دعوة ماكرون لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة لا تحتاج إلى تفكير

يبدو أن هناك حاجة أوروبية واضحة إلى القيام بدور أكثر استباقية في إطار حلف "الناتو"، للحفاظ على الأمن الأوروبي وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.

  • الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أرشيف).
    الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أرشيف).

موقع "سي جي تي إن" الصيني ينشر   مقالاً يتحدّث فيه عن طموحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تحقيق استقلال استراتيجي أوروبي أكبر، ويتحدث عن الوضع الاقتصادي الأوروبي "السيء للغاية".

فيما يلي ترجمة المقال كاملاً:

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للصحفيين في الأسبوع الماضي، إن أوروبا بحاجة إلى القيام بدور أكثر استباقية في إطار حلف "الناتو"، للحفاظ على أمنها وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. وقوبل قوله ببعض الشكوك بين الحلفاء، حيث رأى بعضهم  المقترح  بمثابة خيانة للعلاقة ببين ضفتي الأطلسي.

دعوة ماكرون إلى "الحكم الذاتي الاستراتيجي" لأوروبا، تضاعفت بسبب توتر العلاقات مع واشنطن خلال سنوات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي اتبع استراتيجية "أميركا أولا"، التي أشعرت الحلفاء أنهم تركوا في العراء، ومطالبون بزيادة إنفاقهم الدفاعي، والتوقف عن الاعتماد على المساعدات الأمنية من واشنطن. 

لا ريب أن توجهات ترامب كانت عدوانية بحق الحلفاء في "القارة العجوز". و قللت من أهمية انحياز أوروبا، إلى جانب الولايات المتحدة، في التأثير العالمي العام للأخيرة. وشكّلت سياسات ترامب، إهانة شديدة للقادة الأوروبيين. وعلى ما يبدو أن الأمور لم تتغير في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، مما حدى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى اتخاذ خطوات أكثر استباقية في الحكم الذاتي الاستراتيجي. خاصة بعد الانسحاب الأميركي الفاشل من أفغانستان، والاتفاق الأمني "أوكوس"، الذي طعن بالمصالح الفرنسية بعمق.

استخدمت باريس هذه الأحداث، ولا سيما الأخيرة، للدفع باتجاه إطار دفاعي أوروبي مشترك، تقول إنه سيكمل حلف "الناتو". لكن واشنطن، ترفضه وتقاومه بشدة حتى الآن. مما يعني المزيد من الهشاشة في العلاقة عبر الأطلسي، وفي الوقت نفسه، لا يوجد أي مؤشر على أن سيطرة الحزب الديمقراطي على البيت الأبيض، تعني الابتعاد عن دبلوماسية "أميركا أولاً"، بالنظر إلى الإجراءات المذكورة أعلاه من قبل إدارة بايدن، وكأن دونالد ترامب نفسه يسيطر علآ السياسة الخارجية للبلاد.

لا تقتصر الخلافات بين ضفتي الأطلسي، على المجالات الأمنية فقط. وهي تتعدى ذلك إلى قطاعات فائقة الأهمية، مثل قانون خفض التضخم الأميركي لعام 2022، وجهود واشنطن لاحتواء قطاع التكنولوجيا المتقدمة في الصين، من شأنها أن توجه بالفعل ضربات شديدة للاقتصاد الأوروبي. لهذا السبب تحدث ماكرون أيضاً، عن الاستقلالية التكنولوجية، لأنه من الواضح أن أوروبا بحاجة إلى صياغة سياسة تضع مصالح صناعاتها في الاعتبار، خشية أن تستمر الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات تضر بها.

يطمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تحقيق استقلال استراتيجي أوروبي أكبر، بشكل عملي وليس كرد فعل عشوائي، رغم موقف البعض من السياسيين الأوروبيين، الذين يريدون على الأرجح الحفاظ على الوضع الراهن عبر المحيط الأطلسي، كما كان قبل عهد ترامب، بغض النظر، عن أن شعار "أميركا أولاً" يشمل كلا الحزبين، مما سيغير من الحسابات الاستراتيجية للأوروبيين.

أدلى الرئيس بايدن بتصريحات عامة منذ توليه منصبه، قائلاً إن الولايات المتحدة تروج لصناعاتها الخاصة لتكون أكثر قدرة على المنافسة، وهو ما يبدو للوهلة الأولى أنه موجه بشكل مباشر إلى الصين. لكن هذه التصريحات، من الناحية العملية تعني زيادة المنافسة الاقتصادية حتى بين حلفاء أميرك، سواء كان ذلك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أو في أوروبا. لهذا السبب ارتفع صوت الحلفاء عن تأثير تشريعات بايدن على اقتصاداتهم.

الوضع الاقتصادي في أوروبا سيء للغاية. تهدد أزمة الطاقة المستمرة الجزء الأكبر من الصناعات الأوروبية، وتعرض للخطر عدداً لا يحصى من الوظائف وقطاعات كاملة من اقتصاد القارة. يتعين على القادة الأوروبيين أن يفعلوا ما يجب عليهم فعله لضمان القدرة التنافسية العالمية للاتحاد الأوروبي والازدهار المحلي، مع الأخذ في الاعتبار طريقة تفكير واشنطن الدائمة "أميركا أولاً". 

وهذا يعني بطبيعة الحال إطاراً استراتيجياً أوروبياً أكثر اعتماداً على الذات، والذي ينطبق بوضوح على المجالات الأكثر أهمية مثل الأمن والتكنولوجيا. وهذا أمر بديهي وعقلاني.

نقله إلى العربية: حسين قطايا