معركة الانتخابات الهندية لعبة سرديات مريبة تديرها أيادٍ غربية
من المهم بالنسبة للهند وفاءً بشعار سياستها الخارجية أن تكون "مانترا فيشواميترا" أي أداة للعقل، صوت الحكيم العظيم فيشواميترا للمساعدة على تغيير دوافع اللاوعي لتكون صديقة للعالم بأكمله.
بينما دارت رحا المعركة الانتخابية في الهند، كانت وحدات التدخّل الخارجي منتشرة على جبهات صناديق الاقتراع للتأثير على الرأي العام، وبالتالي على النتيجة النهائية لما يوصف بـ "أعظم ممارسة ديمقراطية في العالم". فقد تحرّكت مراكز التأثير من مقارّها في الولايات المتحدة، بريطانيا ودول غربية أخرى وأوعزت لخبرائها ومحلّليها وأكاديميّها وكتّابها وإعلاميّها وجيوشها الإلكترونية ببثّ السردية الملائمة عبر وسائل إعلامها ووسائل التواصل الاجتماعي لإخضاع السواد الأعظم من جمهور الناخبين السذج لأجندات المصالح الغربية.
نجحت الهند خلال السنوات الأخيرة في تعزيز موقعها الجيوسياسي كقوة عالمية عظمى واثقة من قدراتها التي تخوّلها تأدية دور قيادي في الهيكليات الاقتصادية العالمية مثل البريكس وشنغهاي، إضافة إلى دورها الأساسي في رباعية الكواد وترّأسها لمجموعة العشرين العام الماضي، أما الاقتصاد الهندي ـــــ الصوت الأقوى لما يسمّى بعالم الجنوب ـــــ فمن المتوقّع أن يصل إلى المرتبة الثالثة في العالم.
من المهم بالنسبة للهند وفاءً بشعار سياستها الخارجية أن تكون "مانترا فيشواميترا" أي أداة للعقل، صوت الحكيم العظيم فيشواميترا للمساعدة على تغيير دوافع اللاوعي لتكون صديقة للعالم بأكمله. فقد نجحت الهند في تحقيق توازن مع القوى الكبرى، بينها أطراف متصارعة في أكثر نزاعات العصر تعقيداً، فأتت الانتخابات فرصة مناسبة للمستهدفين الحاسدين لتحريك الهند عن مسارها وإرباك سياساتها المعتمدة وتعطيل مخطّطاتها المستقبلية.
استهداف الهند تمّ عبر مؤسسات ودول أجنبية حاولت التدخّل في شؤونها الداخلية خلال فترة الانتخابات، وأبرز مثال على هذا التدخّل كان إصدار وزارة الخارجية الأميركية بياناً شديد اللهجة بعد اعتقال رئيس حكومة دلهي، أرويند كيجريوال، في آذار/مارس 2024. حوى فحوى البيان توبيخاً للحكومة الهندية وتضمّن إملاءات لكيفية إجرائها الانتخابات، سارعت نيودلهي إلى الرد باستدعاء دبلوماسي أميركي رفيع المستوى وتوجّهت للمؤسسات الأميركية بضرورة الامتناع عن التعليق على الديمقراطية الهندية، أما وزير الشؤون الخارجية، إس جايشانكار، فقد وصف مثل هذه البيانات بالمؤسفة، ودعا الدول الغربية إلى ممارسة لجم نفسها لدى التعليق على حلفائها.
تكشف هذه المواقف تحي عميقاً ومزمناً داخل الأوساط السياسية الأميركية، لم يتغيّر على مرّ العقود على الرغم من العلاقات الثنائية القوية بين البلدين، فقد وجّهت الولايات المتحدة مراراً أسئلة حول ممارسة الديمقراطية في الهند تحت قيادة رئيس الوزراء مودي. بالإضافة إلى ذلك، تواصل لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية إصدار بيانات مُقلقة بشأن حالة حرية الأديان في الهند مع أجندة للتأثير على الاتجاهات السياسية المحلية، وقد تم نشر تقرير واحد من هذا القبيل قبل بضعة أسابيع من الانتخابات.
مؤسسة هنري لوس
مؤسسة هنري لوس للولايات المتحدة على رأس المنظّمات الأجنبية التي سعت إلى نتيجة إيجابية لصالحها للانتخابات الهندية. المؤسسة مرتبطة بشكل وثيق بأشخاص في الحكومة الأميركية ومراكز الفكر مثل مؤسسة آسيا للولايات المتحدة (CFR) ومجلس العلاقات الخارجية (TAF)ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ((CSIS والتي لها روابط موثّقة بوكالة الاستخبارات المركزية.
تأسست مؤسسة آسيا بشكل مباشر من قبل وكالة الاستخبارات المركزية في عام 1954 لتعزيز المصالح الأميركية في قارة آسيا من خلال الأنشطة التعليمية والثقافية، وكانت تعمل في الأصل تحت اسم "اللجنة من أجل آسيا حرّة". ورغم ادعاء الاستقلالية، فإنّ الشائعات تاريخياً كانت تشير إلى ارتباطات لمجلس العلاقات الخارجية مع وكالة الاستخبارات المركزية حيث أمّن المركز منصة لمدراء الاستخبارات المركزية لمناقشة استراتيجيات الوكالة.
(CFR) (CIA)
وكانت لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية علاقة طويلة الأمد مع وكالة الاستخبارات المركزية عبر أصول تأسيسه في جامعة جورجتاون، وهذا يبرز العلاقات المتشابكة بين الأنشطة الخيرية للمؤسسة ظاهراً والمصالح الاستراتيجية الأميركية، مما يسلّط الضوء على التفاعل المعقّد بين الاستخبارات والتأثير عبر الأعمال الخيرية وغيرها من السواتر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
قدّمت مؤسسة هنري لوس تمويلاً لعدد من الأفراد والمؤسسات لتنظيم فعّاليات عبر الإنترنت، عملت على بناء تصوّرات متشعّبة ومتشابكة حول الانتخابات الهندية، ونجحت بذلك إلى حد كبير من خلال المنشورات والمدوّنات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إضافةً إلى ذلك، قدّمت المؤسسة تمويلاً لدراسة متعلّقة بـ "اليمين الهندوسي والدبلوماسية الدينية في الهند" التي أجراها مركز بيركلي للشؤون الدينية في جامعة جورج تاون. استنتج التقرير أنّ الهند تنشر مراسيها الدينية، الهندوسية بطبيعتها، مستعرضة بذلك دبلوماسية قوتها الناعمة.
مثل هذه التقارير تأتي في أساس نتائج وتصنيفات تصدرها اللجنة الأميركية لحرية الأديان، والتي تضع الهند في منطقة القلق والتحذير، وقد تمّ الاستشهاد بهذه التقارير أيضاً في مقالات الرأي التي يكتبها كتّاب مرتبطون بالمؤسسة وغيرهم في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية. تُبنى بهذا النهج صورة الهند باعتبارها "معادية للأقليات" ومتحيّزة ضد الأشخاص من غير الهندوس.
مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي هي إحدى مراكز الدراسات الرئيسية الأخرى التي تدعمها مؤسسة هنري لوس مالياً، يقوم الكتّاب الموظفون أو المكلّفون بإنتاج أعمال بحثية تساعد في بناء تصوّر معيّن حول الهند. نشرت المؤسسة دراساتها المتعلّقة بالهند في مادة بعنوان "حقوق المواطنة، وحماية الأقليات، وارتفاع التطرّف اليميني" أعدّها كتّاب مثل ميلان فيشناف، ومادهاف خوسلا، ونيراجا جوبال جايال، وبراتاب بهانو ميتا. جميع هؤلاء الكتّاب معروفون بآرائهم الحادة المعارضة للحكومة الهندية، بعضهم معروفون بنشاطهم على اليوتيوب ومنصات إعلامية أخرى وبرز نشاطهم خلال الانتخابات.
التدخّل الفرنسي
كريستوف جافريلو هو مؤلف معروف مختص بشؤون جنوب آسيا، أعماله حول الطبقات المسحوقة، جوجارات وأمبيدكار، وتعليقاته المنتظمة على جوانب مختلفة من السياسة الهندية تُقرأ على نطاق واسع. تلميذه، جيل فيرنييه، قام بتوسيع أعماله. كتب جافريلو في الأشهر الأخيرة، بشكل رئيسي محللاً مختلف جوانب المجتمع والسياسة الهندية المرتبطة بالنظام الطبقي، ولا شك أن مقالاته تستند إلى بحث سليم، لكنّ توقيت نشرها وإصرار جافريلوت على استخدام منعطفات التعابير لجعلها تميل ضد النظام الحالي في نيودلهي يثيران الريبة.
نُشرت بعض مقالات جافريلو في صحيفة لوموند، وهي واحدة من أهم الصحف في فرنسا، لوحظ أثناء تحليل التقارير العالمية حول الانتخابات الهندية نمط غير تقليدي من التغطية الإعلامية التي تحاول تشكيل سردية معيّنة للتأثير على عقلية الناخبين. والنمط الأكثر لفتاً للأنظار لوحظ في المقالات الافتتاحية ـــــ المقالات والدراسات إما كتبت أو استندت إلى مقابلات ـــــ تصريحات عالم سياسي وباحث فرنسي محدّد هو كريستوف جافريلو، الذي أصبح مرجعاً لهذا الملف. كما لوحظ أيضاً خلال تحليل الضوضاء المحيطة بالانتخابات الهندية، أنّ جافريلو كان مصدراً رئيسياً لمعظم المقالات في وسائل الإعلام الغربية وجزءاً من منصات الإعلام الهندية خصوصاً التي تستهدف الانتخابات.