"فورين بوليسي": عقيدة كامالا هاريس الخارجية

وجهات نظر المرشحة الديمقراطية المفترضة كامالا هاريس في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية.

  • نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة المفترضة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس
    نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة المفترضة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس

بعد أن أصبح ترشيح الحزب الديمقراطي لنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس للسباق الرئاسي لعام 2024 وشيكًا، فإن السؤال الأبرز الذي يُطرح في واشنطن والعواصم الأجنبية هو كيف سيكون نهج هاريس في السياسة الخارجية في حال تم انتخابها في تشرين الثاني/نوفمبر.

إذ إنّ تحديد الاختلافات بين وجهات نظر الرئيس الأميركي جو بايدن ووجهات نظر هاريس في ما يتعلق بالسياسة الخارجية ليس بالمهمة السهلة، باعتبار أنّ الاثنين سعيا إلى إظهار توافق تام في ما بينهما حول قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي لمدة أربع سنوات. لكنها سبق أن ترشحت مرة للرئاسة، ولو لفترة وجيزة، وكانت عضوًا في مجلس الشيوخ الأميركي من عام 2017 وحتى عام 2021؛ وبالتالي، فهي ليست شخصاً يفتقر إلى الخبرة والحنكة السياسية. 

بالإضافة إلى مراجعة سجلّها وتصريحاتها السابقة، أجرت مجلة "فورين بوليسي" مقابلات مع أكثر من عشرة مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين وموظفين في الكونغرس وخبراء ومساعدين سابقين لهاريس لمعرفة المزيد حول موقفها من المناطق الرئيسة وقضايا السياسة الخارجية التي تشارك فيها الولايات المتحدة – من الصين إلى الحرب الروسية الأوكرانية إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم. وإليكم ما اكتشفناه:

الصين

يُعدّ سجل هاريس في الصين محدوداً نسبياً مقارنة بسجل بايدن، الذي يمكنه التفاخر بأنه قضى وقتاً طويلاً مع الرئيس الصيني شي جين بينغ كنائب للرئيس، حتى عندما كان مرشحاً للرئاسة في عام 2020. أمّا هاريس، فلم تحظَ سوى بلمحة من اللقاء المباشر مع الزعيم الصيني عندما حيّت الرئيس شي خلال توجهها إلى قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بانكوك في عام 2022.

ولعلّ التجربة الأقوى لهاريس في الصين هي تلك الفترة التي قضتها في محاولة دعم التحالفات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع كنائب للرئيس. فقد سافرت ثلاث مرات إلى جنوب شرق آسيا بصفتها نائب الرئيس، حيث زارت كلاً من سنغافورة وفيتنام وتايلاند والفلبين وإندونيسيا. وتضمنت زيارتها إلى الفلبين التوقف في بالاوان، وهو أرخبيل في بحر الصين الجنوبي؛ وشددت خلال الرحلة على "التزام الولايات المتحدة الراسخ" تجاه حليفتها في اجتماع مع الرئيس فرديناند ماركوس جونيور. وكثيراً ما نابت عن بايدن في الاجتماعات في المنطقة، بما في ذلك قمة الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا في جاكرتا في أيلول/سبتمبر الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الموقف الذي طرحته بشأن الصين كمرشحة رئاسية لعام 2020 يتوافق بشكل وثيق مع سياسة البيت الأبيض التي انتهجها على مدى السنوات الأربع الماضية والمتمثلة في السعي إلى المنافسة والتعاون في وقت واحد. وفي مناظرة أولية في أيلول/سبتمبر 2019، قالت عن الصين: "إنها تسرق منتجاتنا، بما في ذلك ملكيتنا الفكرية؛ وتطرح منتجات لا تستوفي المعايير المطلوبة في اقتصادنا وعليها أن تخضع للمساءلة"، وأضافت أنّه على الولايات المتحدة التعاون مع الصين في القضايا الرئيسة ومن ضمنها مسألة تغيّر المناخ.

ومع ذلك، اختلفت رؤيتها عن السياسة الحالية في جانب واحد. فقد انتقدت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على الصين، وقالت في وقت سابق إنّها ليست "ديمقراطية وقائية". إلّا أنّ إدارة بايدن حافظت إلى حد كبير على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، وقد دعمها الكثير من الديمقراطيين الذين كانوا مناهضين لها في السابق، بما في ذلك وزيرة الخزانة جانيت يلين، بعد انتشار الجائحة وزيادة المنافسة مع الصين.

وبشكل عام، يستبعد الخبراء أن يختلف نهجها في التعامل مع سياسة الصين كثيراً عن نهج بايدن.

وفي هذا السياق، قال ريك ووترز، المدير الإداري لمجموعة "أوراسيا" في الصين الذي عمل سابقاً كأول رئيس لمكتب التنسيق بشأن الصين في وزارة الخارجية: "تُعد سياسة بايدن تجاه الصين، على نحو ما، انعكاساً للإجماع الديمقراطي. ولا أتوقع سياسات مختلفة بشكل كبير تجاه الصين من كامالا هاريس. أعتقد حقاً أنّ الهيكلية الخاصة بهذه السياسات قد تم ضبطها إلى حد كبير".

الهند وجنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي والهادئ

شكّلت الهند واحدة من أفضل المواقع في العلاقات الثنائية لإدارة بايدن، حيث تنظر إليها واشنطن بشكل مطرد باعتبارها ثقلاً محورياً مقابل الصين وشريكاً رئيساً في استراتيجية الولايات المتحدة الأوسع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وكانت مسألة الدفاع والتكنولوجيا من الركائز القوية بشكل خاص للعلاقة بين الولايات المتحدة والهند، إلى جانب  عدد من الصفقات والمبادرات التي أُعلن عنها خلال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى واشنطن العاصمة في العام الفائت.

وكما هو الحال مع الشراكات والمناطق الأخرى، فقد استبعد الخبراء أن تختلف سياسة هاريس في الهند كثيراً عن سياسة بايدن. ولعقود من الزمن، حظيت العلاقة بين الولايات المتحدة والهند بدعم موثوق من الحزبين، حتى في عهد ترامب، وتظل مهمة للغاية على كلا الجانبين بحيث لا يمكن تغييرها بصورة كبيرة.

علاوة على ذلك، تربط هاريس علاقة شخصية بالهند أكثر من أي مرشح رئاسي أميركي على الإطلاق؛ فقد هاجرت والدتها، شيامالا غوبالان، إلى الولايات المتحدة من الهند، وقد أشارت هاريس مراراً إلى تأثير والدتها على حياتها وآرائها. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تلعب دوراً كبيراً على المستوى السياسي. وفي هذا الإطار، قال مايكل كوغلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز "ويلسون" وكاتب موجز جنوب آسيا في مجلة "فورين بوليسي": "من المؤكد أنّ الروابط التي تجمع أسلاف هاريس بالهند تُعد أمراً يُرجح أن تستغله للتعبير عن ارتباطاتها الخاصة بالهند. أمّا في ما يتعلق بالسياسة الهندية، فلن يكون هناك أي خلاف بينها وبين بايدن".

في الواقع، لقد كانت هاريس أكثر صرامة مع الهند من بايدن في الماضي، إذ انتقدت سجل حقوق الإنسان في البلاد في عهد مودي، لا سيّما في ما يتعلق بقضية كشمير، عندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ، وأيضاً بطريقة أكثر دقة خلال لقاءات متعددة مع مودي في واشنطن طوال فترة عملها نائباً الرئيس. ولكن في حال أصبحت رئيسة، فقد تخفف من حدّة هذه الانتقادات. وفي معرض تعليقه على هذا الأمر، قال كوغلمان: "لا أتوقع أن تكون أكثر صرامة من بايدن في ما يتعلق بالحقوق، أو على الأقل ليست أكثر صرامة مما تسمح به المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة". 

في الوقت نفسه، فإنّ عمر هاريس وقاعدة الدعم الشبابية الخاصة بها والمتصلة عبر الانترنت بشكل مزمن، قد يجعلانها أكثر استعداداً لإجراء تلك المحادثات غير المريحة. وأشارت أبارنا باندي، مديرة مبادرة الهند في معهد "هدسون"، قائلةً: "إنها تنتمي أيضاً إلى الجيل القادم من السياسيين الديمقراطيين، وليست من جيل الرئيس بايدن". وأضافت باندي: "إنها تأتي إلى حد ما من الجناح الأيسر للحزب الديمقراطي؛ وبالتالي، فإن الديمقراطية والقيم الديمقراطية مهمة بالنسبة لها". 

أمّا بالنسبة للمنطقة ككل، فقد قامت هاريس برحلات متعددة إلى جنوب شرق آسيا وكانت أحد الوجوه البارزة لاستراتيجية إدارة بايدن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لكن يبقى أن نرى مدى تأثرها خلال الحملة الرئاسية بواحدة من أسوأ لحظات السياسة الخارجية لبايدن كرئيس المتمثلة بالانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان الذي أعاد حركة طالبان إلى السلطة. وقد استخدم ترامب تلك الحادثة بشكل متكرر كهراوة ضد بايدن خلال مناظرتهما الأولى، وقد يفعل الأمر نفسه مع هاريس، على الرغم من أنّ الخبراء يقولون إنّها قد لا تؤدي إلى نفس التأثير.

وفي هذا الصدد، قالت ليزا كيرتس، المسؤولة السابقة في البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ووزارة الخارجية، والتي تشغل حالياً منصب مدير برنامج أمن المحيطين الهندي والهادئ التابع لمركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS): "أعتقد بأنه سيكون من الصعب على الجمهوريين التشهير بكامالا هاريس من خلال قضية الانسحاب من أفغانستان. فقد كان واضحاً إلى حد كبير أن قرار بايدن بالانسحاب الكامل بالطريقة الكارثية التي فعلناها كان شخصياً". 

ولكن في حال أصبحت هاريس رئيسة، فإنّ أفغانستان تقدم لها الفرصة لإحداث تأثير قوي في السياسة الخارجية. وقالت كيرتس في هذا السياق: "بصفتها امرأة، نأمل ونتوقع من كامالا هاريس التركيز بشكل أكبر على دعم المرأة الأفغانية، في حال تم انتخابها. فباعتبارها شخصاً مناضلاً من أجل حقوق المرأة في الولايات المتحدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب عليها أن تتجاهل ما يحدث للنساء في أفغانستان، وحقيقة أن هذا البلد هو البلد الوحيد في العالم الذي يحرم النساء والفتيات من التعليم". 

السياسة التجارية

لم تكن هاريس يوماً مهووسة بالتجارة، سواء كعضو في مجلس الشيوخ أو كنائب للرئيس. ولكن بشكل عام، منذ فترة وجودها في مجلس الشيوخ وترشحها للرئاسة عام 2020، دعت هاريس إلى اتباع رؤية تجارية تركز على العمّال وتكون صديقة للبيئة ومُثقفة اقتصادياً. وهذا يتناسب بشكل مريح إلى حد ما مع سياسة الحزب الديمقراطي الحالية ويتناقض بشكل واضح مع مواقف ترامب ونائبه، جي دي فانس.

وقد انتقدت هاريس باستمرار الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب خلال فترة ولايته، واصفةً إياها بدقة بأنّها ضرائب إضافية على الشركات والمستهلكين الأميركيين تسببت بانتقادات من قبل الشركاء التجاريين وبمزيد من الأضرار الاقتصادية في الداخل.

لكن بايدن قال الأمر نفسه في ذلك الوقت، وأبقى على الكثير من الرسوم الجمركية الأصلية التي فرضها ترامب قبل إضافة رسوم جمركية جديدة خاصة به، حتى وإن كانت رسوماً أكثر تركيزاً واستراتيجية تهدف إلى حماية القطاعات الحيوية. ولعل العلة الوقائية قد انتشرت إلى حد كبير في كلا الحزبين، بحيث بات من الصعب على أي مرشح التخلص من الأفكار الهدامة مثل رسوم الاستيراد.

وعندما يتعلق الأمر بالصفقات التجارية، يصعب فهم هاريس قليلاً. إذ تقول إنها كانت ستصوت ضد اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية الأصلية (نافتا)، وهي من بنات أفكار الجمهوريين في عهد ريغان وبوش والتي أصبحت اليوم بعبعاً جمهورياً، بالإضافة إلى اتفاقية "نافتا" بنسختها الثانية التي أقرها ترامب. وقالت إنّها تعارض الاتفاق التجاري المعدّل مع كندا والمكسيك لأنه لم يكن كافياً لحماية العمّال والبيئة. كما كان لديها اعتراضات مماثلة على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي وقعها الرئيس السابق باراك أوباما، والتي سرعان ما أصبحت ضارة لكلا الحزبين وأُلغيت خلال الأسبوع الأول لترامب في منصبه.

بالإضافة إلى ذلك، تنتقد هاريس، كما جميع الساسة الأميركيين تقريباً، الصين في التجارة وجوانب أخرى؛ لكن، شأنها شأن كل ساسة المؤسسة الأميركية، أصرت أيضاً على أن القضايا الإقليمية والعالمية، بما في ذلك كوريا الشمالية وتغير المناخ، تتطلب التعاون مع بكين.

الحرب الروسية – الأوكرانية و"الناتو"

لقد أرسل بايدن هاريس لتمثيله في الكثير من المؤتمرات الدولية الكبرى، بما في ذلك مؤتمر ميونيخ للأمن ​​وقمة السلام في أوكرانيا.

لا تملك هاريس سجل بايدن عبر المحيط الأطلسي. إلّا أنها وخلال وجودها ثلاث سنوات متتالية في ميونيخ، أحد أكبر مراكز الحوار في أوروبا والمكان الذي يذهب إليه المسؤولون للتنعم بالهدوء بعيداً عن ضغوط السياسة الأميركية، أصابت جميع الأهداف المتوقعة بصفتها رئيسة مطمئِنة للولايات المتحدة.

وقالت في خطاب ألقته في شباط/فبراير 2022 في ميونيخ، قبل 5 أيام فقط من العملية الروسية واسعة النطاق لأوكرانيا، إنّ التزام الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي "ثابت" و"صارم". كما أشارت إلى أنّ تعهد الناتو بالدفاع عن النفس بموجب المادة 5، والذي هدد ترامب من خلاله بعدم احترامه للحلفاء الذين لا يحققون نسبة 2% من إنفاق الناتج المحلي الإجمالي للحلف، "مقدس".

وفي عام 2023، عادت إلى ميونيخ بمواضيع نقاش مماثلة حول حلف شمال الأطلسي ولكن بلغة أكثر صرامة حول العملية الروسية، الذي كان عمره آنذاك عاماً. وأوضحت أنّ إدارة بايدن قد خلصت إلى أنّ روسيا ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في الحرب.

وقبل نحو أسبوعين من المناظرة التي ستنهي فعلياً حملة بايدن الرئاسية، حلّت هاريس بديلة لبايدن في قمة السلام في أوكرانيا التي عُقدت في سويسرا، حيث دعت إلى تحقيق "سلام عادل ودائم".

وقد التزم الكرملين الصمت بشأن محاولة هاريس الوصول إلى الرئاسة حتى الآن، حيث أشار المتحدث باسم الرئاسة ديمتري بيسكوف إلى "الخطاب غير الودي" لنائب الرئيس، لكنه أضاف أنّ روسيا لا تستطيع بعد تقييم ترشيحها رسمياً.

الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

قد تكون أزمة السياسة الخارجية الأبرز التي سترثها هاريس في حال فازت في تشرين الثاني/نوفمبر هي الحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة، ويخضع سجل نائب الرئيس في ما يتعلق بـ"إسرائيل" والحرب للفحص الدقيق بحثاً عن علامات الاستمرار بسياسة بايدن أو الاختلاف عنها. 

وكما هو الحال مع قضايا السياسة الخارجية في جميع المجالات، فإنّ تاريخ هاريس مع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أضعف من تاريخ بايدن، الذي كان يتمتع بدرجة استثنائية من الخبرة في السياسة الخارجية بحلول الوقت الذي دخل فيه البيت الأبيض. لكن القراءة الدقيقة لسجل هاريس وخطاباتها العامة تشير إلى أنّه من المستبعد أن تشرف على أي تغييرات مهمة في النهج الأميركي تجاه الحرب في غزة أو الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الأوسع. وقال ديفيد ماكوفسكي، المستشار الأول السابق للمبعوث الأميركي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية: "نظراً إلى ما قالته، يبدو أنّ الوضع سيستمر كما هو عليه الآن".

وفي حزيران/يونيو 2023، تحدّثت هاريس خلال حفل استقبال في واشنطن أُقيم بمناسبة يوم استقلال "إسرائيل"، حيث روّجت لالتزام الولايات المتحدة "الثابت" تجاه "إسرائيل" وسجلها في مجلس الشيوخ في التصويت لتقديم المساعدة الأمنية للبلاد، كما حذّرت من استبعاد "إسرائيل" بسبب الكراهية ضد لليهود. وزوج هاريس، السيد الثاني دوغ إيمهوف، يهودي لعب دوراً بارزاً في الجهود التي تبذلها الإدارة لمعالجة معاداة السامية. وخلال كلمتها، أعربت هاريس عن فخرها باستضافة عيد الفصح في مقر نائب الرئيس لأول مرة على الإطلاق.

ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التزمت هاريس إلى حد كبير بسياسة إدارة بايدن، وقفت إلى جانب "إسرائيل"، لكن رفعت ببطء سقف انتقاداتها للطبيعة القاسية للحملة العسكرية الإسرائيلية، وضغطت من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من شأنه أن يضمن أيضاً إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. لكن لهجة الخطاب اختلفت قليلاً عن لهجة بايدن. وقال ستيفن كوك، وهو باحث بارز في مجلس العلاقات الخارجية وكاتب عمود في مجلة "فورين بوليسي":  "كانت تخرج من وقت لآخر وتنتقد الإسرائيليين أكثر من الرئيس نفسه". 

وفي تصريحاتها العلنية، ركزت هاريس بشكل أكبر على معاناة الفلسطينيين في غزة، وأظهرت المزيد من التعاطف معهم. ويتفق ذلك مع التقارير الإعلامية التي ظهرت في أواخر العام الماضي والتي تفيد بأنها دفعت البيت الأبيض للتعبير عن القلق المتزايد بشأن الأزمة الإنسانية. إلّا أنّ إدارة بايدن شككت في صحة تلك التقارير.

وخلال خطاب ألقته في دبي في كانون الأول/ديسمبر، عادت إلى مناقشة هجمات حماس، لكنها حثّت "إسرائيل" أيضاً على بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين في غزة. وفي خطاب ألقته في "سلما" بولاية ألاباما في شهر آذار/مارس، دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار للسماح بإطلاق سراح الأسرى وتدفق المساعدات إلى غزة، وقوبل خطابها بتصفيق مدوٍّ من الجمهور بسبب إلقائها الحماسي.

وقال فرانك لوينشتاين، المبعوث الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في وزارة الخارجية، إنّه في حين يُرجح أن تكون سياستها بشأن الصراع سياسة الاستمرارية، فإنّها قد تتبنى لهجة مختلفة عن بايدن. وقد أكد هذا الانطباع الأشخاص الذين ناقشوا معها شخصياً مسألة الحرب.

وخلال اجتماع مع قادة الجالية الإسلامية في البيت الأبيض في 2 نيسان/ أبريل لمناقشة سياسة الإدارة الأميركية في غزة، أشار زاهر سحلول، وهو طبيب أميركي سوري عمل في غزة في مهمة طبية في وقت سابق من هذا العام، إلى أنّ هاريس قد تأثرت بالعرض الذي قدموه حول تأثير الحرب على الناس في غزة، وتواصلت معه بعد الاجتماع لطلب المزيد من التقارير الميدانية حول الوضع الإنساني، قائلاً: "شعرت بتعاطفها. من الواضح أنّها اهتمت لمعاناة المدنيين في غزة". وأضاف أنّها على الرغم من عدم اختلافها مع بايدن بشأن السياسة، إلا أنّ تعبيرها عن النهج الأميركي تجاه الصراع كان أكثر وضوحاً وتفصيلاً.

وعقب لقائها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الخميس، استخدمت هاريس لهجة حازمة في خطابها. وعلى الرغم من أنها كررت موقف إدارة بايدن القائل بأن لـ"إسرائيل" الحق في الدفاع عن نفسها، إلا أنّها قالت إنّ كيفية القيام بذلك  تُعد في غاية الأهمية. وفي حديثها عن غزة، قالت: "لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدرين تجاه المعاناة التي تحدث وأنا لن أسكت".

وفي حال فازت هاريس بالانتخابات، فإنّها لن تتولى منصبها قبل كانون الثاني/يناير، وقد يتغير الكثير في الحرب بين الفينة والأخرى. وفي هذا الإطار، قال ماكوفسكي: "لن تكون الحرب كما كانت في الأشهر التسعة الماضية، لذلك لا أعرف ما إذا كانت ستواجه نفس الخيارات التي يواجهها بايدن اليوم". 

أفريقيا

في عام 2022، وخلال انعقاد قمة كبرى بين القادة الأميركيين والأفريقيين في واشنطن، تعهد بايدن بزيارة القارة السمراء في العام التالي، لكنه لم يفعل ذلك قط. وخلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الكيني وليام روتو إلى واشنطن في أيار/مايو، تعهد بايدن بزيارة أفريقيا في شباط/فبراير المقبل في حال أعيد انتخابه. وها قد انسحب من السباق الرئاسي.

لطالما انتقد الزعماء الأفارقة كيف أنّ تعاملهم مع واشنطن قد تراجع لصالح أولويات جيوسياسية أخرى، وجاءت صدمة عدم حضور بايدن الواضح في أعقاب فشل ترامب في وضع قدمه في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كرئيس، بعد الإساءة إلى بعض الدول الأفريقية بالقول إنّها "دول قذرة".

وسعى فريق بايدن إلى تمييز نفسه عن ترامب من خلال تنظيم قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا وإرسال وزراء حكومة بايدن إلى القارة بوتيرة منتظمة. وكانت هاريس أكبر مسؤول في الإدارة يزور القارة، حيث سافرت إلى غانا وتنزانيا وزامبيا العام الماضي.

وبحسب مسؤولين حاليين وسابقين في البيت الأبيض، يُرجح أن تتخذ هاريس نهجاً مماثلاً للذي اتبعه بايدن تجاه القارة الأفريقية، من خلال الحفاظ على إيقاع ثابت من الزيارات على المستوى الوزاري، والتحدث كثيراً عن تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون في الوقت الذي تواجه فيه القارة تراجعاً مزرياً في التقدم الديمقراطي، والتنافس مع روسيا والصين على النفوذ الجيوسياسي.

لكن من المرجح أن تواجه إدارة هاريس معارك شاقة وحادة في إقناع القادة والسكان الأفارقة بأنّ التزام الولايات المتحدة المعلن بالتعاون والديمقراطية بين الولايات المتحدة وأفريقيا هو أكثر من مجرد خطاب. وباتت بعض دول أفريقيا منفتحة على الشراكة مع منافسين للولايات المتحدة أمثال روسيا أكثر من أي وقت مضى.

وعلى الرغم من كل هذه الأعباء، فإنّ إدارة هاريس سيكون لديها بعض الأمور الجيدة في ما يتعلق بالتعاون بين الولايات المتحدة وأفريقيا. فقد أدّى تركيز إدارة بايدن على توسيع العلاقات التجارية والبنية التحتية إلى نحو 14.2 مليار دولار من التجارة والاستثمارات الجديدة في الاتجاهين، وعادت الاستثمارات الأميركية المباشرة في أفريقيا إلى الازدياد بعد تراجع حاد خلال جائحة كورونا العالمية.

كما أطلق فريق بايدن محاولة يائسة لبدء محادثات السلام بشأن الحرب في السودان في المرحلة الأخيرة من عمر الإدارة، وهي الحرب التي اندلعت بعد أن لعبت واشنطن دوراً في إفساد انتقال السودان نحو الديمقراطية، ومن غير الواضح كيف ستنتهي هذه المحادثات. في حين ستحتاج إدارة هاريس إلى تحقيق التوازن بين التنافس مع روسيا والصين في القارة من دون معاملة الحكومات الأفريقية وكأنّها قطع على رقعة شطرنج جيوسياسية لمنافسة القوى العظمى.

الهجرة

تُعدّ الهجرة إحدى قضايا السياسة الخارجية التي قد تسهل تقييم استراتيجية هاريس المحتملة، لأنّها كانت جزءاً أساسياً من حقيبتها كنائب للرئيس.

وقد صف الجمهوريون هاريس بأنّها "مسؤولة الحدود" في إدارة بايدن وهاجموها بسبب فشلها المفترض في إنجاز مهمة واحدة، ألا وهي "إصلاح الحدود"، على حد تعبير حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي. لكن خبراء الهجرة يؤكدون أنّ نطاق ولايتها كان محدوداً للغاية، ولم يتم تعيينها مطلقاً كـ"مسؤولة حدود" في إدارة بايدن. (وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس ووزير الصحة والخدمات الإنسانية كزافييه بيسيرا هما المسؤولان عن الحدود).

في الواقع، تم تكليف هاريس بقيادة جهود إدارة بايدن للتعامل مع ثلاث دول في أميركا الوسطى وهي هندوراس وغواتيمالا والسلفادور، والمساعدة في معالجة "الأسباب الجذرية" للهجرة. وقالت دوريس مايسنر، المفوضة السابقة لدائرة الهجرة والجنسية الأميركية والتي تعمل حالياً في مركز سياسات الهجرة، إنّه تم تكليف هاريس بمسؤولية "قيادة مبادرة تتعلق بالاستثمار الخاص في تلك البلدان، من أجل محاولة التخفيف من الأسباب الجذرية".

وكجزء من هذه الجهود، أعلنت هاريس عن التزامات بقيمة تزيد على 5.2 مليار دولار للقطاع الخاص في هذه البلدان الثلاثة. وفقاً للبيت الأبيض، تصدر هذه الالتزامات من أكثر من 50 شركة ومؤسسة، من بينها شركة "ميتا" (Meta)؛ وثاني أكبر بنك في السلفادور، وشركة "بانكو كوسكاتلان" (Banco Cuscatlan) وشركة "تارغت" (Target).

وفي عام 2021، عندما سافرت هاريس إلى غواتيمالا في أول رحلة خارجية لها بعد توليها منصب نائب الرئيس، أثارت ضجة لإصدارها تحذيراً شديد اللهجة للمهاجرين المحتملين، قائلةً: "أريد أن أقول بوضوح للأشخاص المتواجدين في هذه المنطقة الذين يفكرون في القيام بهذه الرحلة الخطيرة إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك: لا تأتوا، لا تأتوا". وقد انتقد بعض التقدميين والجماعات الحقوقية هذا الخطاب.

هذا ويوفر النهج الأوسع لإدارة بايدن تجاه الحدود الجنوبية نافذة على الشكل الذي قد تبدو عليه استراتيجية هاريس المحتملة. فقد انخفضت عمليات العبور غير القانوني إلى أدنى مستوى لها منذ ثلاث سنوات في حزيران/يونيو بعد أن وقع بايدن على أمر تنفيذي مثير للجدل يمنع المهاجرين من طلب اللجوء خلال مستويات العبور العالية. وقال الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) إنّ الجماعات الحقوقية أدانت الأمر التنفيذي، الذي يعد "السياسة الحدودية الأكثر تقييداً التي وضعها الرئيس بايدن ويكرر الجهود التي بذلها الرئيس السابق ترامب في عام 2018 لوقف الهجرة". وكانت عمليات عبور الحدود قد وصلت في السابق إلى مستويات قياسية: ففي العام الماضي، سجلت وزارة الأمن الداخلي أكبر عدد شهريّ من المهاجرين على الحدود منذ عام 2000.

وأوضح ماينسر أنّ إدارة بايدن "حاولت جاهدة وضع سياسات إنفاذ فعالة ولكنها تدرك في الوقت نفسه أننا بلد مهاجرين، وأنها تريد سياسات تجعل من الممكن استمرار الهجرة. وبالتالي، فإن هذا التوازن لا يزال غير واضح". 

وباعتبارها من كاليفورنيا، ومدعية عامة سابقة، وابنة لمهاجرين، شكّلت خلفية هاريس وجهة نظرها حول هذه القضية، ومن المؤكد أنّها ستستمر في القيام بذلك في حال تم انتخابها رئيسة. وفي هذا الإطار، قال مايسنر: "بطبيعة الحال، ترسم هجرة اليوم والمستقبل شكل كاليفورنيا. ومن المؤكد أنها تتمتع بفهم قوي لهذه القضايا من خلال تجربتها الخاصة، سواء على المستوى الشخصي أو المهني". 

نقلته إلى العربية: زينب منعم