"موزي-2" تثير الازعاج والقلق الغربيين
لا يريد الأوروبي أن يجد الروسي أسواقاً جديدة، بل يريد فرملة الجهود الروسية لإيجاد أسواق بديلة قادرة على التهرب من العقوبات المفروضة عليها.
نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تقريراً لمراسلتها جين فلاناغان من كيب تاون في جنوب أفريقيا، بعنوان "إدانات لجنوب أفريقيا بسبب مناورات روسية"، بالتزامن مع مرور عام على الحرب في أوكرانيا.
وكانت جنوب أفريقيا، التي تجنبت الانحياز إلى أي طرف في الحرب الروسية الأوكرانية، أعلنت الخميس 16 شباط/فبراير أنها بدأت مناورات بحرية عسكرية مشتركة مع روسيا والصين تستمر حتى السابع والعشرين من هذا الشهر.
وبحسب الصّحيفة، على الرغم من تبريرات جنوب أفريقيا للمناورات وأهدافها، فإنَّ الإدانات أتت على خلفية السماح لروسيا باستعراض جوهرة أسطولها النووي المزودة بمنصات إطلاق صواريخ فرط صوتية. وذكرت صحيفة "ديلي مافريك" المحلية أن الفرقاطة "غورشكوف" الروسية استعرضت صاروخ "تسيركون" الفرط صوتي.
تبريرات الإدانة لا يمكنها أن تكون بالاستعراض العسكري فحسب، بل يمكن للمتابع استنتاجها من البيان الصادر عن جيش جنوب أفريقيا، إذ جاء فيه: "في سبيل تعزيز العلاقات العسكرية بين جنوب أفريقيا والصين وروسيا، ستجري مناورات بحرية متعددة الجنسيات بين هذه الدول الثلاث في المحيط الهندي قبالة سواحل جنوب أفريقيا تحت اسم موزي -2".
رأى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن مناورات "موزي -2" "مزعجة"، فيما وصفتها المتحدثة باسم البيت الأبيض بـ"المقلقة" لبلادها؛ فهي مزعجة للاتحاد الأوروبي بسبب تخلّي حكومة جنوب أفريقيا عن حيادتها وانحيازها إلى الحلف الروسي-الصيني عسكرياً في مواجهة الغرب ضمن الحرب الدائرة في أوكرانيا، في حين تعمل أوروبا على توسيع دائرة العقوبات على روسيا، لشلّ قدراتها الاقتصادية والتأثير سلبياً في تطورها العسكري.
وقد أشار مقال في جريدة "تلغراف" تحت عنوان "لم يعد لدى روسيا الوسائل الاقتصادية لشن حرب هجومية"، إلى أنَّ روسيا فقدت الكثير من مصادر التمويل، وأن الغرب تفوّق على آلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحربية، مضيفاً أن روسيا ستفتقر إلى الكثير من الأشياء الأخرى التي تحتاجها للحفاظ على آلتها الحربية.
لهذا، لا يريد الأوروبي أن يجد الروسي أسواقاً جديدة، بل يريد فرملة الجهود الروسية لإيجاد أسواق بديلة قادرة على التهرب من العقوبات المفروضة عليها، لأنَّ الهدف يبقى، كما ذكر المقال، منع روسيا من الوصول إلى تمويل صناعاتها العسكرية.
واستشهد المقال بالعديد من المعلومات والأرقام وتصريحات الجهات المعنية، ومنها ما نشرته صحيفة "سفيردلوفسك" الروسية الإقليمية من أن مصنع الدبابات الضخم "يورلافاغونزافود" الذي يقع غرب سيبيريا بدأ يعاني شحاً شديداً في الأيدي العاملة وفي الحصول على القطع الأساسية لصناعتها بسبب العقوبات، الأمر الذي أدى إلى توقف خطط إضافة خط إنتاج ثانٍ لدبابات "تي – 90" الشهيرة.
بقدر ما أزعجت المناورات الاتحاد الأوروبي، فإنها أقلقت الولايات المتحدة بسبب دخول القارة السمراء ميدان التنافس العسكري الإستراتيجي بين القوى الكبرى، إذ أجرت الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر مناورات عسكرية في شرق القارة عشية تدريبات واسعة لروسيا والصين في جنوب أفريقيا.
في الساحل الشرقي لكينيا، يجري الجيش الأميركي حالياً مناورات عسكرية وصفها بأنها "الأكبر للقيادة الأميركية في شرق أفريقيا"، بمشاركة القوات المسلحة الكينية، وبحضور عناصر من الصومال وأوغندا ورواندا وجيبوتي ودول أخرى.
المناورات في شرق أفريقيا وجنوبها تؤكّد أن الصراع الدولي بدأ يأخذ شكله العمودي بين الدول، وأنَّ الحرب الأوكرانية خرجت عن نطاقها الجغرافي وعن أهداف كلا المتقاتلين في شرق أوروبا، إذ لم يعد الموضوع عملية عسكرية خاصة تهدف إلى حماية أمن روسيا القومي، كما قال بوتين.
ولم يعد دعم الغرب لأوكرانيا هدفه استعادة سيادتها على كامل أراضيها، كما ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحه لصحف "لو جورنال دو يمانش" و"لوفيغارو" و"إذاعة فرنسا الدولية"، خلال عودته من مؤتمر ميونخ للأمن، إذ صرّح أن فرنسا ترفض "سحق روسيا"، وتريد تحرير أوكرانيا.
عذراً سيد ماكرون، إن كانت هذه نيّة فرنسا، فإنها قطعاً ليست نيّة حلفائها، وما يحدث على أرض أفريقيا وما قد يحدث في آسيا من تطورات دراماتيكية عسكرية هو نتيجة "صراع البقاء"، بحسب شريعة الغاب، وما قاله الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ هو حقيقة أبعاد الحرب وتوسعها.
بالنسبة إليه، يبقى الهدف هو أهمية تعاون الحلف من كثب مع الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، معتبراً أنَّ "أوروبا لا يمكنها تجاهل ما يحدث في شرق آسيا، ولا في جنوب أفريقيا، لأن الأمن العالمي مترابط".
إنَّ ما يحدث في أفريقيا هو مناخ مصاحب لعسكرة متنامية للتنافس بين القوى الدولية، إذ إننا نشهد زيادة في الحشد والتدريب على احتمالات نشوب مواجهات عسكرية كبرى بين المحورين.
إن الحشد الغربي في شرق أفريقيا هو إعداد للمنطقة كي تكون مسرحاً لعمليات محتملة ستكون نقطة انطلاق مهمة لعمليات الولايات المتحدة في المحيط الهندي. واللافت أنَّ أستراليا أيضاً تجهز كقاعدة انطلاق ومنطقة لوجستية ومنطقة إعادة تمركز على المحيطين.
لهذا، شكَّلت المناورات مصدر قلق وإزعاج، إذ إنَّ المحور الروسي والصيني يحاول الالتفاف على الوجود الغربي الأفريقي، من خلال الحضور في جنوب أفريقيا، كي تكون قاعدة انطلاق محتملة لقطع الإمداد ونقطة مهمة للحشد والتمركز على المحيطين الهندي والهادئ.
ستشهد القارة السمراء مزيداً من إظهار القوة بين الدول الكبرى من خلال الوجود العسكري الذي يأتي بموازاة زخم التحركات الاقتصادية. هذا التنافس يدخل ضمن أطر ضمان الورقة الأفريقية في النزاعات الجيوستراتيجية الدولية التي تزداد اشتعالاً إلى جانب الصراعات الأخرى في العالم.