هل تعزّز إعادة افتتاح المدارس انتشار فيروس كورونا؟
من بين الإجراءات الأكثر جدلاً اليوم في الاتحاد الأوروبي، إعادة افتتاح الحضانات والمدارس والمؤسّسات التعليمية، في حين أن معظم دول الاتحاد ما زالت تسجّل حالات إصابة جديدة ووفيات.
في ظلّ تقييمها الدائم للأزمة الوبائية والصحية الناتجة من "كوفيد-19"، دعت منظمة الصحة العالمية أكثر من مرة إلى التروي في رفع القيود المفروضة على حركة السكان في جميع البلدان، وأكّدت أهمية التعاون والتنسيق الدولي في التصدّي للفيروس ومعالجة الآثار المترتّبة على انتشاره.
ورغم ذلك، فإن العين تبقى مفتوحة أكثر اليوم نحو صيغ وآليات عمل تتّخذها الحكومات لتحقّق التوازن بين تخفيف القيود المفروضة على كل جوانب الحياة ومنع انتشار هذا الفيروس التاجي المستجد.
في الاتحاد الأوروبي، من بين الإجراءات الأكثر جدلاً اليوم، إعادة افتتاح الحضانات والمدارس والمؤسّسات التعليمية، في حين أن معظم دول الاتحاد ما زالت تسجّل حالات إصابة جديدة ووفيات.
يقولون إنَّ هذا الإجراء ضروري لإعادة الناس إلى العمل، وتحريك الاقتصاد الراكد، وتخفيف الضغوط على الأسر وحالات العنف ضد الأطفال، والتي بدأت تظهر بمؤشّراتٍ قوية، وخصوصاً في مراكز المدن. في كل الأحوال، ما هو واضح حتى الآن هو التالي:
- إن تنفيد هذا الإجراء تحديداً سيتم في إطار مجموعة من التدابير الصارمة التي ستشرف عليها في الأغلب 3 وزارات، هي وزارات الداخلية والصحة والتعليم الوطني.
- إجراء اعتبرته الغالبية العظمى من أولياء الأمور غير حكيم ومخجلاً وغير مسؤول، كما هو الحال في فرنسا وبلجيكا. في الواقع، بدأت التساؤلات والانتقادات تنمو وتظهر، ليس فقط في الأوساط الأكاديمية، بل بين طلاب الثانويات الذين أثاروا موجة من السخط في وسائل التواصل الاجتماعي، متسائلين: هل سيكونون ملزمين بوضع القناع (Masque) أثناء الدرس؟ هل ستقدّم المطاعم وجبة طعام؟ ومن يستطيع أن يقنع محباً وحبيبته باحترام التباعد الاجتماعي ضمن البناء المدرسي؟
وعلاوة على ذلك، تحدّثت النقابات في الكثير من بياناتها الصحافية عن عدم رضاها على إجراء كهذا، وطالبت السلطات بالمزيد من الإيضاحات والضمانات في ما يتعلّق بآليات تنفيذ القرار وبصحّة التلاميذ والطلاب.
وحذّر العديد من الأطباء المختصّين بالأمراض الوبائية من التداعيات، على سبيل المثال، أشارت البروفيسورة إيزابيل سيرميتغاودلوس، طبيبة أمراض الرئة وباحثة في مستشفى Necker-Enfants malades، في مداخلة لصحيفة Figaro الفرنسية، إلى أن "إعادة الأطفال إلى المدارس ستعيد انتشار الفيروس بنشاط"، وستترتّب عليها مخاطر صحية ونفسية ستطال المعلمين والآباء والأجداد وكل العاملين في المؤسّسة التعليمية من موظفين إداريين وفنيين.
من الصعب القول إلى أيّ مدى ستنجح هذه التجربة التي ستبدأ في 3 أيار/مايو في ألمانيا و11 أيار/مايو في هولندا وفرنسا، وحجم المخاطر والانتقادات التي ستترتّب عليها، ومدى قدرة هذه الوزارات على تطبيق جميع الإجراءات، لكن من الواضح أن الناس تعيش حال قلق وتشويش، ويتبادلون أحاديث مكثّفة، وخصوصاً في فرنسا.
ويتساءل هؤلاء عن التكامل والانسجام بين القيم التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية، وهي "الحرية والمساواة والأخوّة"، وإجراء كهذا، فكما هو معلوم حتى الآن، فإن إعادة افتتاح المدارس في وقت ما زالت المستشفيات تسجّل أرقاماً جديدة من المصابين من الممكن أن تقوض السلامة المجتمعية.
وعلى المستوى الاجتماعي، على سبيل المثال، يمكن أن تعزّز عدم المساواة، وخصوصاً إذا عرفنا أن من سيتمّ استقبالهم في المدارس في المرحلة الأولى، سيتمّ انتقاؤهم وتنظيمهم في مجموعاتٍ صغيرة.
في تصوّري، إن القرار سينفّذ في المرحلة القادمة، إلا أن من المتوقّع حدوث أخطاء كبيرة في إدارة المدارس والصفوف تعزّز من انتشار الفيروس، وقد تؤدّي إلى حدوث موجة ثانية. وبعدها، لن يكون الرأي العام أقل تسامحاً مع الأخطاء أو الانتكاسات الجديدة، كما يقول الكثير من المحلّلين.
بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تبدو الأمور مختلفة، في ظل وجود ظروف معقّدة وغير مؤكّدة أشارت إليها بشكلٍ واضحٍ منظمة اليونيسف، إذ نبّهت ضمنياً على لسان مديرها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان، إلى أن "متطلّبات استئناف التعليم في المدارس غير مؤاتية، في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العديد من المناطق. يوجد في هذه المنطقة أكبر عدد من الأطفال المحتاجين على مستوى العالم كله، بسبب النزاعات والحروب المستمرة. كما أن فيها أعلى معدّلات للبطالة بين الشباب، ويعاني حوالى نصف أطفال المنطقة من درجات الفقر المختلفة، كالحرمان من الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والمسكن والتغذية والرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي وإمكانية الحصول على المعلومات".
وبالتالي، إذا كان الأمر كذلك، من وجهة نظري، فإنَّ على السلطات التعليمية والصحية تعليق افتتاح المدارس من أجل عدم السماح للأوضاع التي ما زالت تحت السيطرة في أغلب البلدان بالتدهور، وتفادي المزيد من القلق بين الناس، والحد من عواقب هذه الفترة بالذات، وخصوصاً أن شهر رمضان الكريم قد بدأ.
من حيث المبدأ، إنَّ للأطفال في منطقة الشرق الأوسط حقّهم في التعليم والعودة إلى المدرسة، مثل معظم أطفال العالم، فضلاً عن الدور التعليمي والاجتماعي الثمين للمدرسة في كل المجتمعات، وعلى اختلاف العصور.
ورغم ذلك، تبقى الحقيقة حقيقة، وخصوصاً في زمن الأوبئة، فصحّة جميع أفراد المجتمع وسلامتهم هي مسألة كاملة لا يمكن تجزئتها، بل من الواضح أنها أصبحت اليوم متوقّفة على إعادة افتتاح المدارس. لهذا السبب، قد يكون منطقياً التروي في اتخاذ أي قرار، واعتماد معلومات وبيانات ومعايير واضحة تناسب مجتمعاتنا.