الحرب الإيرانية الإسرائيلية.. ماذا ستفعل تركيا؟
يبقى الرهان في نهاية المطاف على حسابات أنقرة التي لم يعد سهلاً عليها اتخاذ أي موقف سلبي حيال الهجوم الإيراني الذي حقق لطهران تفوقاً نفسياً في الساحة العربية والإسلامية والدولية.
مع الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي على سفارتها في دمشق واستمرار الحديث عن احتمالات أن تتحول المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة، اتجهت الأنظار صوب الدول المجاورة لكلا الطرفين، أياً كان علاقاتها معهما. ومع تجاهل معظم هذه الدول للعدوان الصهيوني على غزة واستمرار البعض منها في علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها، فلا بد من التذكير بأن لأميركا قواعد عسكرية في جميع هذه الدول، ومعظمها يعادي إيران لأسباب تاريخية أو قومية أو طائفية.
في تركيا، يوجد نحو 30 قاعدة ومركزاً ومحطة رادارات وتنصّت أميركية، معظمها قريبة من سوريا والعراق وإيران، وأهمها قاعدة إنجيرليك التي تضم العشرات من الطائرات المقاتلة، ومعها طائرات الأواكس ونحو 50 قنبلة نووية، وقاعدة كوراجيك التي تم بناؤها بداية 2012، أي بعد ما يسمى بالربيع العربي والحرب في سوريا، ومهمتها مراقبة الأجواء الإيرانية والتحركات العسكرية ورصد أي صواريخ قد تنطلق من إيران باتجاه الكيان الصهيوني وإبلاغه بذلك حتى يتسنى له التصدي لهذه الصواريخ قبل دخولها المجال الجوي الاسرائيلي.
أما أذربيجان، ففيها العديد من مراكز التجسس والمراقبة الإسرائيلية، ومعظمها قرب الحدود مع إيران، وهو ما حصلت عليه "تل أبيب" بعد دعمها باكو في حربها ضد أرمينيا. وقد وقفت أنقرة إلى جانبها أيضاً.
دول الخليج جميعاً، ومعها الأردن، فيها العديد من القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية، كما هي الحال في قبرص، وهي قبالة سوريا ولبنان و"إسرائيل" معاً. وقد شهدت الأسبوع الماضي مناورات إسرائيلية - قبرصية مشتركة، مع التذكير بشراء الإسرائيليين مساحات واسعة من الأراضي في الشطرين التركي واليوناني من الجزيرة، في الوقت الذي يعرف الجميع أن قاعدتي العديد والسيلية، ومعها القواعد في العراق وشرق الفرات، هي الأهم في حسابات واشنطن التي قالت إنها أسقطت الكثير من المسيرات والصواريخ الإيرانية، ولكن من دون أن تتحدث عن تفاصيل ذلك.
وتحدثت المعلومات عن دعوة واشنطن لـ"تل أبيب" إلى عدم الرد على الهجوم الإيراني مع التأكيد على عزم أميركا وإصرارها على حماية الكيان الصهيوني، وهو ما يأمر به الدستور الذي يحمّل الجيش الأميركي مسؤولية الدفاع عن المواطنين الأميركيين أينما كانوا، كما هي الحال في "إسرائيل" التي يعيش فيها عدد كبير من اليهود الذين هاجروا من أميركا.
الأوساط السياسية التي تذكر بالفتور والتوتر الذي شهدته العلاقات التركية -الإيرانية خلال سنوات ما يسمى بالربيع العربي، إذ تبنت أنقرة "مشروع إسقاط النظام" في سوريا، فيما استنفرت طهران كل إمكانياتها لتقديم كل أنواع الدعم لسوريا، ونذكر أيضاً بالحملة الإعلامية، وتارة السياسية، ضد إيران، بذريعة أنها تساعد أرمينيا في حربها على أذربيجان المدعومة من تركيا و"إسرائيل".
كما لا يمكن لأنقرة أن تتجاهل العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق بعد سلسلة الاغتيالات التي استهدفت الخبراء الإيرانيين في سوريا وإيران خلال الفترة القليلة الماضية.
وربما لهذا السبب ستستمر أنقرة التي لم تعلّق على الهجوم الإيراني لمدة 24 ساعة في مراقبة مواقف العواصم العربية وتصرفاتها، وخصوصاً الرياض والقاهرة وأبو ظبي وعمان، قبل أن تتخذ أي موقف عملي سيهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع الطرفين الإسرائيلي والإيراني.
الأوساط السياسية التي تذكّر بسياسات التوازن التي انتهجها الرئيس الراحل تورغوت أوزال خلال الحرب بين العراق "السني العربي" وإيران "الشيعية الفارسية" للفترة الممتدة بين 1980 و1988. وقد حققت بفضل ذلك مكاسب تجارية كبيرة جداً لم تتجاهل مساعي أوزال لاجتياح الشمال العراقي وضمه تركيا بعد هزيمة صدام حسين في حرب الكويت.
وحرصت أنقرة على اتخاذ موقف متوازن مماثل تجاه الحرب الأوكرانية، إذ استمرت ببيع مسيراتها ومعداتها العسكرية لكييف، وأعلنت رفضها ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، واستمرت في دعم الأقلية المسلمة ذات الأصل التركي في القرم، ولكنها لم تتراجع عن علاقاتها المميزة والمتشابكة مع موسكو، فاستفادت من هذه العلاقات بعدما رفضت أنقرة الالتزام بالعقوبات الأميركية والأوروبية ضد روسيا التي توجه معظم أغنيائها إلى تركيا واستقروا فيها بسبب التسهيلات التركية لهم.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على حسابات أنقرة التي لم يعد سهلاً عليها اتخاذ أي موقف سلبي حيال الهجوم الإيراني الذي حقق لطهران تفوقاً نفسياً في الساحة العربية والإسلامية والدولية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني. ويبدو واضحاً أنه بغياب التضامن العربي والإسلامي الرسمي سيتعاطف برمته مع إيران، على الرغم من الحملات الإعلامية السابقة ضدها خلال سنوات "الربيع العربي" وقبل ذلك.