"سي أن أن": توقعات بتحقيق اليمين المتطرف مكاسب ضخمة في الانتخابات الأوروبية

إذا اتجه الاتحاد الأوروبي نحو اليمين، فإن تأثيره سيخلّف حتماً تداعيات ملموسة، وربما واسعة النطاق، على الأشخاص الذين يعيشون خارج حدود أوروبا.

  • "سي أن أن": توقعات بتحقيق اليمين المتطرف مكاسب ضخمة في الانتخابات الأوروبية

شبكة "سي أن أن" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب لوك ماكجي، يقول فيه إنّ التوقعات تشير إلى أنّ اليمين المتطرف سيحقق مكاسب ضخمة في الانتخابات الأوروبية، وسيرسم السياسة الأوروبية للسنوات الخمس المقبلة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تشهد الديمقراطية على مستوى العالم عاماً تاريخياً ومحورياً، إذ من المقرّر أن تُجري نحو 70 دولة - من الولايات المتحدة إلى جنوب أفريقيا، مروراً بالمكسيك وتايوان - انتخابات في عام 2024.

وبعد عمليات الاقتراع الضخمة والمستمرة منذ ستة أسابيع في الهند، ستُجرى أكبر انتخابات من حيث أعداد الناخبين الأسبوع المقبل، إذ سيتمكن 373 مليون ناخب أوروبي من الذهاب إلى صناديق الاقتراع وانتخاب 720 عضواً في البرلمان الأوروبي المقبل.

وبمجرد فرز الأصوات المشاركة من الدول الـ27 المكوّنة للاتحاد، يُتوقع بشكل كبير أن تظهر النتائج تحوّلاً كبيراً نحو اليمين، الأمر الذي قد تكون له انعكاسات كبيرة على الاتجاه السياسي الذي سيسلكه الاتحاد الأوروبي في وقت يكافح أزمات متعددة، كثير منها عالميّ. 

فمن الحرب في أوكرانيا إلى التعامل مع الهجرة الجماعية، وتهديد تغير المناخ، تصعب رؤية كيف سيتمكّن الاتحاد المكوّن من بلدان متنوّعة من توحيد الآراء في كل هذه القضايا.  

وبطبيعة الحال، فإنّ الاختلافات في الرأي بين الدول الأعضاء ليست بجديدة. إذ لطالما اعتمدت سياسة الاتحاد الأوروبي على تحالفات حرجة بين الدول والأيديولوجيات السياسية التي تمثل ناخبين مختلفين إلى حدّ بعيد.

ولكن، لا شك في أن المركز السياسي في الاتحاد الأوروبي تحرك باتجاه اليمين على مدى العقدين الماضيين.

ولعلّ البرلمان الأوروبي هو المكان الذي يتجلى فيه هذا الأمر بشكل أكبر على مستوى الاتحاد الأوروبي. إذ ينتمي معظم المشرّعين (المعروفين باسم أعضاء البرلمان الأوروبي) إلى حزب سياسي في بلادهم. وبمجرد دخولهم البرلمان الأوروبي الكائن في العاصمة البلجيكية بروكسل، فإنهم يتموضعون في مجموعات سياسية فضفاضة ومتعددة الجنسيات تمتلك مصالح سياسية مماثلة على نطاق واسع.

ثم تشكّل هذه المجموعات تحالفات أكثر مرونة، ما يؤدي عادة إلى تجمع أغلبية من الوسطيين من تيار يسار الوسط وتيار يمين الوسط والليبراليين في مكان ما في الوسط.

لقد كان تحوّل المركز السياسي في هذا التحالف نحو اليمين تدريجياً. ففي عام 1994، حازت كتلة التحالف التقدمي للديمقراطيين والاشتراكيين على أكبر عدد من مقاعد البرلمان الأوروبي. وفي عام 1999، تفوّق عليها حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط.

وكان حزب الشعب الأوروبي، الذي يمكن وصفه بأنّه حزب يضم محافظين أمثال المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، يشكل آنذاك القوة المهيمنة في سياسة الاتحاد الأوروبي. 

وفي حين تمكّن حزب الشعب الأوروبي من قيادة تحالف وسطي رئيس مع اليسار والليبراليين على المستوى الأوروبي، لا يزال أعضاء البرلمان الأوروبي مدينين بالفضل للسياسة الداخلية المتبعة في بلدانهم.

فعلى سبيل المثال، ليس من السهل على المحافظ أن يعمل مع الليبرالي على سياسة الاتحاد الأوروبي التي من شأنها تقاسم عبء طالبي اللجوء إذا أصبح الناخبون في الوطن ينجذبون إلى الشعبويين الصاخبين المناهضين للهجرة. وبالتالي، كلما علت الأصوات الداخلية، وكلما تعاظم خطر خسارة مقعدهم في البرلمان، أصبحت سياسات مختلف الأحزاب على مستوى بروكسل أكثر تعقيداً.

ومن المؤكد أنّ تهافت المشرعين نحو مجموعات تقترب من حزب الشعب الأوروبي سيؤدي إلى تعقيد الأمور.

وفي حين يُتوقع أن تحتل كلّ من كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليمينية (ECR) وكتلة الهوية والديمقراطية اليمينية المتطرفة (ID) المركزين الرابع والخامس على التوالي من حيث عدد المقاعد، فإنّ حصيلتهما مجتمعة والتي قد تصل إلى ما يزيد عن 140 مقعداً وفقاً لشركة "Politico Polls"، سيكون من الصعب على حزب الشعب الأوروبي تجاهلها. ويتوقع حالياً أن يفوز حزب الشعب الأوروبي بـ165 مقعداً مقابل 143 مقعداً للاشتراكيين والديمقراطيين.

هذا وتُعد كتلتا المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) والهوية والديمقراطية اليمينية (ID) نموذجين لأحزاب البرلمان الأوروبي نظراً  لكونهما تشكلان مركزاً لمجموعة واسعة جداً من المحافظين. 

على سبيل المثال، تم تأسيس كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين على يد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون الذي نظّم حملة ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ورئيستها الحالية هي رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي حظيت بالكثير من الاهتمام خلال الانتخابات الإيطالية لعام 2022 لمعارضتها حقوق مجتمع الميم، ومنحها وعداً بالحد من الهجرة وإلقائها خطاباً عاماً مناهضاً للعولمة.

لكن، ومنذ انتخابها، بات يُنظر إلى ميلوني على أنها أكثر اعتدالاً بشكل ملحوظ، وقد دعمت عدداً من مبادرات الاتحاد الأوروبي الرئيسة، بما في ذلك دعم أوكرانيا. كما عارضت السماح للرئيس الهنغاري فيكتور أوربان بالانضمام إلى كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين بعد تركه حزب الشعب الأوروبي.

فمنذ بداية الحرب، كانت المجر الصوت الأكثر تأييداً لروسيا في الاتحاد الأوروبي. وسواء كان ذلك متعمداً من جانب ميلوني أم لا، فإنّ معارضة أوربان جعلت العمل معها ومع كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين سائغاً أكثر بالنسبة إلى مؤسسة بروكسل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

كذلك سعت كتلة الهوية والديمقراطية إلى تحسين صورتها. فقد طردت مؤخراً حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف من صفوفها، بعد أن صرّح أحد كبار أعضاء البرلمان الأوروبي لصحيفة إيطالية بأنّه لا يرى جميع أعضاء قوات الأمن الخاصة (شوتزشتافيل)، وهي المجموعة شبه العسكرية النازية سيئة السمعة، كمجرمين.

تختلف الآراء في هذه المسألة من التيار المعتدل في كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين إلى المتطرفين في كتلة الهوية والديمقراطية، لكن التيارات السياسية والرغبة في التأثير قد تؤدي إلى بناء تحالفات غريبة، خاصة في عالم السياسة الأوروبية الغامض والمتقلّب. 

من المستبعد أن يكون حزب الشعب الأوروبي على استعداد للعمل بشكل مباشر مع كتلة الهوية والديمقراطية في أي وقت قريب، ولكن هذا لا يعني أنهما لن يكونا حزبين مهمين. فقد أظهر لنا التاريخ مراراً أنه من الممكن التأثير في السياسة من قبل الخصوم. لنفترض أنّ الأحزاب المرتبطة بكتلة الهوية والديمقراطية قد بدأت بوضع السياسيين المقرّبين من اليمين تحت الضغط في بلدانهم. ستجد أنّ الوسط يتبنى أفكارهم السياسية، كما حدث سابقاً في فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا.

وهناك ما يكفي حالياً من المواضيع الساخنة في أوروبا لكي يتدخل اليمين فيها. فالهجرة، وتغير المناخ، وأمن الحدود، والإنفاق العسكري، وسيادة القانون، كلها شكّلت بؤر توتر في السياسة الأوروبية لفترة طويلة ولن تختفي في القريب العاجل. وفي نهاية المطاف، سيتولّى البرلمان المنتخب حديثاً التحقيق في عملية تشكيل المفوضية الأوروبية، وهي الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، والموافقة عليها. 

سيتم التعامل مع جميع المسائل الأخرى تقريباً على أساس كل حالة على حدة إذا جاءت الأرقام كما هو متوقع. وكلما زاد عدد أعضاء البرلمان الأوروبي المنتخبين المقرّبين من حزب الشعب الأوروبي، زاد نفوذهم بمرور الوقت.

إنّ خمس سنوات تُعدّ فترة طويلة في السياسة، وهي مدّة هذا البرلمان. وخلال هذا الوقت، ستُجري فرنسا انتخابات قد تفوز بها مارين لوبان، رئيسة حزب التجمع الوطني، المحسوبة على كتلة الهوية والديمقراطية. ويُتوقع أن يشكّل خيرت فيلدرز، المحسوب هو الآخر على كتلة الهوية والديمقراطية، حكومة في هولندا قريباً بعد ظهوره كأكبر حزب في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر. بعبارة أخرى، قد تصبح السياسة الداخلية في الدول الأعضاء يمينية أكثر، الأمر الذي من شأنه أن يغير الحسابات في بروكسل بطبيعة الحال.

قد يبدو البرلمان الأوروبي في كثير من الأحيان وكأنه فقاعة بيروقراطية مملّة، تشق طريقها عبر العملية الانتخابية بشكل مضجر، بيد أنّ الاتحاد الأوروبي غدا لاعباً جيوسياسياً بصورة مطردة، قادراً على فرض عقوبات على الشخصيات السياسية الروسية والصينية، وتوفير الأموال لأوكرانيا واستخدام ثقله الاقتصادي كأكبر كتلة تجارية في العالم في مجال الدبلوماسية. وإذا كان مركزه السياسي يتجه بالفعل نحو اليمين، فإن تأثيره سيخلّف حتماً تداعيات ملموسة، وربما واسعة النطاق، على الأشخاص الذين يعيشون خارج حدود أوروبا.

نقلته إلى العربية: زينب منعم