حكومة المتطرف والأكثر تطرفاً: إلى أين سيقود نتنياهو "إسرائيل"؟
على المستوى العربي، نحن نرى أن الهدف الأول والأخير لنتنياهو سيكون التطبيع مع المملكة العربية السعودية
الكنيست الإسرائيلي منح الثقة لحكومة نتنياهو (البالغ من العمر 73 عاماً). ستكون الحكومة الإسرائيلية المقبلة من أكثر الحكومات تشدداً، ولعل الوصف الدقيق لهذه الحكومة هو أنها "حكومة حرب" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
ائتلاف حزب الليكود اليميني المتطرف مع أحزاب أكثر تطرفاً
في الواقع، وُلدت حكومة الحرب هذه نتيجة مخاض عسير ومفاوضات ماراثونية بين الأحزاب اليمينية المتطرفة. وأكثر ما يجمع هذه الأحزاب هو تقديم تنازلات متبادلة من أجل المحافظة على هذا الائتلاف قائماً. خوفاً من المستقبل غير المستقر لنتنياهو في ظل اتهامه بقضايا فساد ورِشىً، اشترطت الأحزاب الأخرى (اليسارية والعربية وغيرهما من الأحزاب) أن يتنحّى نتنياهو عن قيادة حزب الليكود للدخول في ائتلاف لتشكيل الحكومة من دون الأحزاب اليمينية المتطرفة، لكن حزب الليكود رفض التخلي عن نتنياهو، ونتنياهو نفسه أصرّ على البقاء على رأس الحزب ليشكل الحكومة. يرى نتنياهو في تشكيل الحكومة مع الأحزاب اليمينية المتطرفة فرصة لا تتكرر في سبيل التخلص من قضايا الفساد وإغلاقها بصورة نهائية من خلال إجراء تعديلات على المستوى القضائي يسمح له بتأجيل النظر في قضايا الفساد أو حتى وضعها في أدراج النسيان.
أربعة أحزاب كانت على استعداد لدخول ائتلاف مع حزب الليكود، هي: (شاس، كاخ، يهوديت هتوراه والصهيونية اليهودية). هذه الأحزاب بالطبع دخلت هذا الائتلاف بشروط واضحة للغاية، هي:
فيما يتعلق بـ"الداخل الإسرائيلي": تقديم امتيازات غير مسبوقة إلى الطبقة الدينية، سواء بشأن الحقائب الوزارية المتعلقة بوزارات مهمة، كالأمن، ومحاولة تقديم تسهيلات داخل موازنة "الدولة" للدعاية الدينية لهذه الأحزاب. كما اشترطت هذه الأحزاب ممارسة ضغوط على اليسار اليهودي وتقليل الاعتماد على اليهود الأميركيين، وتقديم بعض الخدمات بناءً على أسس دينية.
فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني: تطالب هذه الأحزاب بتصفية حق العودة للفلسطينيين بصورة كاملة، ودعم عمليات الاستيطان في كل الأراضي الفلسطينية، وضم الضفة الغربية إلى الاحتلال الإسرائيلي، وإقرار قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين اشترطه رئيس حزب القوة اليهودية بن غفير، ووافق عليه حزب الليكود، بعد أن أصر بن غفير على تحديد موعد محدد للمصادقة على هذا القانون، وعدّ الموافقة عليه شرطاً لإقرار موازنة 2023.
كما اشترطت الأحزاب اليمينية قوننة تجريد الفلسطينيين من "المواطنة"، أو إبعادهم وطردهم في حال القيام بعمليات داخل الأراضي المحتلة. وتضمّن بيان حزب الليكود، قبل يوم واحد من أداء القسَم أمام الكنيست، عدداً من الخطوط الحمر، فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني والأراضي العربية المحتلة. فأكّد نتنياهو أن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتصرّف في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية والعربية، بحيث ستشجّع الحكومة الاستيطان وتعزّزه في الجليل والنقب والجولان والضفة الغربية المحتلة. كما ستمنح الحكومة المقبلة صلاحيات وحصانة أوسع وأكبر لقوى الأمن في أثناء تصديها للعمليات التي يقوم بها الشعب الفلسطيني.
وضع الحكومة في الساحة الدولية
في خطوة فريدة من نوعها، أرسل 100 سفير ودبلوماسي إسرائيلي متقاعد برسالة إلى نتنياهو يعبّرون فيها عن قلقهم البالغ من إمكان أن تُلحق سياسة الحكومة المستقبلية الضرر بعلاقات "تل أبيب" الخارجية. يخشى هؤلاء أن يدفع اليمين المتطرف العلاقة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مستوى لم تشهده "إسرائيل" من قبل.
وبالفعل، ففي مهد جماعات الضغط اليهودية (الولايات المتحدة) دفعت هذه اللوبيات الولايات المتحدة إلى دعم "إسرائيل" على نحو غير مشروط خلال الأعوام الماضية، لكن هذه الجماعات اليهودية اليوم متخوفة من اليمين المتطرف، وهي من أكثر الجماعات التي ستتعرّض للضرر من السياسات الخارجية لحكومة نتنياهو المتطرفة.
لا تزال الإدارة الأميركية تؤمن بـ"حل الدولتين" (وإن كان في العلن فقط)، وتؤيدها في ذلك أغلبية اليهود الأميركيين. إن إصرار نتنياهو والأحزاب المؤتلفة معه على تصفية "حل الدولتين"، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وضرب القرارات الأممية بعُرض الحائط، سوف يدفع هذه العلاقة إلى مزيد من التوتر، ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل مع الاتحاد الأوروبي أيضاً.
أمّا على المستوى العربي، فنحن نرى أن الهدف الأول والأخير لنتنياهو سيكون التطبيع مع المملكة العربية السعودية، لكن جهوده هذه ستواجَه أيضاً بمعارضة من هذه الأحزاب، التي تمتلك أيديولوجيا معادية للعرب والمسلمين، لا يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها.
تدرك السعودية تماماً، بدورها، المكانة الدينية ودورها الإقليمي في المنطقة. كما أن كأس العالم في قطر أظهرت لها حجم كره القواعد الشعبية لـ"دولة" الاحتلال، وهو ما استُتبع بمساعٍ من جانب البرلمان العُماني لتجريم الارتباط بالأفراد والشركات الإسرائيلية. لذلك، فإن السعودية مدركة تماماً أن التطبيع مع "إسرائيل" هو لقمة أكبر من فم "إسرائيل". وبناءً عليه، فهي لن تقدّم هذه الفرصة إليها على طبق من ذهب. لذلك، فإن السعودية لا تزال، وستبقى، متمسكة بـ"حل الدولتين" وبالمبادرة العربية.