تركيا وخطوط الغاز والصراع على سوريا

سوريا في حاجة ماسة إلى إمدادات مستقرة من النفط الآن بعد أن فقدت إمدادات منتظمة من النفط الخام والوقود الإيراني.

0:00
  • تركيا وإحياء مشاريع الغاز عبر سوريا.
    تركيا وإحياء مشاريع الغاز عبر سوريا.

لدى تركيا طموحات جادة في سوريا، وهي تريد إعادة تجاربها التي خاضتها في دول مثل ليبيا والصومال، غير أن المشاريع الأساسية التي تنعش الاقتصاد التركي مرتبطة بسوريا ونجاح الحكم الجديد، وما التزام "هيئة تحرير الشام" الصمت حيال تحركات الاحتلال الإسرائيلي التي تهدد الموارد المائية في سوريا والأردن، سوى عمل  بنصيحة تركية لتجنب غضب "إسرائيل" وداعميها الغربيين. أنقرة هي مصدر الحكمة التي تقول "التزموا الصمت ضد إسرائيل". 

تركيا وإحياء مشاريع الغاز عبر سوريا 

 أعربت تركيا عن رغبتها في إحياء خطة قديمة لبناء خط أنابيب للغاز بينها وبين قطر عبر سوريا. وهي الخطة التي أعلن عنها عام 2009 وكانت قطر قد تخلت عنها بسبب الحرب في سوريا، والخلافات بين قطر والمملكة العربية السعودية وانهيار أسعار النفط في عام 2014 ما أدى إلى تعليق العديد من خطط البنية التحتية للطاقة الإقليمية.

الآن، مع الحكومة الجديدة في دمشق وتحسن العلاقات بين قطر والمملكة العربية السعودية، طرحت تركيا مشاريع ومنها خط أنابيب الغاز التركي- القطري، الذي من شأنه تعزيز مكانة تركيا كدولة عبور رئيسية للغاز المشترك، ما يسمح بتزويدها بمصدر إضافي للغاز الرخيص لخدمة جنوب شرق تركيا، الذي يعاني من انقطاع التيار الكهربائي في الشتاء بسبب الإمدادات المتقطعة من إيران والعراق؛ لكن لا يوجد لغاية الآن جدول زمني واضح لبناء خط الأنابيب ولا كلفته.

ربما تفضل قطر الانتظار ورؤية ما إذا كان النظام الجديد في سوريا قادراً على السيطرة على وسط البلاد قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية. وهي تفضل التركيز على تأمين طرق النقل البحري إلى أوروبا، حيث أصبحت مورداً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في أعقاب الحرب في أوكرانيا. وهي تستثمر بكثافة في مشاريع إنتاج الغاز المحتملة في شرق البحر الأبيض المتوسط، ما سيمنحها إمكانية وصول أقرب إلى أوروبا ويزوّدها ببعض النفوذ في النزاع البحري المستمر بين تركيا وقبرص. 

وقد ناقش المسؤولون الأتراك بالفعل مشاريع من شأنها أن تعزز البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية والاتصالات عبر الحدود مع النظام السوري الجديد. ومن شأن مثل هذه المشاريع أن تعزز نفوذ تركيا في سوريا، وقد توفر لأنقرة العديد من الفوائد. ومن بين هذه الفوائد التي تعترض عليها اليونان وقبرص صياغة اتفاقية بين تركيا وسوريا لحدود بحرية جديدة من شأنها أن تتحدى المطالبات البحرية لقبرص وتقوّض التعاون في منتدى غاز شرق المتوسط. المعادلة الاستراتيجية هي تحديد مناطق الولاية البحرية.

وكانت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية قالت إنها تلقت وعداً من هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، بعدم توقيع اتفاقية بين دمشق وتركيا، وهذا يدل على أن القلق قد أحاط أيضا ببروكسل.

فيما عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والزعيم القبرصي اليوناني نيكوس كريستودوليدس قمة ثلاثية في القاهرة، ومن هناك، تقرر رفض أي محاولة محتملة من قبل تركيا لتوقيع اتفاق حتى يتم تشكيل حكومة معترف بها دولياً في سوريا.

وفي الوقت نفسه، وخلال زيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى دمشق، تم اعتبار ترسيم الحدود البحرية أولوية. وكانت أنقرة في العامين الماضيين، ومن دون انتظار تشكيل إدارة موحدة في ليبيا، قد وقعت اتفاقية الولاية البحرية مع الحكومة في طرابلس بالاتفاق مع الحكومة في طبرق ومجلس النواب. فعلت ذلك من أجل تعطيل المشروع في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وبما أن إردوغان لم يستطع في حينها الحصول على نتائج، فقد سلك طريق التطبيع مع مصر و"إسرائيل"، واصطف إلى جانب الاتحاد الأوروبي.

خطوط النفط والصراع على سوريا 

لدى النظام الجديد في سوريا مصالح تتعلق بالطاقة تتجاوز استخدام البلاد كمنطقة عبور لأنابيب الغاز. إن سوريا في حاجة ماسة إلى إمدادات مستقرة من النفط الآن بعد أن فقدت إمدادات منتظمة من النفط الخام والوقود الإيراني. في عهد نظام الأسد، كانت سوريا تتلقى نحو 90% من إمداداتها النفطية من إيران (60.000-70.000 برميل يومياً)، مع 10% أخرى قادمة من حقول النفط السورية المحلية. 

وفي ظل هذه الظروف الجديدة، تسعى سوريا الآن إلى إبرام اتفاقيات تعاون لتلقي إمدادات منتظمة من النفط من واحدة أو أكثر من جيرانها في العراق، والوسيلة الأكثر إلحاحاً لتحقيق هذا الهدف هي شحنات عبر الحدود، وهي وسيلة مكلفة.

وفي الأمد البعيد، سوف تسعى سوريا إلى إقامة مشاريع خطوط أنابيب جديدة لضمان تدفق النفط بشكل منتظم. والمصدر الأكثر وضوحاً هو خط الأنابيب النفطي القائم بين سوريا وكركوك في العراق، والذي يحتاج إلى إعادة تأهيل بسبب توقفه منذ الثمانينيات، ولكن حقول النفط هذه أصبحت الآن تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان في شمال العراق.

تدرس قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إمكانية أن تصبح مورداً جديداً للنفط إلى سوريا كجزء من العلاقة الإقليمية لكسب موطئ قدم سياسي مع النظام السوري الجديد. وفي الأشهر المقبلة، ينبغي لنا أن نتوقع رؤية العديد من التحركات في هذا الاتجاه. فالسعودية لديها دوافع قوية لتزويد سوريا بالنفط بدلاً من قطر، وربما تحبط خططاً قطرية أخرى لتعزيز وجودها في سوريا مع تركيا.

من الواضح أن عملية إعادة إعمار سوريا ستقود إلى تأجيج المنافسة بين العديد من الدول صاحبة المصلحة. الصراع يتجاوز المنافسة لا سيما مع احتمال حصول تركيا على قاعدة في سوريا، كما هي الحال في ليبيا والصومال وقطر، الأمر يثير قلق الدول العربية وكذلك "إسرائيل". مما لا شك فيه أن القلق الذي تخلقه سوريا في المنطقة لا يمكن مقارنته بمناطق جغرافية أخرى.

اما "إسرائيل" فهي لا تأمن لوجود قوى إسلامية، ولا تستبعد إمكانية قيام هذه القوى التي تسيطر على سوريا بالتفاعل مع منظمات مثل حماس في المستقبل، وهي ترى أن تعافي سوريا وإعادة بناء جيشها وترسانتها ومن ثم اتخاذ موقف ضد الاحتلال في القنيطرة وريف درعا وريف دمشق هو احتمال يجب إزالته.

لذلك، هي تستهدف حالياً جاراً ضعيفاً قدر الإمكان من خلال توسيع الاحتلال وتدمير الوجود العسكري السوري بالكامل. تبدو العيون شاخصة على سوريا تبحث من خلالها عن مصالحها.