تركيا والأردن والسعودية .. ذكريات التاريخ وتحالفات اليوم
الكيان الصهيوني هو المستفيد الوحيد من كلّ هذه التناقضات في المنطقة بعد أن حقّق الكثير من أهدافه في فلسطين ولبنان وسوريا وبدعم من أطراف عربية وإقليمية، ويبدو واضحاً أنها لا تعي خطورة ما يجري في دمشق!
بعيداً عن اهتمام الإعلام العربي والدولي زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أنقرة في الـ6 من الشهر الجاري ورافقه وزير الدفاع ورئيس جهاز المخابرات حيث التقوا نظراءهم الأتراك، ثم اجتمعوا معاً مع الرئيس إردوغان لبحث آفاق التنسيق والتعاون الأردني -التركي فيما يتعلّق بالوضع في سوريا الجارة الجنوبية لتركيا والشمالية للأردن.
واستقبل الرئيس إردوغان الثلاثاء (1/14) وزيري الخارجية والدفاع ومعهما رئيس المخابرات السوري في إطار التنسيق والتعاون التركي مع أطراف المنطقة. وسبقت هذا اللقاء اتصالات مكثّفة بين أنقرة والرياض فيما يتعلّق بمستقبل سوريا التي يتنافس فيها الطرفان بدعم دول إقليمية ودولية تسعى لإقامة تحالفات جديدة في المنطقة.
وانعكس ذلك على مناقشات اللقاء الوزاري الخاصّ بسوريا في الرياض السبت بمشاركة وزراء خارجية تركيا والسعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان وقطر والكويت والعراق ولبنان والأردن ومصر وبريطانيا وألمانيا ونائبَي وزيري الخارجية الأميركي والإيطالي، ولم يتوصّلوا إلى أيّ اتفاق واضح فيما يخصّ الاعتراف بالنظام الجديد في دمشق .
التنسيق التركي مع كلّ من "العدوّين" التاريخين آل هاشم وآل سعود أعاد إلى الأذهان "العداء" التاريخي والنفسي التركي مع هاتين العائلتين. ففي العموم يتحدّث الأتراك عن "خيانة العرب لهم" ويقولون "إنّ العرب طعنوا الأتراك من الخلف"، ويقصدون بذلك ثورة الشريف حسين ضدّ الدولة العثمانية في حزيران/يونيو 1961.
ولا يفرّق الأتراك في عمومهم بين عربيّ وآخر في هذا الموضوع، كما هم لا يعرفون أنّ الشريف حسين الذي تمرّد على الدولة العثمانية بدعم وتحريض من بريطانيا كان ضحية لمؤامرة مماثلة من بريطانيا التي نقلته من الحجاز إلى شرق نهر الأردن لتهدي الحجاز أي نجد لآل سعود، فسمّوها بالمملكة العربية السعودية بعد أن أثبتوا ولاءهم للإنكليز منذ أواسط القرن الثامن عشر.
فالمعلومات التاريخية تحدّثنا بالتفصيل عن العلاقات الوطيدة بين آل سعود منذ ظهور المذهب الوهّابي عام 1750 وتحالف آل سعود مع مؤسّس هذا المذهب محمد بن عبد الوهاب.
واستغلّت بريطانيا هذا التحالف وشجّعته للتمرّد على الدولة العثمانية اعتباراً من العام 1770. وخلق هذا التمرّد الكثير من المشكلات للدولة العثمانية بعد أن اتجه آل سعود صوب بلاد الشام، وهو ما دفع الخليفة العثماني محمود الثاني للاستنجاد بوالي مصر محمد علي باشا.
فأرسل نجله إبراهيم باشا وقضى على التمرّد وأسر زعيم التمرّد عبد الله آل سعود عام 1818 وأرسله مكبّلاً إلى إسطنبول، وأمر السلطان محمود الثاني بقطع رأسه عام 1820.
ويرى الكثيرون في هذه المعطيات سبباً كافياً بالنسبة لأنقرة كي تحدّد مسار مستقبل علاقاتها مع "العدوّين التقليديين" وكانا حليفين لها في سنوات "الربيع العربي" في سوريا وفق كلام رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم اللاعب الرئيسي في تطوّرات سوريا، وتحدّث في اعترافاته في تشرين الأول/أكتوبر 2017 عن غرفتي عمليات خاصة بسوريا إحداها في تركيا والأخرى في الأردن.
ويفسّر ذلك التنسيق والتعاون التركي الأردني في الملف السوري اعتباراً من 2011 وبتشجيع من واشنطن وباريس ولندن التي أضاءت الضوء الأخضر لنقل عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب إلى سوريا عبر تركيا والأردن، وكان من بينهم الآلاف من المواطنيين السعوديين والأردنيين المتأثّرين بفكر مصعب الزرقاوي وهم الآن في صفوف تحرير الشام، حالهم حال المئات من المصريين مصدر القلق الأكبر بالنسبة للقاهرة.
ويبدو أنها تنسّق مع أبو ظبي لمواجهة احتمالات هذا القلق بعد أن بات واضحاً أنّ البعض من المجموعات المنضوية تحت راية الهيئة لن تتردّد في "تصدير الثورة " إلى الدول التي يراد مضايقتها من قبل التحالف الإقليمي الجديد، وسيكون من دون أدنى شكّ في خدمة الكيان الصهيوني المستفيد الوحيد من سقوط النظام في سوريا بكلّ نتائجه وتبعاته الحالية والمستقبلية.
وتحتاط لها عمّان والرياض وذلك من خلال التنسيق والتعاون إن لم نقل التحالف مع أنقرة لمواجهة أيّ نتائج سلبية قد تنعكس على أمنها الوطني بسبب النهج المتطرّف المحتمل لحكّام دمشق الجدد.
وقد يتحوّلون إلى ورقة مهمّة بيد الدوحة في عداءاتها التقليدية مع الإمارات والسعودية اللتين كانتا مدعومتين من مصر كما شاهدنا ذلك خلال أحداث حزيران/يونيو 2017.
واضطر الرئيس إردوغان آنذاك لإرسال "جيشه" لمساعدة آل ثاني من أيّ خطر محتمل مصدره السعودية والإمارات والبحرين المدعومة من مصر. ولا تخفي بدورها قلقها من الدعم التركي الكبير والشامل والمباشر لحكّام دمشق الجدد، ويبدو واضحاً أنهم لن يخرجوا من تحت العباءة التركية لأنهم تحتها منذ فترة طويلة باعتراف وزير الخارجية هاكان فيدان.
ومع انتظار الجميع لعودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في الـ20 من الشهر الجاري تتوقّع القاهرة له أن ينحاز إلى جانبها بسبب العلاقة الشخصية بينه وبين الرئيس السيسي، ويعرف الجميع أنه سيواجه العديد من المشكلات من حكّام دمشق الجدد إذا رجّحوا تركيا على الدول العربية التي يتحدّث الرئيس إردوغان بين الحين والحين عن ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية فيها. ناسياً أنّ محمد علي باشا والي مصر هو الذي حمى أجداده العثمانيين من خطر آل سعود الذين ساهموا في إسقاط حسني مبارك في سنوات "الربيع العربي"، وهم أيضاً من أدّوا دوراً مهماً في إسقاط الإسلامي محمد مرسي صديق الرئيس و إيصال عدوه إلى السلطة.
ومن دون أن تدفع كلّ هذه المعلومات بكلّ تناقضاتها الإعلام الموالي لإردوغان من تسويق ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية خاصة بعد "الانتصار العظيم" في سوريا والذي تغنّى به إردوغان أكثر من مرّة كما سبق له أن تغنّى بانتصاراته المماثلة في ليبيا البلد الجار لمصر.
حيث قال إردوغان "إنّ ما لا يقلّ عن مليون ليبيّ هم من بقايا الحكم العثماني لهذا البلد" . وكان ذلك سبباً كافياً بالنسبة لأنقرة كي تتدخّل في ليبيا وتنقل المرتزقة من سوريا إلى هناك ليقاتلوا قوات خليفة حفتر المدعومة من مصر والإمارات، وهي الآن في مواجهة الوجود التركي الكبير في سوريا حيث تتحدّث المعلومات عن قواعد عسكرية لتركيا في سوريا سيتمّ الاتفاق عليها قريباً.
وفي جميع الحالات وأياً كانت حسابات العواصم الإقليمية مع انتظار خطوات الرئيس ترامب التي ستقلب موازين القوى الأوربية أيضاً فقد بات واضحاً أنّ الرابح الأكبر من كلّ التناقضات العربية-العربية هو تركيا التي أصبح لها وجود فعلي ومباشر ومؤثّر في سوريا والعراق وليبيا والصومال وقطر والسودان، وغير مباشر في دول أخرى عبر الأقليات التركمانية أو المجموعات الإخوانية التي تحوّلت إلى قوة عملية بالسيطرة على بلد عربي مهم ليس فقط جغرافياً واستراتيجياً بل تاريخياً ودينياً وقومياً ألا وهو سوريا.
ليكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الوحيد من كلّ هذه التناقضات بعد أن حقّق الكثير من أهدافه في فلسطين ولبنان وسوريا، وبدعم مباشر أو غير مباشر من أطراف عربية وإقليمية، ويبدو واضحاً أنها لا تعي خطورة ما يجري في دمشق!