معلومات عن إعادة تفعيل تفاهم "سين سين".. أين دور الحكومة اللبنانية؟

استمرّت العلاقة الرسمية اللبنانية السورية على نحوٍ ممتازٍ لغاية إعلان الحرب الكونية على سوريا في منتصف آذار/مارس 2011، وتورط بعض الجهات اللبنانية في هذه الحرب.

  • معلومات عن إعادة تفعيل تفاهم
    معلومات عن إعادة تفعيل تفاهم "سين سين".. أين دور الحكومة اللبنانية؟ 

لا ريب في أن ثمة مصالح مشتركة بين لبنان وسوريا، وهما يحتاجان إلى بعضهما بعضاً، لتداخلهما الجغرافي والاجتماعي، وارتباطهما التاريخي والثقافي المشترك، ولأنهما اعتادا أن يواجها عادةً مصيراً واحداً. لذا، من أبسط واجبات الدولتين الحفاظ على أفضل العلاقات الثنائية بينهما، وسعيهما بشكلٍ دائمٍ لتطويرها، صوناً لهذه المصالح أولاً.

ولكن العلاقات الثنائية المشتركة شابها فتور في بعض المحطات التاريخية، ولامست حد القطيعة أحياناً، خصوصاً إثر الانفصال الجمركي بين البلدين عام 1950، وحدوث قطيعة بينهما استمرت 3 أعوام في عهد الرئيس بشارة الخوري. وقد تبين خلال سنوات القطيعة أن من غير الممكن ترك مجمل العلاقات الاقتصادية بين البلدين معلّقة، وأن هناك بعض المسائل لا تحتمل معالجتها التأجيل. 

هكذا، سعى الجانبان للعمل على تنظيم ما يمكن تسميته بـ"علاقات الحد الأدنى"، فكان الاتفاق التجاري الذي عقد بتاريخ 5/3/1953، والذي ظل حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي. بعدها، ساءت العلاقات الثنائية المذكورة عام 1958، كرد فعلٍ على سياسة الرئيس كميل شمعون، المعادية للوحدة العربية (السورية المصرية)، والموالية للغرب، والمؤيّدة لحلف بغداد الذي نشأ في عهد رئيس وزراء العراق نوري السعيد. 

وشهدت هذه العلاقات تدهوراً وإقفالاً للحدود اللبنانية السورية نحو 100 يوم، إثر ما يعرف بـ"حرب المخيمات"، يوم أغار الطيران الحربي اللبناني على مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية. 

وأخيراً، مرّت هذه العلاقة بفتورٍ عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005، وما تبعه من حملاتٍ إعلامية ودعائية طاولت القيادة السورية، في محاولةٍ فاشلةٍ لتحميلها مسؤولية هذا الاغتيال. وإثر ذلك، الحدود البرية اللبنانية – السورية، في ما يعرف بـ"أزمة سيارات الشحن"، تحديداً في المعابر الواقعة في عكار، في صيف العام 2005.

 ولم تعد هذه العلاقات إلى طبيعتها إلا عند عودة تفاهم سوريا والسعودية، وهو ما يعرف بـ"سين – سين" في العام 2008. في إثرها، زار الرئيس اللبناني ميشال سليمان دمشق، تبعه رئيس الوزراء سعد الحريري ووفود وزارية ما بين الأعوام 2009-2011.

واستمرّت العلاقة الرسمية اللبنانية السورية على نحوٍ ممتازٍ لغاية إعلان الحرب الكونية على سوريا في منتصف آذار/مارس 2011، وتورط بعض الجهات اللبنانية في هذه الحرب، ثم مطالبتها بقطع علاقات لبنان بسوريا وإقفال الحدود بينها، لكن باء هؤلاء بالفشل مرةً جديدةً، بعد فشل حملتهم على سوريا عام 2005، وذلك بفضل تمسك حلفاء دمشق بإقامة أفضل العلاقات معها، وفي طليعتهم حزب الله والتيار الوطني الحر.

ولكن هذه العلاقات بقيت على حالها منذ العام 2011، ولم تتطور قيد أنملةٍ، علماً أن تطورها يصب في مصلحة لبنان قبل أي اعتبار آخرٍ، فمن المعلوم أن في لبنان 4 قضايا عالقة لا يمكن حلّها من دون التفاهم مع سوريا، وهي الآتية:

أولاً، الوضع الاقتصادي وتنشيط الحركة التجارية عبر الحدود، فلبنان ليس لديه أي معبرٍ بريٍ يؤدي إلى بلد آخر غير سوريا، وهي تشكل عمقاً اقتصادياً له. 

ثانياً، الشأن الأمني، فلا يمكن ضبط الحدود وتسرب الإرهابيين إلى لبنان من دون التنسيق الأمني مع سوريا.

ثالثاً، إعادة النازحين السوريين من لبنان إلى ديارهم، فالعودة المأمولة لن تتم حتماً من دون إجراء تنسيق بين البلدين على مستوىٍ حكوميٍ رفيع. 

ورابعاً وأخيراً، الشأن السياسي المستقبلي، إذ لا يمكن التوصل إلى تسويةٍ لإنهاء الصراع في المنطقة، الذي انعكس بقوةٍ على مجمل الأوضاع في لبنان، الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، من دون سوريا. 

لماذا لم تتطور العلاقات الثنائية بين البلدين، رغم عودة دولٍ عربيةٍ عدةٍ إلى دمشق، سواء بشكلٍ علنيٍ، كما فعلت دولة الإمارات العربية، التي أعادت فتح سفاراتها في دمشق في بداية عام 2018، أو بشكلٍ غير معلن؟ 

في هذا الصدد، ترددت معلومات عن تولي الأردن إجراء وساطة بين دمشق والرياض لاستعادة العلاقة المقطوعة منذ ربيع العام 2011. 

أضف إلى ذلك أن تركيا تراجعت تراجعاً نوعياً عن سلوكها العدائي السابق حيال جارتها سوريا. يُذكر أنَّ تركيا من أكثر الدول تأثيراً في الحرب على سوريا، على اعتبار أنَّ لديهما حدوداً مشتركة يبلغ طولها أكثر من 900 كلم، فقد بدأ الجانبان السوري والتركي بمفاوضات أمنية تقنية على طريق إعادة ترتيب العلاقة بينهما.

أما لبنان، فلم يقدم حتى الآن على أي خطوةٍ تنفيذيةٍ عملانيةٍ في اتجاه تطوير علاقته مع جارته القريبة، والسبب هو انقسام مكونات البرلمان والحكومة بين مشجعٍ لتطوير العلاقة مع دمشق ورافضٍ لذلك، نتيجة الضغوط الخارجية على البلد، وخصوصاً الحصار المالي الغربي غير المعلن عليه.

وفي هذا السياق، يلفت مرجع لبناني كبير إلى أن سياسة لبنان الخارجية يرسمها ويحددها مجلس الوزراء، وأنه لم يتخذ حتى الساعة قراراً بتطوير العلاقة الثنائية اللبنانية السورية، نتيجة انقسام مكوناته. كذلك، ليس بوسع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتخاذ أي قرارٍ قد يعرض البلد للانقسام ويهدّد سلامه الأهلي.

ويلفت المرجع إلى أنّ الرئيس عون حافظ على العلاقة مع دمشق، من خلال تواصله الدائم مع الرئيس السوري بشار الأسد، وصداقة عون مع القيادة السورية.

وتعقيباً على ما ورد آنفاً، يؤكد مرجع لبناني حليف لسوريا، وناشط على خط بيروت دمشق، أنها تأخذ في الاعتبار العلاقات الثنائية القائمة عبر المؤسسات الرسمية التي تتسم بطابع الجدية، لا العلاقات الشخصية لوحدها، فهي تأتي بعد العلاقة الرسمية في سلم الأولويات السورية، على حد تعبير المرجع. وقد تكون مكملة لها، وليس العكس.

إذاً، سوريا دولة، وليست قبيلة، وهي تتعاطى مع الدول الصديقة من دولةٍ إلى دولةٍ، لا عبر الصداقات الشخصية. وفي الوقت عينه، لديها حرص كامل على استقرار لبنان وسلامه وأمنه الداخلي. وحتماً، تتفهم وضعه وتركيبة "الموزاييك" الحكومي فيه، الذي يحول حالياً دون تطوير علاقة بيروت بدمشق، بحسب تأكيد مرجع رسمي لبناني.