الحالة الشعبية في مواجهة مشاريع الأسرلة والتهويد
ويبقى الرهان على الحالة الشعبية في مواجهة مشاريع الأسرلة والتهويد في الشيخ جراح خاصة، والقدس عامة، فهناك قيادة سياسية غارقة في أحلامها ومنفصلة عن الواقع.
هناك قرار سياسي، وليس فقط من قبل الجمعيات الاستيطانية والتلمودية، بالاستيلاء على كامل منطقة الشيخ جراح، لتنفيذ مشاريع ومخططات استيطانية وتلمودية وتوراتية في المنطقة، ولكن في ظلّ تصاعد المواجهة وتحوّل المعركة حول الشيخ جراح إلى معركة شعبية واسعة وتدخل دولي من أجل "لجم إسرائيل" والمستوطنين ومنعهم من مواصلة طرد الفلسطينيين وتهجيرهم ضمن سياسات التطهير العرقي، لجأت حكومة الاحتلال وبلديتها التي تعج بالمتطرفين، وفي مقدمتهم أريه كنج، عراب الاستيطان في الشيخ جراح، بالتعاون مع شرطة الاحتلال، وبمشاركة القضاء الإسرائيلي، إلى "مرحلة" عملية السيطرة على كامل منطقة الشيخ جراح، من أجل منع أية مواجهات شعبية واسعة وتصدٍ للمشاريع والمخططات الاستيطانية، والعمل قدر الإمكان على تجنب ردود الفعل الدولية الغاضبة الكلامية والإنشائية المفرغة من محتواها، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنها تدغدغ عواطف العجزة والمستكينين من القيادة الرسمية، التي باتت تجابه تلك المشاريع والمخططات بقبول فصل المسار السياسي عن الاقتصادي، خدمة لمصالحها وأهدافها، فهذه الشرعية الدولية ومؤسساتها ورباعيتها وخماسيتها وسداسيتها، لم تنجح في وقف مشروع استيطاني واحد أو وقف عملية إخلاء عائلة مقدسية وطردها وتهجيرها منذ 73 عاماً من عمر الاحتلال.
وضمن هذه "المرحلة"، رأينا كيف جرى الاستيلاء على قطعة أرض مساحتها 4700 متر مربع في المدخل الرئيسي لحي الشيخ جراح، تعود ملكيتها إلى 4 عائلات مقدسية، تحت حجج وذرائع استخدامها كحديقة عامة، والهدف معروف، وهو أن تستخدم كموقف لحافلات وسيارات المستوطنين القادمين لزيارة ما يسمى "مغارة الصديق شمعون"، وأن تكون نقطة ارتكاز للضغط على عائلات "كرم والجاعوني" الـ28 من أجل طردها وتهجيرها، عبر مسلسل من الاعتداءات والمضايقات المستمرة التي يتزعّمها غلاة المتطرفين، وفي مقدمتهم عضوا الكنيست بن غفير وسموتريتش ونائب رئيس بلدية الاحتلال أريه كنج.
وبعد استكمال السيطرة على قطعة الأرض تلك، قاموا بعملية جس نبض للسيطرة على قطعة أرض وبيت تخص المواطنة فاطمة السالم في القسم الغربي من حي الشيخ جراح، جورة النقاع "كبانية أم هارون"، ولكن تلك الخطوة فشلت، إذ جرى التصدّي لها شعبياً ومن سكان الحي.. وبعد ذلك، تفتقت عقلية الاحتلال وبلديته عن خطة من أجل السيطرة على قطعة الأرض التي يديرها المواطن محمود صالحية، والبالغة مساحتها 6 دونمات و200 متر مربع، إضافة إلى بيته وبيت شقيقته، من أجل السيطرة عليها، لكونها تقع في موقع استراتيجي يمنع تواصل البؤر الاستيطانية في تلك المنطقة مع بعضها البعض، فهي تقابل قصر المفتي الذي تبلغ مساحته 500م2، والذي يجري العمل على تحويله إلى كنيس يهودي. وكذلك، يلاصق القصر فندق "شبرد" الذي جرى الاستيلاء عليه أيضاً، والذي أقيم عليه 28 وحدة استيطانية، يجري توسيعها لكي تصبح 56 وحدة استيطانية، وهناك أرض مساحتها 25 دونماً جرى السيطرة عليها، لتحويلها إلى حديقة تلمودية توراتية.
ولذلك، في خطوة مخادعة وتضليلية وكذب صارخ، وفي هدف واحد ومشترك، هو تهويد الأرض الفلسطينية والطرد والتهجير القسري، ابتدعوا ما أسموه "تحريش الصحراء"، الذي يستهدف تجريف أكثر من 55 ألف دونم من أراضي النقب، وطمس وتدمير معالم 38 قرية فلسطينية هناك، تحمل صفة القرى غير المعترف بها، والتي يعدّ وجودها سابقاً لوجود "إسرائيل".
في الشّيخ جراح، وفي أرض المواطن صالحية الّذي جرى تجريف أرضه وتدمير بيته وبيت شقيقته بعد الاعتداء عليهم وعلى المتضامنين معهم بوحشية، ومن ثم جرى اعتقالهم، قبل أن يطلق سراحهم، وفي خطوة يُشم منها رائحة الإذلال وكسر الإرادة وتحطيم المعنويات، بعد اعتقال المواطن صالحية، أحضروه لكي يرى ما حل ببيته من هدم ودمار، وهو الذي نجح قبل ذلك في منع هدم بيته، وحماه بجسده، عندما تحصّن فيه على سطحه مع عائلته، متسلّحين بجرار من الغاز والبنزين، وهددوا بإحراق البيت إذا ما أقدمت قوات الاحتلال على اقتحامه وهدمه.
حكومة الاحتلال وأجهزة مخابراتها نجحوا في خداع المواطن صالحية والمحامين، وضلَّلوا كلّ الرأي العام، عندما قالوا إنّهم لن يعملوا الآن على هدم البيت، بل سيكتفون بتجريف الأرض وإخلاء ما هو موجود فيها من منشآت، من مشتل ومعرض سيارات وصالون حلاقة...
وللعلم، إنَّ حركة "ميرتس" شاركت في هذه المسرحية، عندما قالت إن بلدية الاحتلال لن تهدم البيت، مع العلم بأنّ هناك قراراً بإخلاء بيت صالحية حتى 25 من كانون الثاني/يناير الحالي، وليس هدمه، ولكن حكومة الاحتلال والمستوطنين الذين لا يريدون أن يتحول مشتل وبيت المواطن صالحية إلى مزار ورمز لهزيمة الاحتلال في تلك المعركة، ولكي لا يصبح بيت صالحية قضية رأي عام ويحصل تدخل دولي من أجل منع هدمه، اتخذوا قرارهم بالهدم، متذرعين بأنهم سيعملون على بناء مدارس للفلسطينيين في تلك المنطقة، في عملية كذب فاضحة وصارخة، فعلى مقربة من أرض صالحية وبيته، في منطقة واد الجوز، تمت مصادرة قطعة أرض من أجل حل مشكلة الاكتظاظ في مدارس البنات العربية، وإقامة مدرسة ثانوية، والنتيجة أن المبنى، بعد المماطلة لعدة سنوات، استُخدم كمكاتب لوزارة داخلية الاحتلال.
قطعة الأرض المستولى عليها وبيت صالحية وشقيقته، لن تكون مدارس للفلسطينيين إلا في الأحلام، والمأثور الشعبي يقول: "اللي بيجرب المجرب عقله مخرب". من الجيد تشكيل لجنة للقانونيين الفلسطينيين والعرب والدوليين لمتابعة القضية من باب فضح الاحتلال، ولكن الأرض والبيوت التي دُمرت وجُرفت مكانها لن تكون سوى أبنية استيطانية من أجل خلق تواصل جغرافي بين البؤر والمشاريع الاستيطانية في تلك المنطقة، وعزل قرى شمال مدينة القدس الشيخ جراح، واد الجوز وشعفاط والعيسوية، عن قلب مدينة القدس وبلدتها القديمة التي ستُحاط بأحزمة استيطانية.
ويبقى الرهان على الحالة الشعبية في مواجهة مشاريع الأسرلة والتهويد في الشيخ جراح خاصة، والقدس عامة، فهناك قيادة سياسية غارقة في أحلامها ومنفصلة عن الواقع، وربما غائبة عن الوعي؛ دينها وديدنها المفاوضات، ثم المفاوضات، ومشروعها هو مشروع أوسلو، ولا شيء غيره.
وكذلك، نحن نقول لمن وقعوا شروط الهدنة من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعدم مسّ الاحتلال بهوية المدينة وطابعها ومقدساتها، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، وعدم طرد سكان حي الشيخ جراح وترحيلهم، بأنَّ "المرجل" المقدسي لم يعد يحتمل، فهل ستهبّون مرة ثانية لنصرة القدس والمقدسات والمقدسيين أو سيبقى المقدسيون لوحدهم في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية ومستوطنيها الذين تمادوا كثيراً في عدوانهم على شعبنا وأهلنا في القدس والداخل الفلسطيني والضفة الغربية؟