"وول ستريت جورنال": السياسة الأوروبية الجديدة.. لا أحد يتمتع بالشعبية
الأصوات في فرنسا والمملكة المتحدة تظهر انقسام الناخبين في أوروبا، والقارة تواجه مخاطر كبيرة.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ماركوس ووكر، يتحدث فيه عن الواقع السياسي في أوروبا، في إثر نتائج الانتخابات التي جرت في بعض دولها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في غضون أربعة أيام، تحدّت فرنسا والمملكة المتحدة النظرية القائلة إنّ السياسة الأوروبية تتحول، بصورة حاسمة، نحو مناهضة الهجرة. وبدلاً من ذلك، تؤكد نتائج الانتخابات الأخيرة أنّ الانقسام سيد الموقف. وتتضاعف الانقسامات في المجتمعات الأوروبية، الأمر الذي يجعل من الصعب على القادة أن يطالبوا بتفويض واضح، أو أن يجمعوا أغلبية حاكمة متماسكة.
إنّ الجمعية الوطنية الجديدة المنقسمة في فرنسا من شأنها أن تجعل تشكيل الحكومة أكثر صعوبة من أي وقت مضى، منذ إنشاء الجمهورية الخامسة في عام 1958. ومن غير المرجح أن تتمكن أيّ حكومة متعددة الأحزاب من المحافظة على تماسكها، باستثناء المعارضة المشتركة لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بزعامة مارين لوبان، الذي كان أداؤه أسوأ من المتوقع في انتخابات يوم الأحد.
ومع ذلك، فإنّ وجود حكومة غير مستقرة يمكن أن يفيد لوبان في محاولتها الفوز بالإدارة الفرنسية في غضون ثلاثة أعوام.
أما في المملكة المتحدة، ففاز حزب العمال، يوم الخميس الماضي، بما يقرب من ثلثي مقاعد مجلس العموم بنحو ثلث الأصوات. وفاز الحزبان اللذان هيمنا فترة طويلة في بريطانيا، حزب العمل وحزب المحافظين، بما يزيد قليلاً على 57% من الأصوات، وهي أدنى حصة لهما مجتمعين منذ أكثر من قرن من الزمان. وفضّل كثيرون من الناخبين الأحزابَ الصغيرة، بما في ذلك الوسطيون وناشطو البيئة واليمين الشعبوي، وكانت نسبة المشاركة أيضاً هي ثانية أدنى النِّسَب منذ قرن.
ومع تراجع ولاء الناخبين للأحزاب التقليدية، أصبحت النتائج أكثر تقلباً. ويشهد الدعم للأحزاب القائمة من يمين الوسط ويسار الوسط تراجعاً مع تحول المستثمرين إلى الأحزاب الناشئة. ومن الممكن أن ترتفع الحركات الجديدة بسرعة، لكنها تتلاشى بسرعة أيضاً، كما اكتشف الوسطيون المؤيدون للأعمال التجارية، تحت زعامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
الصبر مع الحكومات الجديدة قصير، وتولي منصب سياسي ما، في وقت يتسم بالإحباط، قد يعوّق العمل.
وقال ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، إنّ "الديمقراطية في أزمة، والمشكلة الأساس هي أنّ الانتخابات لم تعد تغيّر شيئاً".
أمّا في الولايات المتحدة، فحافظ الحزبان الأساسيان على هيمنتهما على النظام الانتخابي. وتجنّب الحزبان تفتيت الديمقراطيات البرلمانية في أوروبا، لكن بدلاً من ذلك، فإنّ عدداً من الانقسامات نفسها يحدث داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بما في ذلك التنافس بين الفصائل المؤسسة والفصائل المناهضة للمؤسسة.
والناخبون الأميركيون ليسوا أكثر سعادة من الأوروبيين بشأن الخيارات السياسية التي يعرضونها. الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس بايدن هما المرشحان الأقل شعبية منذ ثلاثة عقود على الأقل، وفقاً لمسح أجراه مركز "بيو" للأبحاث نُشر في حزيران/يونيو.
ويعاني قسم كبير من أوروبا تراجعَ النمو الاقتصادي بصورة مزمنة، ويعاني الموارد المالية العامة المنهكة، الأمر الذي لا يترك للحكومات سوى حيز ضئيل للمناورة. وتلقّت مستويات معيشة كثير من الأوروبيين ضربة قوية بسبب التضخم في مرحلة ما بعد كوفيد، وارتفاع أسعار الطاقة، والذي أعقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتُعَدّ الهجرة والسياسات البيئية وفواتير الكهرباء والأجور المنخفضة وخدمات الرعاية الصحية المرهقة بين مصادر السخط على أداء النظام السياسي.
إن الانقسام السياسي يجعل دولاً، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وهولندا، أقل قابلية للحكم، تماماً كما تتزايد الضغوط الجيوسياسية على أوروبا.
أيضاً، إنّ العودة المحتملة لترامب، كرئيس للولايات المتحدة، يمكن أن تقلب الترتيبات الأمنية لأوروبا، وكذلك التجارة مع الولايات المتحدة.
وفي معظم الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة، يقول عدد أكبر كثيراً من الناخبين إنّهم غير راضين عن الديمقراطية، وفقاً لاستطلاع أجرته مجموعة "إبسوس" لاستطلاعات الرأي، نُشر في كانون الأول/ديسمبر. وبين الدول التي شملها الاستطلاع، قال السويديون فقط إنهم سعداء بأداء ديمقراطيتهم.
وقال رئيس مركز الاستراتيجيات الليبرالية في العاصمة البلغارية، صوفيا، إيفان كراستيف، إنّ "لدى الشعوب أسباباً وجيهة للاعتقاد أن أنظمتها السياسية لا تحقق نتائج".
وأضاف كراستيف أنّ "الناخبين يشعرون بالضياع في المتاهة، لذلك يركضون في اتجاهات متعددة، على أمل أن يكون المخرج هناك. وكثيراً ما تأتي خيبة الأمل السريعة، وقد تجلب الانتخابات المقبلة تقلبات كبيرة، ومدة ولايتها السياسية قد تقصر".
لقد تحول الناخبون البريطانيون، بأغلبية ساحقة، ضد المحافظين الحاليين، لكن فوز حزب العمال لم يكن مصحوباً بأي قدر كبير من الأمل أو التفاؤل. ويقول عدد من المراقبين إنّ افتقار المملكة المتحدة إلى النمو الاقتصادي، أو الثقل المالي، قد يؤدي بسرعة إلى خيبة الأمل مع رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر.
وقال أناند مينون، مدير مركز أبحاث المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة، إنّ "لا أحد يعتقد أن أي شخص يستطيع إصلاح أي شيء. وهذا الأمر غير معتاد بالنسبة إلى الدول الغربية في الآونة الأخيرة"، مؤكداً أنّ "ما تشترك فيه الانتخابات الأخيرة هو المزاج المناهض للسياسة".
وتُظهِر ألمانيا مدى صعوبة الحكم عندما ينقسم الناخبون بين أحزاب راسخة وأحزاب ناشئة، ومعتدلة ومتطرفة. ويقود المستشار أولاف شولتس ائتلافاً منقسماً يضم الديمقراطيين الاشتراكيين من يسار الوسط، والديمقراطيين الأحرار المؤيدين لقطاع الأعمال، والخضر الذين أغرقتهم تناقضاتهم في صراع مستمر على الأولويات. والنتيجة أنّ الحكومة الأكثر أهمية في أوروبا تناضل من أجل إنجاز حتى المهمّات الأساسية، مثل اعتماد الميزانية، ناهيك بتلبية التوقعات الدولية المتنامية، ومفادها أنّه لا بد أن تؤدي ألمانيا دوراً أكبر في الأمن الأوروبي.
لقد انهارت معدلات قبول حكومة شولتس، إذ فاز الحزب الديمقراطي الاشتراكي بنسبة 14% فقط من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت في حزيران/يونيو، وهي أسوأ نتيجة يحققها في اقتراع على مستوى البلاد منذ القرن التاسع عشر.
ومن ناحية أخرى، نجح حزب البديل من أجل ألمانيا، من أحزاب أقصى اليمين، في ترسيخ نفسه كجزء من المشهد السياسي في البلاد، على الرغم من المحاولات التي بذلها بعض مسؤوليه لإعادة تأهيل صورة الرايخ الثالث. ولا يزال حزب البديل من أجل ألمانيا غير مستساغ شريكاً في الائتلاف بالنسبة إلى معظم الألمان، لكن حجمه، وخصوصاً في شرق ألمانيا، يجعل من الصعب على الآخرين الوصول إلى الأغلبية الحاكمة.
وتكافح أحزاب يمين الوسط الراسخة من أجل إيجاد استراتيجية توقف النمو طويل الأمد لمنافسيها من أقصى اليمين.
لقد وجد المحافظون في المملكة المتحدة أنّه حتى مغادرة الاتحاد الأوروبي، والتضييق على طالبي اللجوء، لم يُوقفا التحدي الشعبوي من نايجل فاراج، وهو بطل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، منذ فترة طويلة، ومؤيد لترامب، وفاز حزبه الإصلاحي في المملكة المتحدة بنسبة 14% من الأصوات الأسبوع الماضي، الأمر الذي أدّى إلى تقسيم اليمين البريطاني.
تُظهر نتائج الانتخابات الفرنسية يوم الأحد أنّ أغلبية الناخبين ما زالت تنظر إلى حزب التجمع الوطني، كونه قوة متطرفة خطيرة، بما في ذلك موقفه تجاه الأقليات المسلمة والاتحاد الأوروبي. لقد صوّت كثيرون من الناس لأحزاب تتراوح بين الوسط وأقصى اليسار، من أجل منع حزب التجمع الوطني من الفوز بالسلطة.
وقال رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، إنّ فرنسا قد تُضطر الآن إلى إيجاد معادل لماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، والذي قاد الحكومة الإيطالية المتباينة، متعددة الأحزاب، بعد الوباء. ومع ذلك، لا يوجد مرشح واضح في فرنسا يحظى باحترام مماثل.
وعندما انهار ائتلاف دراجي، ذهب الفوز في الانتخابات في عام 2022 إلى اليمين المناهض للهجرة في إيطاليا، بقيادة رئيسة الوزراء الحالية جيورجيا ميلوني. ويقول عدد من المراقبين الفرنسيين إنّ حكومة متعددة الأحزاب ومتذبذبة يمكن أن تعزز حضور لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد في عام 2027.
وقال رينزي إنّ الأمر "يعتمد على المرشّحين، الذين سيظهرون في الوسط أو بين المحافظين. لم يكن أحد يراهن على أن يصبح ماكرون رئيساً قبل عام من انتخابه"، مؤكداً أنّ الأمر الواضح هو المخاطر الكبيرة التي تواجه القارة، مشدداً على أنّ "الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة يمكن أن تغير كل شيء في أوروبا".
نقلته إلى العربية: بتول دياب