العام 2022.. نهاية أوميكرون أو ماكرون؟
خلال 6 أشهر في قيادة الاتحاد الأوروبي، سيحظى ماكرون بنفوذ كبير للمضي قدماً ببعض المسائل والتوصل إلى تسويات بين الدول.
وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون آخر رسالة لرأس السنة خلال ولايته التي امتدت 5 سنوات تحت تهديد وباء "كورونا"، مستغلاً الفرصة لتسليط الضوء على نتائج عهده، في رسالة إلى الناخب الفرنسي لإعادة انتخابه، وذلك قبل 4 أشهر من الانتخابات الرئاسية، على الرغم من مناخ القلق من الخسارة السائد لديه بفعل تفشي الوباء.
وقد أوضح ماكرون أن "فرنسا ستشهد أسابيع صعبة"، مشيراً إلى أن "ثمة أسباباً حقيقية للأمل مطروحة مع توفر اللقاحات"، واعتبر أن "العام 2022 هو عام نهاية الوباء"، مضيفاً أن "التطعيم هو أعظم ما نملك". وتابع: "إنني متفائل جداً حيال العام المقبل، والأعوام التي ستليه أيضاً، ففرنسا اليوم أقوى مما كانت عليه قبل عامين، على الرغم من المصاعب".
يستعدّ الشعب الفرنسي لانتخاب الرئيس الثاني عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة في 23 نيسان/أبريل 2022، مع ما يرافقه من تخوّف ماكرون من إقفال أبواب قصر الإليزية أمامه لولاية ثانية، وسط انتشار واسع لفيروس كورونا في فرنسا، إذ سُجّلت للمرة الأولى منذ بدء انتشار الجائحة 208 آلاف حالة جديدة، ما يعتبر أعلى حصيلة إصابات بالفيروس.
من جهته، أعلن وزير الصحة في حكومة ماكرون، أوليفييه فيران، أنَّ المتحور الأكثر انتشاراً في بلاده هو "أوميكرون"، وهو الذي سيصبح سائداً حالياً. وقال قبل ذلك إنّ شهر كانون الثاني سيكون صعباً للغاية بالنسبة إلى المستشفيات في البلاد بسبب فيروس كورونا.
وسط جدلية انتشار الوباء والحدّ منه، يتساءل المتابع: هل تطمينات ماكرون هي عملية استباقية عما يمكن أن يفعله القطاع الطبي في فرنسا مع تفشّي الفيروس، كي يتفادى ثمن ذلك سقوطه الرئاسي في العام 2022 أو سيكون هذا العام نهاية وباء كورونا ومتحوراته، ولا سيما أوميكرون، ما يقطع الطريق أمام خصومه في عملية استغلال انتشاره كورقة لإسقاطه؟
تَحضر أمام ماكرون مشهدية خسارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في انتخابات 2020 على وقع تفشي فيروس كورونا الذي فتك بالأميركيين، بعدما كانت إدارته قد تعاملت بسياسة اللامبالاة تجاه هذا الوباء العالمي. سيناريو أميركا يرعب الرئيس ماكرون، وهو قاب قوسين من الانتخابات، ما يجعله يفتّش عن أوراق رابحة، في ظلّ اكتشاف متحور جديد من فيروس كورونا في مرسيليا، جنوب فرنسا، بحسب موقع "MedRxiv". وقد ذكر الموقع أنّ نتائج دراسة أجراها علماء من معهد الأمراض المعدية في مرسيليا "IHU"، أكَّدت وجود "تركيبة غير نمطية" لدى 12 حالة محلية خضعت للاختبارات.
تتقاطع تكهّنات ماكرون حول نهاية كورونا ومتحوراتها في نهاية هذا العام مع ما قاله مؤسس شركة "مايكروسوفت"، بيل غايتس، إذ اعتبر إنّ أعداد الوفيات بسبب كورونا ستنخفض، وأن معدل الإصابات يمكن أن يصل إلى متوسط الإنفلونزا الموسمية بحلول منتصف العام 2022، معتبراً أنه عام نهاية الوباء.
القضاء على "كوفيد 19" يبقى هاجس الرئيس الفرنسي، الذي يرى في الحد من انتشاره ورقة رابحة يقدمها للناخب قبل موعد الانتخابات، في ظل وجود منافسين حقيقين له في انتخابات 2022، بعدما أثبت فشل إدارته في معالجة قضايا التطرف الإسلامي في البلاد.
لقد استطاع ماكرون أن يعلي شأن الدبلوماسية الفرنسية، ويثبّت حضورها بين دول القرار، إذ قاد فرنسا إلى استعادة مجدها السابق؛ فحضوره في بيروت بعد انفجار المرفأ في 4 آب/أغسطس 2020، دفع الكثير من اللبنانيين إلى دعوته إلى تجديد الانتداب. كذلك، عمل مع الحكومة العراقية على استحصال عقود التنقيب واستخراج النفط من العراق عبر شركة "توتال" بعقد تخطى 30 مليار دولار.
تحديات كبيرة خارجية تواجه طموح ماكرون لحجز مكانه في قصر الإليزيه، ولا سيما مع روسيا، التي تعزز وجودها في القرن الأفريقي عبر شركة الأمن الروسية "فاغنر"، والتي تعوق المصالح الفرنسية في مستعمراتها السابقة، إضافة إلى إبطال صفقة الغواصات الفرنسية مع الحكومة الأسترالية، بعد أن أفشلتها الإدارة الأميركية. ويعتبر الرئيس ماكرون أن مبادرته للبنان تمّ إفشالها من قبل اللاعبين المحليين. لهذا، بادر وزير خارجيته مراراً إلى إطلاق التهديدات بفرض عقوبات فرنسية وأوروبية على معرقليها.
أمام الرئيس ماكرون عقبات كثيرة قد يعمد الخصم للاستفادة منها في الضربة القاضية والحاسمة، إلا أنَّه يعرف كيف يستفيد من الفرص المتاحة لديه لقلب النتيجة، كما فعل في الانتخابات الرئاسية السابقة، فتسلّمه قيادة الاتحاد الأوروبي هو فرصة قد تعزز حظوظه الرئاسية؛ فعند منتصف ليل الجمعة السبت الأول من كانون الثاني/يناير 2022، أنير برج إيفل وقصر الإليزيه باللون الأزرق الأوروبي، في إشارةٍ إلى تسلم فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي من سلوفينيا، على أن تسلمها في النصف الثاني من السنة إلى تشيكيا.
تحبس الدول الأوروبية أنفاسها استعداداً لهجمة كبيرة من المتحور "أوميكرون"، رغم تشديد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، بفرض قيود التباعد الاجتماعي ووضع الكمامات في الأماكن العامة والمواصلات، إلى جانب إلغاء آلاف الرحلات الجوية للحدّ من التنقل بين الدول، وهو ما يضيف أعباء ومسؤوليات على عاتق الرئيس الفرنسي في مكافحة الوباء، إضافة إلى التحديات الكبرى التي تجابهها أوروبا، وعلى رأسها وفود النازحين غير الشرعيين عبر بيلاروسيا والتواجد الروسي في أوكرانيا.
أخيراً، وخلال 6 أشهر في قيادة الاتحاد الأوروبي، سيحظى ماكرون بنفوذ كبير للمضي قدماً ببعض المسائل والتوصل إلى تسويات بين الدول الأعضاء، فهل ستكون هذه القيادة فرصة جدية أمامه لقلب الطاولة الانتخابية على خصومه ونيل ولاية جديدة، وهو الّذي حدد سقفاً عالياً جداً لرئاسته الاتحاد بقوله: "ينبغي أن نجعل أوروبا قوية في العالم، وأن تتمتع بسيادة كاملة وحرة؟".