"غلوبال تايمز": على واشنطن أن تفكر ملياً بشأن أعمال الشغب في البرازيل
الأفضل لواشنطن ألا تذهب إلى أماكن أخرى "للتبشير بالديمقراطية" قبل أن تجد طريقها الخاص. فالكثير من ظاهرة الاستقطاب السياسي والفوضى والاضطرابات التي تسببت فيها تنبع من الولايات المتحدة.
قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الناطقة باللغة الإنجليزية في افتتاحيتها إن ما كان يخشاه البرازيليون قد وقع، ولا يزال ذلك يصدم البرازيل وبقية العالم. إذ غزا آلاف المتظاهرين غير الراضين عن نتائج الانتخابات الرئاسية بعد ظهر الأحد الماضي مؤسسات مثل الكونغرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي في العاصمة برازيليا، واشتبكوا مع الشرطة.
ورأت الصحيفة أن هذا المشهد يكاد يكون "نسخة طبق الأصل تماماً" من "شغب الكابيتول" في واشنطن قبل عامين. فقد نشرت صحيفة "أتلانتيك مانثلي" ومقرها الولايات المتحدة مقالاً قالت فيه إن الأميركيين قدوة لمثيري الشغب في البرازيل. بدون مثال الولايات المتحدة، لا يوجد مكان للآخرين للتعلّم من أبشع مظهر للديمقراطية.
وأضافت الافتتاحية أنه تمت فوراً إدانة أعمال الشغب على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي، مما يعكس أنه لا يمكن التسامح مع الهجمات العنيفة على مؤسسات الدولة في أي مجتمع متحضر يحكمه القانون. هذه مسألة مبدأ. من الملاحظ أن نبرة الرئيس الأميركي جو بايدن كانت الأكثر صرامة. إذ قال إن أعمال الشغب في البرازيل كانت "شائنة". كما شجبها المسؤولون الديمقراطيون في أميركا واحداً تلو الآخر، وربطوها بـ "أعمال الشغب في الكابيتول"، بينما من الواضح أن الحزب الجمهوري يتجنب الموضوع.
وقالت الصحيفة إن التناقض الصارخ بين الطرفين يعطي الانطباع بأن موقف واشنطن من هذه القضية يقوم على الحاجة إلى الاقتتال الحزبي الداخلي. من الناحية الموضوعية، فإن أعمال الشغب في البرازيل توفر للحكومة الأميركية، بقيادة الحزب الديمقراطي، فرصة لاستخدامها سياسياً. وتعتزم "ركوب الموجة" ضد الجانب المتهم بـ"شغب الكابيتول": الرئيس السابق دونالد ترامب والحزب الجمهوري. لكن بالنسبة لبقية العالم، فإن ظهور "أعمال الشغب في الكابيتول" ليس ببساطة لأن ترامب في الحزب الجمهوري، ولكن في الولايات المتحدة ككل، هناك شيء خاطئ بشكل رهيب في النظام السياسي. فقد شكّل "شغب الكابيتول" سابقة سيئة للعالم. لقد حصل تعامل واشنطن مع أعمال الشغب على إجماع ظاهرياً، لكن الاستقطاب والانقسام السياسيين لم يخفّا، بل اشتدَّا بدلاً من ذلك. حتى في الأحداث الخاصة بإحياء الذكرى السنوية الثانية لـ"شغب الكابيتول" قبل يومين، ما زالت الولايات المتحدة تُظهر انقسامات سياسية ضخمة: كان جميع المشاركين تقريباً من الديمقراطيين، في حين قدم مؤيدو ترامب ومعارضوه عرضاً منافساً بالقرب من مبنى الكابيتول. الآن يمكن للناس أن يروا أن "الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة" لم تنهَر في الداخل فحسب، بل بدأت تتدحرج مع الصخور المحيطة.
واعتبرت الافتتاحية أن أعمال الشغب في البرازيل يجب أن تدفع الولايات المتحدة إلى إجراء مراجعة عميقة، وكذلك تعديل سلوكها الداخلي والخارجي على أساس التأمل الذاتي. إذا بقيت في موقف الإدانة فقط النفعية، فلن يتوقف التأثير المدمر لـ"الديمقراطية الأميركية" على العالم في برازيليا. تطلق الولايات المتحدة على نفسها اسم "منارة الديمقراطية" ولا تألو جهداً في الترويج لنموذجها الديمقراطي الخاص بها أو حتى تسويقه بالقوة في جميع أنحاء العالم. لكن الآخرين لا يستمعون فقط إلى ما يُقال، بل سيلاحظون أيضاً ما يُفعل. تحتاج الولايات المتحدة، التي تريد أن تكون "داعية للديمقراطية"، إلى فهم المثل الصيني: الممارسة أفضل من المبدأ.
لقد شكلت "مبدأ" الولايات المتحدة نظام خطاب مشابه لمخططات الهرم الروحي، لكن "ممارستها" مخيبة جداً للآمال، والتي بدورها أصبحت ثغرة منطقية لا يمكن إصلاحها في نظام خطابها. بعبارة أخرى، تنكر الولايات المتحدة نفسها وتصفع نفسها. هذا النوع من الإنكار والصفعة هو الأكثر راديكالية.
وخلصت الصحيفة الصينية إلى أنه من الأفضل للولايات المتحدة ألا تذهب إلى أماكن أخرى "للتبشير بالديمقراطية" قبل أن تجد طريقها الخاص. فالكثير من ظاهرة الاستقطاب السياسي والفوضى والاضطرابات التي تسببت فيها تنبع من الولايات المتحدة. فمن جهة، ينقسم المجتمع الأميركي بشدة والمشاعر الشعبوية قوية، ولا يمكن للنظام الحالي حلها وقمعها، ومن الصعب كذلك منع انتقالها إلى الساحة السياسية. ما يتجلى هو حتماً الاستقطاب السياسي، الذي أدى إلى مثال سيء للغاية في العالم.
من جهة أخرى، تمارس الولايات المتحدة معايير مزدوجة مع دول أخرى، وهذا أسوأ. بناءً على احتياجات الاستراتيجية الجيوسياسية، غالباً ما يتخذ موقف واشنطن تجاه حوادث مماثلة التفافاً. على سبيل المثال، أدانت واشنطن بشدة أعمال الشغب في البرازيل، لكنها كانت أكثر لطفاً وغموضاً بشأن حوادث عنف أخرى مماثلة. بل إنها في بعض البلدان تشجع وتدعم ازدراء حكم القانون وتقويض المؤسسة من أجل التحريض على "ثورة ملونة". لقد فعلت واشنطن الكثير من مثل هذه الأشياء في أميركا اللاتينية.
وختمت "غلوبال تايمز" افتتاحيتها قائلة إنه في ظل الوضع الدولي الفوضوي والمتشابك اليوم، يمكن للفيروس السياسي الراديكالي أن يجد بسهولة مرتعاً مناسباً للبقاء على قيد الحياة، وقد أصبح أكثر عدوى ومرضاً وسيزداد تدميره بشكل حاد، بعد أحداث الكابيتول. ومن المحتم أن يأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة. لقد دق الاضطراب في البرازيل مجدداً ناقوس الخطر للولايات المتحدة.
نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت