صُنع في الصين عام 2025.. ولكن؟
قد تكون الصين معتمدةً على نهج رسمته السياسات العليا للبلد للوصول إلى عام 2025، بالانفصال بشكل تام عن الصناعة والتكنولوجيا الغربية على كل المستويات.
دشَّنت بكين برنامجاً طموحاً باسم "صنع في الصين 2025" عام 2015 من أجل إعادة تركيز صناعتها على التنافس في مجال التحول إلى التشغيل الآلي والشرائح الإلكترونية الدقيقة والسيارات الذاتية القيادة.
لم يعد خافياً ذلك الصراع على قيادة العالم بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الشعبية الصينية، وكأنَّ "فخ ثيوسيديدز" أُعيد إلى الحياة من جديد، وهو مصطلح أشاعه عالم السياسة الأميركي غراهام تي أليسون لوصف نزعة واضحة نحو الحرب عندما تهدد قوةٌ صاعدة (الصين) قوةً عظمى مهيمنة (أميركا) إقليمياً ودولياً.
كان توقيت القرار الّذي اتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن في بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي بفرض ضوابط وقيود واسعة النطاق على الصادرات، بهدف منع الصين من الحصول على أشباه الموصلات المتطورة، مثيراً، إذ جاء القرار قبل أيام من انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني.
رأى الحزب الحاكم الصيني أنَّ قرار بايدن في التوقيت والمضمون هو تحدٍّ مباشر للمرحلة المقبلة، وتحديداً على صعيد التكنولوجيا والصناعات المتطورة. لهذا، أفرز المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي شعوراً قومياً بالطوارئ وتغليب الأمن على الاقتصاد، وركّز على التهديدات المتمثلة بالتحول البنيوي في السياسة الجغرافية وحرب التكنولوجيا والوباء التي لا تزال مستمرة.
إنَّها معركة التكنولوجيا التي أرادتها الولايات المتحدة لفرض حصار محكم على الصين، وجعلها أسيرة اللاتطور، وعزلها عن العالم الحديث، عندما تقدم على قرارات تحرمها من الوصول إلى الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات وغيرها.
ولورود كلمة "تكنولوجيا"، على لسان الرئيس الصيني المنتخب لولاية ثالثة تشي جين بينغ، دلالة واضحة على الإصرار على المضي بالتحدي والتنافس في هذا المجال، والخروج بإنتاج تكنولوجي متطور صُنع في الصين بحلول عام 2025.
تمارس الولايات المتحدة على الصّين سياسة الاحتواء التي أعلنتها إدارة بايدن منذ توليه الرئاسة، من خلال فرض عقوبات على شركات صينية عملاقة بهدف كبح تقدمها. وقد بدأ ذلك مع العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على بعض الشركات الصينية، وعلى رأسها شركة "هواوي" للاتصالات، في حين جدّدت إدارة بايدن الضوابط والقيود، وأضافت شركات صينية أخرى إلى قائمة الشركات الخاضعة للعقوبات.
اللافت أن تلك العقوبات والقيود التي تفرضها الإدارات الأميركية المتعاقبة لا تثني عزيمة الصين على السير في ركب التطور، بل إنها، كما يبدو، تزيدها إصراراً على التوجه أكثر لفكّ الارتباط بالالتحاق بالطور الأميركي والغربي، والتوجه من سياسة "جُمع في الصين" إلى سياسة "صُنع في الصين".
لم يعد خافياً أنَّ الصّين تتوجّه إلى قلب النظام العالمي بوقوفها إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا، واستمرارها في دعم مجموعة "البريكس" الاقتصادية التي تتوقع منها الخروج بمؤسسات دولية مالية ونقدية بديلة من تلك المؤسسات التي لدى الولايات المتحدة فيها نفوذ قوي، كصندوق النقد الدولي، وهي تعمل مع شريكتها روسيا على إيجاد عملة "احتياط" جديدة تكون بديلة من العملة الأميركية.
تعدّ الصين أيضاً الراعية الرئيسية لما يُعرف بقمة "شنغهاي الاقتصادية" التي باتت تتوسع ويمتدّ نفوذها مع دخول دول جديدة إليها بصفة مراقب. هذه المجموعة تعمل أيضاً على رسم خارطة جديدة للتجارة العالمية، وعلى تثبيت نقاط ارتكاز مختلفة عن تلك التي أرستها الولايات المتحدة بقيادتها للعالم.
أدّى التنافس والصراع مع الولايات المتحدة إلى تنامي النزعة القومية التكنولوجية في الصين، التي يتم بموجبها توجيه كل موارد الدولة لتحقيق هدف إستراتيجي، إذ تمّ تبني نهج "الأمة بالكامل" عندما حصدت الصين ميداليات أولمبية ذهبية، لكنه الآن مخصص لوسائل تكنولوجية رئيسية.
قد تكون الصين معتمدةً على نهج رسمته السياسات العليا للبلد للوصول إلى عام 2025، بالانفصال بشكل تام عن الصناعة والتكنولوجيا الغربية على كل المستويات، وتحديداً صناعة الشرائح الإلكترونية وأشباه الموصلات، إلا أنَّ المؤكّد أيضاً أنَّ الولايات المتحدة لن تتركها وشأنها، بل ستقلق راحتها وتعرقل نهجها قبل 2025، وما الاستفزازات التي تمارسها بحقها في بحرها الجنوبي، أو في شبه جزيرة تايوان، أو حتى في إيجاد محيط عدائي للصين، على شاكلة مجموعة "كواد"، سوى دليل على إصرار تلك الإدارة على عدم السماح للصين بالسير قدماً في مسار التطور.
دخل العالم اليوم مرحلة التحدي تحت عنوان "شكل النظام العالمي القادم". لهذا، باتت كل الاحتمالات مفتوحة على كل السيناريوهات، على رأسها الدخول في حرب كبرى، ولا سيما أن روسيا ما زالت تستدعي الاحتياط لديها، وهذا مؤشر على الاستمرارية في نهج الانخراط أكثر في الحرب مع الغرب والوصول إلى نقطة "اللاعودة" إلى الحلول بالطرق الدبلوماسية.
تطمح روسيا إلى إدخال حلفائها في هذه الحرب، أولاً لأنها لا تستطيع تحمل أعباء الحرب وحدها، وهي تعلم أنها في حرب طويلة مع الغرب، وثانياً، لأنها ليست معنية وحدها بتحويل النظام الحالي إلى نظامٍ متعدد الأقطاب. لهذا، ستدفع الصين وإيران وكوريا الشمالية وكلّ من يدور في هذا الفلك إلى الحرب الكبرى.
أخيراً، إنَّ الحرب القائمة في شرق أوروبا مرشحة للتوسع نحو مناطق أخرى في العالم، وهذا ما تهدف إليه السياسة الأميركية التي تعمل بكل ما في وسعها لإدخال الصين في حرب "الجوار" كي تستطيع استنزافها بحرب طويلة، الأمر الذي سيعرقل تلقائياً مشروعها نحو 2025.