في يوم القدس العالمي.. معاً نراها أقرب
نجد أن القدس كانت، وما زالت، نقطة ارتكاز ومركزاً للصراع. لذلك، سيبقى يوم القدس العالمي يوم الوحدة والاتفاق على مواجهة المستكبرين، وذلك من أجل إنسانية آمنة وعادلة.
يرجع تاريخ القدس المحتلة، إحدى أقدم مدن العالم، إلى أكثر من 3 آلاف سنة قبل الميلاد. استوطنت المدينةَ شعوبٌ متعدّدة، فالكنعانيون الذين هاجروا إليها في الألف الثالثة قبل الميلاد أسموها "أورساليم"، وتعني "مدينة السلام" أو مدينة الإله "ساليم"، ثم أصبحت تُنطق "يروش وشليم"، ومعناها "ملك السلام". وقد سماها إبراهيم الخليل "أور"، نسبةً إلى مدينة كلدانية تقع جنوب العراق، هاجر منها إلى فلسطين في العام 1921 ق. م (ميخائيل مكسى إسكندر، القدس عبر التاريخ، صفحة 5).
سكنت قبيلة اليبوسيين؛ أحد البطون الكنعانية العربية، المدينة في العام 2500 ق.م تقريباً، وأطلقت على القدس اسم "يبوس"، ثم توالى العصر الفرعوني واليهودي والبابلي والفارسي، وعُرفت في العصر اليوناني باسم "إيلياء"، ومعناه "بيت الله".
القدس مهد السيد المسيح، ومأوى كنيسة القيامة، وغاية رحلة الإسراء، ومنطلق المعراج النبوي لدى المسلمين، وقبلة صلاتهم الأولى. كان موقع فلسطين الجغرافي وموقع القدس فيها من أهمّ الأسباب لنشوب الصراعات التاريخية بشأنها، فمنذ بداية الصراع مع الحركة الصهيونية والاستعمار الغربي الداعم لها، كانت القدس رمزاً ومحوراً لهذا الصراع، واحتلّ الصهاينة القسم الغربي من المدينة المقدسة غداة حرب العام 1948، وسيطروا على باقي أجزائها في عدوان العام 1967، كما رفضوا كل قرار دولي يتعلّق بها ولا ينسجم مع أطماعهم.
اليوم، ومع هبّة المقدسيين في باب العمود في الشهر الفضيل، واستعار الحركة الاستيطانية الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين من بيوتهم، وانتزاع العقارات الفلسطينية المحيطة بالمسجد الأقصى بالاحتيال والصفقات المشبوهة، وشرعنة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، يبرز جلياً دور يوم القدس العالمي؛ اليوم الذي انطلقت فكرته في شهر رمضان المبارك خلال آب/أغسطس 1979، من أجل غاياتٍ عدّة، أبرزها:
أولاً: إبراز موقع القدس باعتبارها محور الصراع مع الصهيونية
أجمعت الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، على قدسية القدس كمخزون ديني تاريخي. واليوم، يحاول بعض الأشخاص تفريغ قضية القدس من مضمونها، ويظنّون أنّ المعركة التي تدور اليوم حول المسجد الأقصى هي نتيجة مباشرة للاحتكاك بين مواطن مقدسي فلسطيني مدافع عن أرضه ومقدّساته، ومستوطن صهيوني جاء من أوروبا مهاجراً إلى أرض السمن والعسل.
ولكنّ المعركة أبعد من ذلك. هي معركة بين تاريخين وهُويتين مختلفتين؛ الأولى لأصحاب الأرض الأصليين، والأخرى للدخلاء الذين أسسوا حركة صهيونية على أساس ديني تعصبي لا إنساني. لذلك، نقول: "أساس وجود الصهيوني المحتل في أرض القدس وفلسطين هو محور الصراع"، ويوم القدس يؤكد رفض الاحتلال من جذوره.
ثانياً: إظهار البُعد العالمي لقضية فلسطين
مع توالي أحداث ما يُسمى بـ"الربيع العربي" في العام 2010، غابت فلسطين عن الاهتمام والدعم الشعبي العربي، بسبب اهتمام كلّ بلد بإعادة ترتيب بيته الداخلي. رغم ذلك، ظلت قضيّة إنسانيّة، لا مجرد قضيّة عربيّة أو مسيحية أو إسلاميّة. لذلك، جاء يوم القدس العالمي ليؤكد أحقية القضية الفلسطينية، والأهم إنسانيتها، فمشهد الإنسان المظلوم الذي يُقتل، أو الطفل الذي يُهّجر، أو المرأة التي تُسحل، يثير مشاعر كلّ إنسان حر حول العالم، وهو يتكرّر يومياً ويمارس على شعب بأكمله منذ سنوات طويلة.
ثالثاً: بيان التلازم بين قضية فلسطين والوحدة الإسلامية
بشّر يوم القدس العالمي بحركة إسلامية جامعة تهدف إلى تصحيح مسار القضية الفلسطينية عامةً على الصعيد العالمي لا الإقليمي، إذ يعتبر يوم القدس العالمي فرصةً مهمة لتعزيز الوحدة داخل الأمة الإسلامية، وبالتالي القضاء على أخطر نقاط القوّة التي يسعى العدو لاستغلالها، وهي نشر التفرقة والخلاف.
كما أن هذا اليوم يُعيد إحياء قلوب المسلمين، ويشحنهم بالوحدة والتعاطف في ما يخصّ القضايا المقدسة للأمة، ويكسر بالتالي عصبية القوميات والمذهبيات.
رابعاً: تأكيد التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني كافة
حقوق الشعب الفلسطيني واضحة جداً ولا غبار عليها، وهي إنهاء كل الاحتلال الصهيوني الذي بدأ فعلياً مع إعلان وعد "بلفور" في العام 1917، وأحداث النكبة في العام 1948، مروراً بعدوان العام 1967، وهو مستمر حتى اليوم ويزداد تجذراً، من خلال سياسات عدوانية، منها الاستيطان والقتل والعدوان والأسر والفصل العنصري وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية وحصار قطاع غزّة وغيره الكثير.
أما الحق الثاني، فهو حق عودة كل الفلسطينيين إلى أرضهم وممتلكاتهم، وهو حق لا يسقط بالتقادم، ولا تملك أي جهة في العالم إسقاطه أو شطبه، فالأمم المتحدة مثلاً تلتزم بتطبيق قراراتها المتعلقة بحق اللاجئين في العودة، كالقرار 194 الذي ينص على العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.
استُهدف هذا الحق بشكل جليّ خلال الإعلان عما يُسمى بـ"صفقة القرن"، والتي سعت إلى توطين الفلسطينيين في الدول التي هُجروا إليها، مثل لبنان والأردن وسوريا ومصر، وتأمين فرص عمل لهم، ناهيك بفلسطينيّي الخارج في كل من أوروبا وأميركا.
الحق الثالث هو تقرير المصير بعيداً من أي تدخلات خارجية.
مما تقدم، نجد أن القدس كانت، وما زالت، نقطة ارتكاز ومركزاً للصراع. لذلك، سيبقى يوم القدس العالمي يوم الوحدة والاتفاق على مواجهة المستكبرين، وذلك من أجل إنسانية آمنة وعادلة.