سياسيون بريطانيون: ربما ارتكبنا خطأ بخروجنا من الاتحاد الأوروبي
بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، اقتصاد المملكة المتحدة يتجه اليوم نحو الانحدار، وهذا ما دفع بعض المحافظين بالاعتراف: "ربما ارتكبنا خطأ بخروجنا"، واقتراحات باعتماد النموذج السويسري عله يخفف من حدة الأزمة.
مقال للكاتب توماس كليكاور في مجلة "كونتر بنيش" يتحدث فيه عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد بعد الاتفاقية، وحديث عن إمكانية عودة العلاقات بين الطرفين على النمط السويسري.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في الأشهر الأخيرة، تغير الرأي العام البريطاني بشأن قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأصبح الكثير من المواطنين، أكثر انتقاداً لهذا الخروج الذي تم تمريره بمساعدة حقائب من الأموال السوداء، وصحافة روبرت مردوخ، وسوء التقدير الفادح لحكومات المحافظين.
وكانت المملكة المتحدة، قد أجرت استفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016. وصوت 51.9% لصالح المقترح، وفي 31 كانون الثاني/ يناير 2020، غادرت بريطانيا مقعدها في بروكسل، معتقدة أنها تحررت من الأغلال الوهمية لأوروبا.
اقتصاد المملكة المتحدة يتجه اليوم نحو الانحدار، وهذا بدوره يغذي المواقف المناهضة لعملية الخروج المذكورة. وفي الآونة الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام، وحتى بعض السياسيين المحافظين بالقول صراحة، "ربما ارتكبنا خطأ بخروجنا". ويقترحون الآن تبني ما يسمى بالنموذج السويسري، حول كيفية هيكلة علاقة المملكة المتحدة مع بروكسل.
ووفقاً للنموذج السويسري، يتعيّن على المملكة المتحدة أن تفعل ما يطلبه الاتحاد الأوروبي منها، دون أي حق في المشاركة في صنع القرار الاقتصادي البالغ قيمته 15 تريليون يورو، وتعداد سكاني بنحو 450 مليون نسمة. وهذه الأرقام أظهرت أنه عندما تضع حواجز تجارية على جارك الأقوى، فسوف تتعرض لضربة شديدةً. كما يتوقع خبراء الاقتصاد حول العالم.
بعد عامين تقريباً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يُظهر التطور الاقتصادي في المملكة المتحدة، مقارنةً ببلدان مجموعة السبع الأخرى ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أنه لم يعد من الممكن تجاهل عواقب عملية "بريكست" بمجملها.
مع ذلك، تزعم الصحافة المحافظة في بريطانيا، أن المحافظين يفيدون الاقتصاد. وهي فكرة خاطئة ومزيفة تماماً. وما هو أسوأ بالنسبة للمحافظين هو أن أعذارهم التقليدية لم تعد مقنعة مع الجمهور البريطاني، لا بخصوص عواقب جائحة كورونا، ولا بحرب أوكرانيا.
الصمت على كلمة "بريكست"، قد تم كسره. وأصبح وقع الكلمة سيء للغاية، ولم يعد من الممكن إنكار عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، أنها السبب الرئيسي للبؤس الحالي، الذي ترعرع في سياسات رئيس وزراء "حزب المحافظين"، بوريس جونسون، رجل الشعبوية اليمينية في المملكة المتحدة، ومع خليفته ليز تراس حصدا الفشل والمرارة.
رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك، مع وزير المالية جيريمي هانت، كلاهما أكثر براغماتية في إدارة دفة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومنذ أسابيع قليلة نشرت الصحف البريطانية "المحافظة"، تعليقات ومقالات تدرس إقامة علاقات على النمط السويسري، مع بروكسل.
تتمتع سويسرا بقدرة الوصول المباشر إلى الأسوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، على عكس المملكة المتحدة، وهي تتوافق مع لوائح الاتحاد الأوروبي ، وتقبل حرية تنقل الأشخاص. وفي استفتاء في شهر أيلول/ سبتمبر 2020، أكد السويسريون، على خيارهم في العلاقة مع بروكسل وفق نموذجهم الخاص.
اليوم، يقترح البعض من السياسين الإنكليز، تجارة خالية من الاحتكاك المباشر مع الاتحاد الأوروبي، على غرار سويسرا، ما يتيح لهم إمكانية الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد، من دون حرية تنقل الأشخاص، على الرغم من النقص الحاد في العمالة في المملكة المتحدة.
الاتحاد الأوروبي قد رفض المقترح الإنكليزي في عام 2019، إلا أنّ لندن لا تزال تأمل في التوصل إلى حل وسط مع بروكسل على المدى الطويل. لكن على نحو متزايد، لم يعد بإمكان الحكومة البريطانية التخفيف من التأثير المدمر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، يحتاج سوناك وهانت، إلى إعادة السياسة المالية البريطانية والاقتصاد البريطاني إلى المسار الصحيح. وقاما بتأجيل الانضمام عضوية منطقة التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ، حتى لا يمنع المملكة المتحدة من إقامة علاقة تجارية أوثق مع الاتحاد الأوروبي. فمقولة "بريطانيا العالمية" قد تقاعدت بهدوء، مثل حافلة "بريكست" سيئة السمعة.
مع الهلوسة المحتضرة لبريطانيا العالمية، لم يعد هناك أي حديث عن اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة، والتي من شأنها أيضاً أن تعقد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. كما أنّ العلاقات المحسنة بين بروكسل ولندن، لا يمكن تصورها بالنسبة إلى المتشددين من السياسيين الإنكليز، الذين روجوا أوهامهم لـ "بريكست" لمدة نصف عقد.
من المثير للاهتمام أن وزراء حكومة المملكة المتحدة يريدون الآن إزالة أكبر عدد ممكن من الحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي. ويريدون القيام بذلك على مدى العقد المقبل. ومع ذلك، يجب أن يتم كل هذا، في هلوسة حزب المحافظين البريطاني، دون أن تصبح المملكة المتحدة عضوًا في السوق الموحدة.
لم يتعب الصوت اليميني الشعبوي المؤيد لـ"بريكست"، من التأكيد على أنّ الجمهور صوت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأن الجمهور يريد إنهاء حرية تنقل، لأجل مكافحة الهجرة، التي تضاعفت في كل الأحوال بعد اتفاقية "بريكست".
من وجهة نظر اقتصادية، يشبه خروج بريطانيا، من الاتحاد الأوروبي، من يركل الكرة نحو هدفه. والذين أدخلوا بريطانيا في حالة الفوضى لا يعرفون أي مخرج منها. وهم يتغاضون عن سؤال مهم للغاية: هل سيقبل الاتحاد الأوروبي، بعودة المملكة المتحدة؟
ترجمه إلى العربية حسين قطايا