محمد بن سلمان يقترب من مرحلة "كش ملك"!
مع أن المملكة العربية السعودية بلد محوري في بعده المعنوي والاقتصادي، إلا أن ولي العهد اتخذ البُعد الشخصي بالاعتبار.
الأمر الملكي الذي صدر يوم الثلاثاء في 27 من أيلول/سبتمبر وقضى بتعيين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رئيساً لمجلس الوزراء لم يكن مفاجئاً في سياق صعود ابن سلمان سلّم النفوذ في المملكة، وجاء هذا الأمر استثناء من المادة 56 من النظام الأساسي للحكم، الذي يقضي بترؤس الملك جلسة مجلس الوزراء.
وقد أعاد هذا التطور الأنظار إلى صحة الملك، وفيما إذا كان مقدمة لتنازل سلمان آل سعود عن عرشه لمصلحة ابنه، لكن على نحو عام فإن التحولات الكبرى في النظام الملكي السعودية قد خرجت عن رتابتها منذ بروز وجه محمد بن سلمان في حزيران/يونيو 2017 حين صدر أمر ملكي بتعيينه ولياً للعهد وبذلك كسر الملك تقليد العائلة بجعل ولاية العهد لإخوة الملك لا لأبنائه، وتدريجياً صار الأمير الشاب الحاكم الفعلي للمملكة، وما الأوامر الملكية الممهورة باسم الملك سلمان إلا أوامر الابن الجامح إلى السلطة، وفي ذيلها ختم الملك الثمانيني الذي يعاني أمراضاً عدة تعجزه أحياناً عن استكمال مهماته إن وجدت فعلياً.
ومثل أي لعبة إلكترونية، يقوم اللاعب بالتطور سريعاً، إذا لبس دروعاً أو امتلك عدداً من الامتيازات الخاصة، ليوظف ذلك في تنامي قوته، ثم استخدامها ضد خصومه والتسابق إلى أعلى التراتبيات التي يمكن الوصول إليها، مثل ذلك "التكنيك" هو ما يقوم به محمد بن سلمان، وهو يجري سريعاً إلى العرش، إلا أن هذه السرعة التي توازيها سرعة في التغييرات الاجتماعية التي تحدث على عينه وبأمره وتوجيهه، وتوازيها أيضاً سرعة في "تقليم أظافر" المتنفّذين من العائلة المالكة، يثير عدداً من الشكوك في شأن نجاعة تمازج هذه التطورات السريعة وخلوصها إلى النموذج الناجح سياسياً واقتصادياً، وما مدى إمكانية تواؤمها مع المتغيرات الحاصلة في الإقليم والعالم.
مصلحة ولي العهد الشخصية تحكم المملكة
ومع أن المملكة العربية السعودية بلد محوري في بعده المعنوي والاقتصادي، إلا أن ولي العهد اتخذ البُعد الشخصي بالاعتبار وعلى نحو يدفعه أحياناً مستعجلاً، فتموضعه في رئاسة الوزراء وبحسب بعض المحللين السياسيين، جاء لحماية نفسه من المساءلة القانونية في أميركا بشأن مسؤوليته عن مقتل جمال خاشقجي، والقانون الأميركي يمنع مساءلة رؤساء الدول من أمراء وملوك وغيرهم حتى لو أدينوا قبل اعتلائهم سدة الحكم.
ومع التسليم بأن ولي العهد السعودي يقدم مصلحته الشخصية المحضة على المصلحة العامة في المملكة، ألا أن فرضية أنه يريد أن يحمي نفسه من المساءلة القانونية في أميركا، لا يصمد أمام ما يحصل من تدرّج في إعادة تأهيل الغرب له كشريك تقليدي، وقد رفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في شباط/فبراير من العام الماضي وضمن مقابلة مع شبكة NBC الإخبارية الأميركية إدانة محمد بن سلمان، مع أن وكالة الاستخبارات المركزية خلصت إلى أن بن سلمان هو مَن أمر بقتل خاشقجي.
وما زاد تمسك الغرب بإعادة تأهيله، هو ما خلفته الحرب في أوكرانيا من أزمة للطاقة، وقد زار رئيس مجلس مجلس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون قبل أشهر الرياض للغرض نفسه، فيما تحدثت رئيسة مجلس الوزراء الحالية ليز تراس معه هاتفياً في 26 من أيلول/سبتمبر، وكان ذلك أول اتصال بينهما منذ توليها منصب رئاسة مجلس الوزراء، وذلك بشأن الوساطة السعودية للإفراج عن بريطانيين قد اعتقلهم الروس في أوكرانيا.
إذاً، من المستبعد أن تكون هذه الخطوة لدرء ما أطلق عليها "المساءلة القانونية من قبل واشنطن"، لأن الغرب وبوضوح يراعي مصالحه، لا أي شيء آخر، ومن مصلحته الشراكة مع عراب "اتفاقية إبراهام" الذي فتح أبواب الخليج لـ"إسرائيل".
وهذا ما أكده خالد ابن المستشار الأمني السعودي السابق سعد الجبري، وعبدالله ابن الداعية المعتقل سلمان العودة، ولينا شقيقة الناشطة السياسية لجين الهذلول، في مقال مشترك لهم في صحيفة واشنطن بوست المنشور 28 من أيلول/سبتمبر، بالقول: "يبدو أن احتضان بايدن لولي العهد السعودي قد أدى إلى تأجيج قمع النظام، والحفلات الموسيقية ليست دليلًا على تقدم حقيقي في إلغاء القيود المفروضة على السعوديين".
قضم مساحة النفوذ لاعتلاء العرش
المرجح أن محمد بن سلمان يسارع الخطى لتثبيت أوتاد نفوذه في مؤسسات الدولة قبل أن يرحل والده الذي تتزايد معاناته مع أمراض الشيخوخة، وما توزير أخيه خالد بن سلمان بحقيبة الدفاع إلا تأكيد لهذا المنحى، إذ يعد الأخير من مريدي ولي العهد والمخلصين لنهجه، وأحد أهم منفذي سياساته، وقد كان لخالد دور مهم في تحويل جمال خاشقجي من سفارة السعودية في واشنطن إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، وتالياً كان له دور رئيس في قيادة حملات واسعة للعلاقات العامة من أجل تبييض صورة أخيه من جريمة قتل الصحافي المغدور، فضلاً عن أن خالداً من مروجي رؤية 2030 التي تعد أهم مشروع لولي العهد، على الرغم من تشكيك بعض الخبراء الاقتصاديين في جدواها الواقعية.
وعليه؛ فإن رئاسة مجلس الوزراء تاريخياً في المملكة العربية السعودية، هي من أهم مهمات الملك، الذي يشرف على مفاصل الدولة ويديرها بالأوامر الملكية، ومع أن محمد بن سلمان هو الحاكم الفعلي حالياً للمملكة المترامية الأطراف، إلا أن التحكّم "رسمياً" بمجلس الوزراء يعد خطوة كبيرة لحصان ولي العهد، وهو يحاصر مراكز القرار في بلاده، الذي أخرج أعمدة نفوذها التقليدية من رقعة السياسة، فأعمامه الذين من المفترض أن يكون لهم نفوذ بالتساوي في السعودية الثالثة، لم يعد لهم أي شيء، وأبناؤهم شطرهم قسمين: قسم من الموظّفين تحت سطوته شخصياً، بحيث لا يستطيعون الخروج عن الايقاع الذي يرسمه لهم، والآخر خارج الترسيم أصلاً، وغيّر كذلك وجه المؤسسات الأمنية بتغيير المسؤولين عنها، وقرّب أكثرهم ولاءً له، وأبعد من يشكّ في ولائهم.
الإعلام السعودي يمهّد الطريق
وكأي قطاع مهم في المملكة، سيطر محمد بن سلمان على الصحف والقنوات، وقلّم أظافر المتنفذين في بعض وسائل الإعلام الكبرى كـmbc وغيرها، ليكون الجميع تحت عباءته، لكن ما شأن هذا الأمر في تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء؟
إذا لاحظنا خطاب الإعلام السعودي في تسويقه لخبر تعيين محمد بن سلمان رئيساً لمجلس الوزراء، نرى كثيراً من التشويق والإثارة، وذلك بربط أهمية المنصب الجديد برؤية 2030، التي تُروّج على أنها فاتحة العصر والتحوّل الجذري للمملكة.
وفي كل حال، فإن ازدياد قبضة ولي العهد السعودي على مراكز النفوذ يعد بمثابة "كش ملك" لا بمعناه المباشر، الذي يوحي بأخذ مكان أبيه، الذي لا يحكم فعلياً، بل بمعناه الأوسع الذي يُحرّم معه عرش الملك السعودي على غيره، ما يصعّب على أبناء الجد المؤسس المطالبة بأي نوع من النفوذ مستقبلاً، بل حتى هيئة البيعة لن تستطيع تغيير شيء بعدما آلت الحكومة إليه رسمياً.