"فورين بوليسي": لهذا السبب، لا يدعم القادة الأفارقة موقف الغرب في أوكرانيا

أدى الالتزام بعدم الانحياز، والخوف من إغضاب الصين، والاعتماد على روسيا في التسلح والأمن، بالعديد من الدول الأفريقية إلى تجاهل مطالب واشنطن بشأن دعم موقفها في أوكرانيا.

كتبت نوسموت غباداموسي مقالة في مجلة "فورين بوليسي"  الأميركية تناولت فيها سبب حياد معظم الدول الأفريقية في الصراع الروسي الأوكراني وعدم رغبتها في الانحياز إلى الموقف الغربي نتيجة الضغوط الأميركية.

وقالت الكاتبة إنه عندما صوتت الأمم المتحدة الخميس الماضي على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، امتنعت الدول الأفريقية إلى حد كبير عن التصويت. وقد حاولت واشنطن ممارسة ضغوط دبلوماسية على الحكومات الأفريقية لدعم العقوبات ضد التدخل الروسي في أوكرانيا، وهي رسالة تم تجاهلها بشكل متزايد في القارة السمراء.

بالنسبة لجنوب إفريقيا، عضو مجموعة "بريكس"، كان هذا ثالث امتناع عن التصويت على تصرفات روسيا، وهو موقف نسبه المحللون إلى مغازلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقادة الأفارقة. خلال مكالمة مع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا يوم الجمعة، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن "على الحاجة إلى رد دولي واضح وموحد على العدوان الروسي في أوكرانيا".

وقالت الكاتبة إنه بينما أدان الاتحاد الأفريقي بوضوح العملية العسكرية الروسية، فإن عدم وجود إجماع شامل من القادة الأفارقة أعاق الهجوم الدبلوماسي لواشنطن.

وأوضحت أن السنغال حليف قوي للغرب، ولا يمكن أن يُعزى رفضها إلى النفوذ الروسي. وبدلاً من دعم الموقف الأميركي بشأن أوكرانيا، أكد الرئيس السنغالي ماكي سال على "الحاجة إلى تفضيل الحوار من أجل التوصل إلى نتيجة تفاوضية للصراع" خلال مكالمة يوم الاثنين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي طلب مخاطبة الاتحاد الأفريقي. وقالت إن موقف سال يتبع مبدأ عدم الانحياز في القارة، والذي يعود تاريخه إلى ستينيات القرن العشرين، عندما سعت الدول الأفريقية المستقلة حديثاً إلى رفض الهيمنة الغربية.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، الشهر الماضي في مقابلة مع قناة "بي بي سي" إنه "لا يمكنك الوقوف على الهامش ومشاهدة العدوان الذي نراه يحدث في أوكرانيا والقول إنك ستكون محايداً حيال ذلك".

وعلق صامويل راماني، وهو كاتب مساهم في "فورين بوليسي"، قائلاً: "ستقتل حرب روسيا مع أوكرانيا عدداً أكبر من الأفارقة من الجوع أكثر من الأوكرانيين في ساحات القتال. على أفريقيا أن تبتعد عن السياج وتدين العدوان الروسي".

وقالت الكاتبة إن المحللين يقولون إن رد الفعل ونبرة النقاش يمثلان نقطة تحول في كيفية استمرار الدبلوماسيين ومراقبي السياسة الخارجية في النظر إلى إفريقيا على أنها متجانسة، وأنها تفتقر إلى الفروق الدقيقة في 54 دولة ذات سيادة تعمل كل منها على أساس المصالح الدبلوماسية والاقتصادية المعقدة.

وقالت خلود خير، وهي محللة سياسية سودانية وشريكة إدارية في شركة "إنسايت ستراتيجي بارتنرز": "لقد أصبح القادة الأفارقة أكثر حساسية تجاه هذه النبرة، وهو أمر اكتشفته الصين. ويبدو أن الرسائل القادمة من الصين تكتسب المزيد من الزخم. إنه أكثر جاذبية للبلدان الأفريقية التي تحاول تأكيد قوتها السياسية".

وأضافت أن موقف الصين من روسيا قد أثّر بشكل كبير على مواقف تلك الدول الأفريقية التي تعتبر الصين أكبر وأقرب شريك تجاري لها. وبالنسبة لبعض البلدان، قد لا يُترجم الامتناع عن التصويت بالضرورة على أنه موقف مؤيد لروسيا ولكن على أنه موقف متحالف مع الصين.

يشير المراقبون الأفارقة الذين يدافعون عن الامتناع عن التصويت أيضاً إلى الاهتمام الإعلامي غير المتكافئ بأوكرانيا مقارنة بالصراعات الأخرى والمعايير المزدوجة للغزو الغربي لليبيا والعراق. وهناك حديث كذلك عن "نفاق" في فرض العقوبات التي تؤثر على الدول الأفريقية، بينما أنفقت أوروبا 35 مليار يورو (38 مليار دولار) على شراء الطاقة الروسية منذ بدء الحرب.

وقالت الكاتبة إن بعض القادة الأفارقة يزنون ضعف بلدانهم أمام الأسواق الاقتصادية المتقلبة، وتزايد عدد السكان الشباب المحبطين بشكل متزايد، ومواجهة تحدياتهم الأمنية الخاصة التي تتطلب مجموعة من الحلفاء، وقد خلصوا ببساطة إلى أن حكوماتهم لا تستطيع أن تنحاز إلى أي طرف. واعتبرت أن الخروج المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان والمشاهد المروعة المتمثلة في تشبث الناس بالطائرات جعلت بعض صانعي السياسة الأفارقة ينظرون إلى واشنطن على أنها شريك غير موثوق به يضع احتياجاتها الأمنية في المقام الأول.

وتابعت أنه في عام 2021، عندما أوقفت الولايات المتحدة صفقة أسلحة مع نيجيريا بسبب مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، لجأت أبوجا إلى روسيا، أكبر مصدر للأسلحة إلى إفريقيا، لتجديد ترسانتها للقتال ضد حركة "بوكو حرام". وغالباً ما عززت روسيا العلاقات مع الحكومات الأفريقية أثناء التوترات مع الغرب. وأشار ساندون موناسينغ من معهد توني بلير للتغيير العالمي إلى أن "إفريقيا كانت في مرحلة جبهة ثانية في مواجهة بوتين مع الغرب".

وصوتت مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى ضد العقوبات الروسية. وأرسى العداء بشأن قتل المدنيين خلال عملية برخان الفرنسية، ورفض باريس الاعتراف بالمسؤولية، الأساس لتوسع روسي في مالي. بدورها، منعت موسكو السبت طلباً قدمته فرنسا لإجراء تحقيق للأمم المتحدة في مزاعم مرتزقة فاغنر بارتكاب مذبحة مدنية في مالي.

في جمهورية أفريقيا الوسطى، تؤمن جماعات فاغنر شبه العسكرية حكومة الدولة ضد المتمردين المسلحين. لكن الحكومة اتهمت مرتزقة روس بارتكاب 103 حوادث منفصلة لانتهاكات حقوق الإنسان. في السودان والقرن الأفريقي، ملأت الإمارات العربية المتحدة الفراغ الذي خلفته انسحاب القيادة الأميركية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب ولا تزال الإمارات تمارس نفوذاً يتعارض غالباً مع المصالح الغربية.

كما أدت معاملة الطلاب الأفارقة الفارين من الحرب في أوكرانيا إلى تعقيد الآراء الأفريقية. يقول مقال افتتاحي في صحيفة "الغارديان نيجيريا": "على غرار الحكومات الأفريقية، يسعد العالم أن يتسامح مع تجريد الأفارقة المحاصرين في الحرب في أوكرانيا من إنسانيتهم".

هناك آخرون يلاحظون التحرك العالمي السريع ضد روسيا بينما يتم تجاهل الدعوات لإزالة منتهكي حقوق الإنسان الأفارقة من مجلس حقوق الإنسان. ولطالما خاض الكاميرونيون حملة لفرض عقوبات على إدارة رئيسهم بول بيا بسبب الفظائع التي ارتكبها الجنود الكاميرونيون (بدعم من الولايات المتحدة) في القتال ضد "بوكو حرام" والانفصاليين الناطقين بالإنجليزية. وقد أعيد انتخاب الكاميرون العام الماضي كعضو في مجلس حقوق الإنسان، الذي دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني / يناير. وقال السياسي الكاميروني كاه والا: "إذا كنا سنتخذ إجراءات لمعاقبة الطغاة، فلنفعل ذلك. لكن دعونا نفعل ذلك للجميع".

وختمت الكاتبة مقالتها بالقول إنه نظراً لأن القادة الأفارقة يجدون أنفسهم على خلاف مع الدول الغربية، وتهدد الحرب بتحويل الدعم الأميركي وتهديد الالتزامات تجاه السلام والأمن والانتعاش الاقتصادي التي تم الإعلان عنها أخيراّ في قمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، فإن هناك رغبة محدودة في القارة السمراء للتنقل بين خلافات خصوم الحرب. كما أن الخطاب الاستعماري المتصوَّر والخطاب الاستعماري الجديد المستخدم لإدانة عدم الانحياز للدول الأفريقية لا يؤديان إلا إلى تقريب هذه البلدان من الصين ودول الخليج العربية ويفيد القادة الاستبداديين الذين يستخدمون هذه الحجج للبقاء في السلطة.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.