صفقة وشيكة في غزة.. ما الذي تغيّر ولماذا الآن؟

التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة بين حماس و"إسرائيل" قاب قوسين أو أدنى، وسط تساؤلات بشأن أسباب ارتفاع منسوب التفاؤل هذه المرّة ودلالات ذلك مع قرب تنصيب الرئيس دونالد ترامب. 

0:00
  •  التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة قاب قوسين أو أدنى.
    التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة قاب قوسين أو أدنى.

مفاوضات شاقّة ومعقّدة خاضتها حركة حماس طيلة الفترة الماضية، جولات مكوكية انطلقت تفاوض فيها متمسّكة متسلّحة بثوابت وأسس واضحة، على رأس مطالبها إبرام صفقة تبادل للأسرى ووقف الحرب على غزة والانسحاب الكامل والشامل وعودة النازحين والإغاثة العاجلة وإعادة الإعمار، كانت توازيها على الأرض ملحمة بطولية خاضتها كتائب القسام ومعها فصائل المقاومة شمال غزة وتحديداً في مخيم جباليا وبيت حانون سطّرت فيها أروع صور البطولة والشجاعة وكسرت فيها شوكة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي وجبروته. 

تعثّرت جولات المفاوضات مراراً وتكراراً بسبب خداع ومراوغة نتنياهو وشركائه وحساباتهم السياسية التي كانت حاضرة في كلّ جولة، لكنها حكمة المفاوض وعناده كانت أيضاً حاضرة في توظيف وتعزيز آليات التفاوض وأوراق القوة لديه واستخدامها لورقة الأسرى الإسرائيليين في كلّ جولة لصالح انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، ومعها يناير الدامي على "إسرائيل وجيشها" الغارق في وحل غزة، وبسالة وقوة الميدان لكتائب القسام وكتائب المقاومة التي لقّنت "جيش" الاحتلال الإسرائيلي دروساً، وألحقت به هزائم متتالية جعلته في حال ارتباك كبيرة خالفت نتنياهو وكلّ حساباته وخطة جنرالاته وجعلت النصر المطلق أكذوبة العصر، وهو غارق في وحل غزة بعدما وصل عدد قتلاه في شمال غزة وحدها إلى أكثر من 50 جندياً وضابطاً ومئات الجرحى الذين تساقطوا في ألغام وكمائن المقاومة هناك، إذ كانت تدرك قيادة حماس وهي تفاوض أنّ الاحتلال يمكن أن يعود في أيّ لحظة للحرب، ولكنها فاوضت من موقف قوة ميداني عسكري في ظلّ صمود أسطوري وملاحم بطوليّة سطّرها أبطالها وهم يحصدون الرؤوس من الجنود والضباط. 

يقول آفي أشكنازي ـــــ المحلل العسكري لـ معاريف الإسرائيلية في هذا السياق: "إنّ ثمن الدم الذي ندفعه في شمال قطاع غزة لا يُطاق أبداً، لم يعد لدى "إسرائيل" ما تفعله في أيّ جزء من غزة، لا في الشمال، ولا في الوسط، ولا في الجنوب ـــــ يجب على "إسرائيل" أن تبرم فوراً صفقة تبادل وتنهي الحرب في غزة".

تشير التطوّرات المتسارعة إلى أنّ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة بين حماس و"إسرائيل" قاب قوسين أو أدنى، وسط تساؤلات بشأن أسباب ارتفاع منسوب التفاؤل هذه المرّة ودلالات ذلك مع قرب تنصيب الرئيس دونالد ترامب. 

ثمّة متغيّر سياسي استجدّ على الساحة السياسية والدولية شكّل عاملاً مهماً في سياق العملية التفاوضية إضافة إلى ما ذكرت، بعدما ضاق الخناق على رقبة نتنياهو وشركائه، في لحظة وصلت فيها المفاوضات إلى ذروتها أصبحت هناك صفقة كاملة وجاهزة للتوقيع، هو نجاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية الأخيرة، وإرساله طاقماً لمتابعة سير العملية التفاوضية بشكل خاص ومن ثمّ إرسال مبعوثه ويتكوف إلى "إسرائيل" للقاء نتنياهو وإيصال رسالة بضرورة المضي قدماً في صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار، فقد وضعه ترامب أمام خيار وحيد هو الموافقة والقبول بصفقة تؤدّي إلى وقف إطلاق النار في غزة والانسحاب منها، فما الذي تغيّر ولماذا الآن؟ 

هناك عوامل داخلية وخارجية جعلت المشهد أمام صفقة وشيكة قد يعلن عنها في أيّ لحظة، داخلياً فقد تحدّث الرئيس ترامب عن الجحيم قبل أن تحترق أهم مدن أميركا، وحريق لوس أنجلوس جعل إدارة الرئيس ترامب أكثر حرصاً على وقف الحرب لأنّ أولوياتها اختلفت وحجم الكارثة بات أكبر بكثير مما شاهدناه، والنار التهمت كلّ شيء ومعها شعرة معاوية بين الحزبين الحاكمين في أميركا والإدارتين المتعاقبتين وستبدأ معارك داخلية لا نهاية لها. 

أمّا خارجياً، فقد وضع ترامب نتنياهو أمام خيار وحيد بضرورة الإذعان والموافقة على إنهاء حرب غزة، وقد أعطى مدة خمسة عشر يوماً لعقد اتفاق وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735 الذي ترعاه أميركا والذي ينصّ بشكل واضح على انسحاب "إسرائيل" من غزة ووقف إطلاق النار، وبالتالي هذه المدة تصبح إلزامية أمام نتنياهو للذهاب إلى اتفاق وقف إطلاق نار، وأنّ استمرارها بهذا الشكل سيؤثّر سلباً على مكانة الإدارة الأميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وخططها ومشاريعها وطموحاتها.

دخول ترامب على معادلة المفاوضات يعدّ مستجدّاً مهماً، كما عبّر ويتكوف في تصريحه فور وصوله إلى المنطقة أنّ مكانة ترامب وخطوطه الحمر التي وضعها هي التي دفعت المفاوضات إلى الأمام، وقد ظنّه البعض أنه يصبّ لصالح نتنياهو، لكنّ ويتكوف الذي وصل "إسرائيل" مؤخّراً أوصل رسالة صريحة لنتنياهو وفق ما كشفه الإعلام الإسرائيلي مفادها أنّ تهديدات ترامب بجعل المنطقة جحيماً تشمل "إسرائيل" أيضاً، وبالتالي يمكن قراءة هذه المعادلة بأنّ ترامب يريد من وراء الدخول المباشر على خط المفاوضات أن يحفظ "إسرائيل" من جنون نتنياهو ويدعم "إسرائيل" من جنوح التطرّف الأعمى الذي يقوده نتنياهو وشركاؤه والذي يهدف إلى جرّ "إسرائيل" إلى حروب مستدامة في منطقة الشرق الأوسط، ويدفع الإدارة الأميركية الجديدة إلى التورّط فيها بشكل مستدام وهو ما ترفضه إدارة ترامب، والشاهد هنا أنّ الجميع رأى كيف كانت إدارة الرئيس بايدن خلال عام ونصف العام مضت مستنزفة في منطقة الشرق الأوسط بسبب الحرب على غزة ولبنان.

هناك سبب مهم في هذا السياق هو إدراك الإدارة الأميركية أنّ استمرار الحرب على غزة بهذا الشكل وكلما امتدّت وطالت ستكون لها انعكاسات سلبية على "إسرائيل" أولاً التي باتت معزولة منبوذة، خصوصاً في هذا التوقيت بعدما لم تستطع تحقيق الهدفين الرئيسيين منها وهو إعادة الأسرى الإسرائيليين أحياء والقضاء التامّ على حركة حماس والمقاومة، ثم انعكاساتها على الإدارة الأميركية الجديدة التي ترى أنه من الخطأ استمرار الحرب بهذا الشكل، وأنّ لديها خططها المستقبلية المغايرة لهذه التوجّهات التي تقوم على إشعال المنطقة في حروب مستدامة سواء مع غزة أو لبنان وسوريا. 

العدّ التنازلي بدأ والخيارات أمام نتنياهو تضيق، والحسابات الإسرائيلية أمام هذا المشهد المقبل في ظلّ وجود الرئيس ترامب جعلها أمام خيار واحد هو الموافقة والقبول بصفقة تؤدّي إلى وقف إطلاق النار في غزة كما حصل في بيروت، وهذا نابع من عدة أهداف أوّلها الحصول على وعود ترامبية بثمن أكبر من حرب غزة ينسجم مع توجّهات ترامب ومشاريعه وخططه التي أعلنها في حملته الانتخابية التي قال بوضوح إنه يرغب توسيع خارطة "إسرائيل"، ويتمثّل الطموح الإسرائيلي في الحصول على أثمان وليس على ثمن واحد قائم على عناوين ثلاثة.

العنوان الأول هو ضمّ الضفة الغربية إلى "إسرائيل" وقد بدأت مؤشّراته تتضح من خلال إقامة مستوطنات في المناطق المصنّفة B وجعلها تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية الكاملة، كما حصل على ضمّ الجولان السوري في ولاية ترامب الأولى، والرهان على إعادة تفعيل مشاريع واتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول في المنطقة والحديث يدور عن السعودية وباكستان وإندونيسيا، والثمن الثالث ضمان مواقف أميركية أكثر تشدّداً مع إيران وملفها النووي.

ستمضي الصفقة وقد بدأت التحضيرات لها من الأطراف كافة، لكنّ الشاهد هنا أنّ غزة التي عاشت أبشع إبادات العصر الحديث لم تستسلم أو تسلّم الراية، لم تهزم، وحماس لا تزال قادرة على ضرب المحتل بكلّ قوتها واستطاعت ضرب مستوطنات القدس المحتلة بعد أكثر من 460 يوماً واستمرار عملياتها الموجعة الي جانب صمود أسطوري لأهل غزة حتى النهاية. 

إذاً مهما حاول نتنياهو المراوغة أو الالتفاف من جديد في أيّ مرحلة كانت فلا خوف أبداً على المقاومة، التي يشهد الأعداء أنفسهم أنها تتجدّد وتنوّع من خططها، على قاعدة إن عدتم عدنا وفي جعبتنا وفرة من أسراكم الجنود والضباط وقدرة لا محدودة على الصمود، في وقت باتت فيه غزة تسطّر مجداً في معركة التحرير والكرامة، أمام الحال الذي وصلت إليه "إسرائيل" في قطاع غزة، وهو ما يؤكّد عجزها وانكسارها أمام إرادة شعب فلسطيني صامد ومقاوم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.