى مشروع أنابيب نقل الغاز "إيست ميد"، والذي كان من المفترض أن يربط "إسرائيل" بقبرص واليونان، ثم البر الأوروبي، أعلنت الولايات المتحدة صراحة تحفّظها على المشروع.
وعلى الرغم من أنَّ موقف الولايات المتحدة، الذي جاء عبر بيان من سفارتها في اليونان، لم يتجاوز التحفّظ، فإنه عُدّ إعلاناً رسمياً عن نهاية مشروع أحد أطول أنابيب نقل الغاز في العالم، انطلاقاً من سواحل الأراضي المحتلة، مروراً بقبرص واليونان، ووصولاً إلى شبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا.
و"إيست ميد" هو مشروع خطّ أنابيب تحت البحر، صُمّم لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي من شرق المتوسط. بدأ المشروع أساساً بمقترح أوروبي في العام 2013، في محاولة لتخفيف الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
وبناءً على مباركة إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حينها، وقّعت كلّ من "إسرائيل" وقبرص واليونان مذكّرة تفاهم في العام 2020 للمضي قدماً في المشروع، على الرغم من اعتراض تركيا التي تمَّ استبعادها.
وجاء توقيع الاتفاق المذكور على الرغم من الكثير من العقبات التي أمِلت أطراف الاتفاق في أن تساهم المباركة الأميركية والأوروبية في تذليلها، إذ يترتّب على طول الأنبوب صعوبات أثناء الإنشاء والصيانة، كما تعتبر كلفة إنشاء المشروع غير مجدية اقتصادياً، إضافةً إلى أنَّ من المفترض أن يمر في منطقة بحرية تابعة لتركيا، وفقاً للترسيم البحري الذي جرى مع ليبيا في نهاية العام 2019.
بالعودة إلى الموقف الأميركي المستجدّ، تذرَعت الولايات المتحدة بالأسباب البيئية، لكنْ تزامن هذا الموقف مع قرار إسرائيلي بإيقاف التنقيب عن الغاز لفترة محدودة، إضافةً إلى ما ذكره بيان السفارة الأميركية صراحةً، إذ قال إنَّ المشروع "بات مصدراً رئيسياً للتوتر وزعزعة استقرار المنطقة"، ما ألقى بظلال من الشك حول الأسباب الحقيقية وراء إيقافه.
تقود هذه التزامنات إلى استنتاج أساسي: الولايات المتحدة قرَّرت تحييد لعبة الطاقة لدفع حلفائها في المنطقة إلى التقارب، واستبدال تحالفات الغاز السياسي، التي استَبعَدت تركيا، بتحالف أوسع يضمّ كلاً من "إسرائيل" ومصر وتركيا، إلى جانب دول الخليج، في إطار إعادة توزيع العبء الأمني في المنطقة على شبكة أكثر تكاملاً من الحلفاء.
على هذا الأساس، تبدو الخطوة الأميركية الأخيرة دفعةً على الحساب في رصيد أنقرة، ويبدو أنَّ الأخيرة قبلت المبادرة الأميركية، إذ كان لافتاً عدم إبدائها أيّ رد فعل على عودة شركة "إكسون موبيل" الأميركيَّة إلى أعمال الحفر في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة، وهو ما كانت أنقرة تعارضه سابقاً، وتقف ضدّه بحزم.
يفسّر ذلك إلى حدّ بعيد أيضاً اللهجة التركية المستجدّة تجاه كلٍّ من مصر و"إسرائيل"، إذ يُتوقع أن تساهم الخطوة الأميركية خلال المرحلة المقبلة في إنهاء الخلافات مع القاهرة، وهو ما قد تنتج منه اتفاقيات جديدة لترسيم الحدود البحرية، إضافةً إلى الاندفاعة التركية تجاه إعادة تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وهو ما بدأت بوادره بالظهور من خلال تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والحديث عن زيارات متبادلة ومشاريع اقتصادية مستقبلية.
وبخلاف المواقف التركية المرحّبة ونظيرتها اليونانية المحبَطة، لم يصدر موقف إسرائيلي رسمي من الخطوة الأميركية. يُعيد ذلك طرح معضلة تصريف غاز شرق المتوسط، ويرفع السؤال حول مستقبل تصدير الغاز الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، بدأ عدد من البدائل يأخذ طريقه إلى التداول.
وإضافة إلى ظهور سوق إقليمية في المنطقة، تبيع "إسرائيل" ومصر الغاز للأردن من خلالها، كما تشحن "إسرائيل" الغاز إلى مصر، يجري الحديث عن زيادة الطاقة الإنتاجية لمحطتي تسييل الغاز المصريتين كبديل جزئي، إلى جانب إعادة إحياء خط الغاز الممتد من "إسرائيل" وقبرص، وصولاً إلى تركيا، وخصوصاً مع توفر البنية التحتية التركية ووصلات الربط مع الشبكة الأوروبية.
وكبديل ثالث، تقترح الولايات المتحدة إنشاء وصلات كهربائية بدلاً من نقل الغاز، في إطار مشروع ضخم تتولى خلاله الدول المنتجة للغاز توليد الكهرباء، على أن يتمّ نقلها إلى الدول الأوروبية. يوفر هذا الخيار أيضاً عملية احتكار وتحكّم أميركية مستقبلية في عملية تسويق غاز شرق المتوسط.
ختاماً، هناك حدثان يجب انتظار تداعياتهما للحكم على المشهد بشكل دقيق؛ يتعلّق الأول بمفاعيل الموقف الأميركي وواقعية البدائل المقترحة. أما الآخر، فيتعلّق بمآلات المفاوضات النووية في فيينا، وإمكانية العودة إلى الاتفاق النووي. حينها، قد يصبح المشهد أكثر وضوحاً، وربما يعطي صورة عن ملامح مرحلة ما بعد العودة إلى الاتفاق النووي، والتي لا يمكن فصل قرار تحييد لعبة الطاقة عنه.