العالم بين الوباء والاستمرار في النَّشاط.. هل من أمل؟
ضرب فيروس كورونا المستجد "كوفيد - 19" غالبية دول العالم، فأودى بحياة نحو 600 ألف، وأصاب أكثر من 9 ملايين شخص. ويظل السؤال الأكثر إلحاحاً منذ ظهور الوباء: متى ينتهي هذا الكابوس؟
يؤكّد الدكتور سيمون كلارك، أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة "ريدنج" البريطانيَّة، أنَّ من المستحيل تحديد تاريخ لاختفاء فيروس كورونا، مضيفاً: "في الواقع، سيكون معنا إلى الأبد"، بحسب صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانيّة.
ويرى كلارك أنَّ الأمر يمثِّل تحدياً كبيراً، لأن الناس يمكنهم التقاط العدوى من دون ظهور أي أعراض عليهم. وبدورهم، ينقلون العدوى إلى الآخرين. ويضيف: "لا يوجد أي سبب لنقول إنَّ "كوفيد - 19" لن يواصل فعل ذلك في المستقبل".
وتتّفق الدكتورة جينا ماكيوتشي، المحاضرة في علم المناعة في جامعة "ساسكس" البريطانية، مع هذا الرأي، قائلة إن من الصعب تقدير تاريخ لانتهاء الفيروس. وتوضح: "على الأرجح، إنَّه سؤال نريد جميعاً إجابة عليه، وأشكّ في أن يكون أي أحد متأكداً منه، إذ إنَّه يعتمد على العديد من العوامل، وأقول إنَّنا حالياً لا نعلم".
ويقول مايكل هيد، الباحث في جامعة "ساوثهامبتون"، إنَّ صعوبة أيّ تكهنات مستقبلية تتمثَّل في أنَّ فيروس كورونا جديد كلياً، وحجم الجائحة غير مسبوق في الذاكرة الحيّة.
بدوره، يقول روبرت دينجوال، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة "نوتنجهام ترينت"، إنَّ فيروس كورونا سيصبح متوطّناً بين الناس، مثل الإنفلونزا الموسمية، حتى ظهور لقاح آمن وفعال يمكن استخدامه على نطاق واسع للتخلص منه.
وحذَّر مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في منظمة الصحّة العالمية، من أنّ "فيروس كورونا المستجد قد لا ينتهي أبداً، وقد ينضم إلى مزيج الفيروسات التي تقتل الناس في أنحاء العالم كلَّ عام".
وتهدّد جائحة فيروس كورونا العالم بخسارة التقدم المحرز في مجال الصحة، والتسبب بخسائر فادحة في الأرواح، وتعطيل سبل العيش، وإعاقة التقدّم نحو أهداف التنمية العالمية في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد والأسواق المالية وسوق النفط، والتي يمكن اختصارها بالتالي:
القطاعات التي تأثرت بوباء كورنا
هناك عدة قطاعات يؤثر فيروس كورونا من خلالها في الاقتصاد العالمي، وهي:
1- التبادل التجاري، إذ يؤدي إلى إعاقة الإنتاج، وعرقلة الإمداد، وإضعاف الطلب العالمي، ومنه الطلب على الطاقة.
2- الترابط المالي. وقد طال تأثيره المادي والمعنوي أسواق المال العالمية التي شهدت انهيارات وأسوأ أداء منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008. وبهذا، تعطي أسواق المال مؤشراً سلبياً على شعور المستثمرين بتوجهات تأثير الفيروس في الاقتصاد العالميّ.
3- السياحة والنقل، إذ خفض معدل الرحلات، وأغلق العديد من المطارات حول العالم، وهو بذلك يؤثر في العرض والطلب العالميين.
أما على مستوى الاقتصاد المحلي للدول، فيؤثر الفيروس من خلال 3 قطاعات:
1- إعاقة النشاط الاقتصادي، وذلك عبر إعاقة الإنتاج والخدمات والمواصلات والنقل والسياحة والتسوّق، وإضعاف العرض والطلب.
وفي المحصّلة، سيصيب الفيروس الاقتصاد العالمي بالشلل. إذاً، هناك توقّعات بتراجع النمو في الصين، وحدوث انكماش في اليابان، وركود في فرنسا. كما أنَّ هناك دعماً مالياً ضخماً في ألمانيا، وإغلاقاً للمناطق الصناعية في شمال إيطاليا، وخفضاً طارئاً لأسعار الفائدة إلى حدود الصفر في بريطانيا وأميركا، مع ضخّ سيولة هائلة لإنقاذ القطاع المالي ودعم الاقتصاد في أميركا وفي منطقة اليورو (750 مليار يورو).
كساد عالميّ
يبدو أنَّ الاقتصاد العالمي مقبل لا محالة على تراجع، إن لم يكن انكماشاً حاداً. وتشير التوقعات الأولية إلى انخفاض النمو بحدود 0.9 - 0.5% إلى 1.5% هذا العام، وقد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية، بحسب منظَّمة التعاون.
وقد يشهد العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي. وستعتمد هذه الاحتمالات على مدى الانتشار الزماني والمكاني للفيروس، وعمق الأزمة التي سيتسبّب بها، وموعد وضع الحرب معه أوزارها.
وكلّما طال أمد الصراع مع كورونا، ارتفعت حالات الإفلاس بين الشركات والبطالة بين المجتمعات، وكانت الفئات الأضعف و"ذوو الدخل المنخفض" الأكثر عرضة لذلك، وبرزت تبعات اجتماعية كبيرة وضغوط هائلة على الحكومات لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، من خلال برامج الإنقاذ والدعم المختلفة وخفض الضرائب.
وإذا طال أمد هذه الأزمة، فإنها ستسهم في ارتفاع تكاليف الإمداد والإنتاج العالمي، وستسهم بالتالي في تباطؤ الاقتصاد العالي. وهناك الكثير من شركات التصنيع العالمية التي تعتمد على سلاسل إمداد من الصين.
ويعكس تهاوي مبيعات السيارات بنحو 92% في شباط/فبراير الماضي مدى تضرّر قطاع المواصلات الصيني. وهكذا، فإن تفشي الوباء في دول صناعية أخرى سيكون له أثر مماثل في قطاعاتها الصناعية ونشاطها الاقتصادي.
النقل الجوي وكورونا
كان قطاع النقل الجوي هو الأكثر تضرراً جراء أزمة كورونا، مع انخفاض معدلات الرحلات حول العالم، وبقاء الطائرات على الأرض، وإغلاق العديد من المطارات، للحدّ من انتقال الفيروس بين الدول وعبر العالم، فقد انخفضت معدلات الرحلات مع المناطق الموبوءة، وتم حظر الطيران بين أميركا وأوروبا، وإغلاق بعض المطارات في الشرق الأوسط.
ومع تقلّص حركة الطيران حول العالم، من المتوقّع إفلاس بعض الشركات، ووصول خسائر شركات الطيران العالمية إلى 100 مليار دولار، مع انخفاض القيم السوقيّة لصناعة الطيران.
الإنقاذ والدعم الحكومي
دفع فيروس كورونا العديد من الحكومات حول العالم إلى التدخل في برامج إنقاذ ودعم ضخمة للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية المتضررة، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ودعم النمو، وتحاشي الدخول في انكماش اقتصادي عميق.
وهناك خطط وبرامج دعم وتحفيز نقدي ومالي، لدعم القطاع المالي واللوجستي والإمداد والنقل، ومواجهة ارتفاع معدلات البطالة والتضخم في مناطق مختلفة من العالم، كالاتحاد الأوروبي وبريطانيا والشرق الأوسط. وفي الولايات المتحدة، أُقرت خطة دعم اقتصادي واجتماعي بتريليوني دولار، إذ بلغت طلبات العاطلين من العمل مستويات تاريخية.
وتعكس هذه التدخّلات قلق الحكومات من زعزعة كورونا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في بلدانها. ولا شك في أن برامج الإنقاذ والدعم للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية المتضررة، ستخفف معاناة الكثيرين حول العالم، ولكن أثر التحفيز النقدي والمالي يبقى محدوداً في إنعاش الطلب، في اقتصاد مشلول وعالم يقبع في ظلِّ حجر صحي حتى ينحسر الوباء تدريجياً.
لا شكَّ في أنَّ عالم ما بعد كورونا سيختلف عما قبله، فهل سيكون أفضل؟