اقتحام برازيليا الفاشي: تحذير للطبقة العاملة

خلال الأشهر القليلة الماضية، تدخّلت القوات المسلحة بطريقة غير مسبوقة في السياسة البرازيلية، كما التزم الجيش الصمت بشأن الاستعدادات لهجمات الأحد، والهجمات العنيفة السابقة من قبل أتباعهم الفاشيين. فما مدى جدية الخطر المحدق بالديمقراطية في البرازيل؟

  • اقتحام برازيليا الفاشي: تحذير للطبقة العاملة
    اقتحام برازيليا الفاشي: تحذير للطبقة العاملة

تحدث مقال في "موقع الإشتراكية العالمية الإلكتروني"، عن التهديد المحدق بالديمقراطية في البرازيل بعد انتخاب لولا دا سيلفا رئيساً، من قبل أنصار الرئيس اليميني السابق بولسونارو وتياره المتطرف، ولا سيما من قبل جنرالات الجيش الذين تلوح في أذهانهم ذكريات مرحلةالستينات والسبعينات، عندما حكمت الديكتاتورية العسكرية البلاد لعقدين.

ينشر الميادين نت في ما يلي ترجمته الكاملة إلى العربية:

وقع الهجوم في برازيليا، عاصمة البرازيل، بعد أسبوع واحد بالضبط من تولي الرئيس المنتخب منصبه،عن "حزب العمال". وشَنَّ الغزوة حشدٌ فاشي، من أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو، الذين يعمدون إلى دهورة الديمقراطية في أكبر بلد في أميركا الجنوبية، بشكل لا يمكن كبحه.  

في خطاب الرئيس دا سيلفا الافتتاحي أمام حكومته، أقرّ لولا بالطابع الاستثنائي للانتخابات الأخيرة. وأعلن أن مشروعاً استبدادياً سيطر على مواقع جوهرية في القطاع العام وحاول الإطاحة بالديمقراطية في البرازيل، لكنه فشل.

المخاوف التي عددها دا سيلفا تشكّل مصدر قلق لملايين البرازيليين، الذين يدركون أنّ الرئيس المستبد السابق، بولسونارو، يحاول على مدى الشهرين الماضيين قلب النتائج الحقيقية للانتخابات الأخيرة. 

مع ذلك، أكد الرئيس دا سيلفا، للشعب البرازيلي، أنه تمّ التغلب على "التهديدات الرهيبة" لجماعات اليمين المتطرف بقيادة بولسونارو. واعتبر أن "الجبهة ديمقراطية" لكل القوى السياسية، استطاعت أنّ تسحق الفاشية بشكل نهائي في البرازيل، وأنّ الديمقراطية هي الرابح الأكبر.

لكن الأحداث كشفت عن عكس ادعاءات دا سيلفا، منذ يوم "التنصيب"، حيث نفّذت الشرطة البرازيلية طوقاً أمنياً غير مسبوق بسبب التوقعات بأعمال إرهابية محتملة لعصابات بولسونارو.

ومن المستغرب أن تكون وحدات الشرطة التي أمّنت حفل تنصيب دا سيلفا، هي عينها التي رافقت الغوغاء الفاشيين للاستيلاء على مقار الحكومة، في هجوم الثامن من الشهر الجاري.

ورداً على الأحداث غير العادية، تحرّكت حكومة "حزب العمال" ومؤسسات الدولة لقمع الأعمال الإرهابية، وأصدر لولا مرسوماً بالتدخل الفيدرالي في مقاطعة العاصمة برازيليا، مما يسمح لحكومته بالسيطرة على الأمن والاستعانة بضباط من جميع أنحاء البلاد. 

ووفقاً للحكومته، فإنّ هذه الإجراءات ستضمن "مرة أخيرة وإلى الأبد أنّ هذا لن يحدث مرة أخرى". كما تم تفريق معسكر أنصار بولسونارو، والمجموعات التي اعتصمت امام أبواب مقار الجيش الوطني، منذ أعلان نتائج الانتحابات الأخيرة. 

كذلك، اعتبر وزير العدل البرازيلي فلافيو دينو، أنّ "البلاد تتّجه نحو تثبيت النهج المؤسسي للدولة والمجتمع في البرازيل، وخلص دينو، الذي حكم ولاية مارانهاو نيابة عن الحزب الشيوعي الماوي البرازيلي، إلى القول إنّ "القوات المسلحة البرازيلية ظلّت حتى الآن وفية للشرعية الديمقراطية، وإنذ الأسوأ قد انتهى". 

علاوة على ذلك، سارع المحللون السياسيون في وسائل الإعلام البرازيلية، إلى شجب غزوة بولسونارو، واعتبارها هزيمة "كاملة" للحركة اليمينية المتطرفة في البرازيل، وأنّ مشهد الفوضى الذي ظهر خلال الهجوم، سيؤدي إلى تقوية الرئيس دا سيلفا، ولو بشكل مؤقت.

هذه التقييمات خاطئة تماماً، وعلى وجه الخصوص، في ادعاء الوزير دينو، بأنّ الجيش لا يزال حتى الآن مخلصاً للشرعية الديمقراطية. وهذا أمر يتعارض مع الواقع تماماً.

فخلال الأشهر القليلة الماضية، تدخّلت القوات المسلحة بطريقة غير مسبوقة في السياسة البرازيلية. أصدر القادة العسكريون مذكرات رسمية تدين المسؤولين المدنيين بسبب حديثهم بشكل سلبيّ عن القوات العسكرية. كما أثار الجيش اتهامات كاذبة بخطر تزوير الانتخابات قبل موعدها بوقت ليس بالقصير.

في غضون ذلك، دافع الضباط الكبار عن التظاهرات حول الثكنات العسكرية، والتي تدعوهم إلى القيام بانقلاب، باعتبارها "حركة شعبية" مشروعة. وهذا يجري في بلد استولى فيه الجيش على السلطة عام 1964 وحكمه عن طريق دكتاتورية دموية لمدة عقدين.

وعلاوة على ذلك، التزم الجيش الصمت بشأن الاستعدادات لهجمات الأحد، والهجمات العنيفة السابقة من قبل أتباعهم الفاشيين.

بدأ اقتحام المباني الحكومية وتمّ تنظيمه عند بوابات مقرّ الجيش في برازيليا، وهي منطقة محظورة، حيث سُمح للفاشيين بالبقاء من قبل الجنرالات.

فحقيقة تعاون الجيش حتى الآن مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، لا تتعارض مع موقفها السابق ولا تمثل انعطافة سياسية. وفي الواقع، بولسونارو، وكل المنخرطين في اليمين المتطرف في البرازيل، والمتورطين في الأحداث الأخيرة في السر،  أدانوا جميعاً الغزوة باعتبارها انحرافاً عن الديمقراطية.

ومن الواضح أنّ منظمي الهجوم الفاشي في برازيليا متجذّرون بعمق في الدولة، وخاصة في الجيش. والهجوم المذكور لا يمثّل هزيمة للمؤسسة العسكرية، بل على العكس من ذلك، فإنّ "تعاونهم" مع إدارة حزب العمال في مواجهة هذه الأزمة لن يمنحهم سوى مساحة أكبر في الحكومة، مما يمكّنهم من دفعها إلى اليمين أكثر من أي وقت مضى، بينما لا يزالون يستعدون للإطاحة بها في أقرب فرصة ممكنة.

إنّ ما قامت به الفاشية في برازيليا يعدّ بمثابة التحذير الأكثر جدية، بمواجهة الانفجار البركاني لتناقضات الرأسمالية، حيث يتمّ تأجيج خطاب التطرف على الصعيد العالمي.

ولا ينبغي أن يُنظر إلى إقامة الديكتاتوريات الفاشية، حتى في قلب البلدان الرأسمالية، على أنه احتمال بعيد المنال. إلى جانب خطر اندلاع حرب إبادة نووية، فإن هذا التهديد حقيقي تماماً.

 

نقله إلى العربية: حسين قطايا