نانسي بيلوسي المستفزة
الاستفزاز الذي سببته بيلوسي للصين كاد العالم يدفع ثمنه لو وقعت حرب مباشرة.
دانت وزارة الخارجية الأذربيجانية، الأحد 18-9-2022، تصريحات رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي عن الأوضاع على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، مؤكدة أنَّ هذه التصريحات لا أساس لها من الصحّة، ولها أهداف سياسية، وتزيد التوترات في المنطقة. وأعربت الوزارة، في بيان صادر عنها، عن أسفها لتصريحات بيلوسي التي دانت أذربيجان بسبب ما وصفته بالهجمات "المميتة" ضدّ أرمينيا.
وكانت بيلوسي قد أطلقت جملة من التصريحات في أرمينيا استفزت من خلالها الجانب الأذربيجاني، وذلك بعد أيام من القتال بين البلدين، وقالت إن "الديمقراطية والسيادة ووحدة أراضي أرمينيا مهمة لنا جداً. نحن هنا لتقديم مساعدتنا، والخيار لأرمينيا، نحن هنا للتعبير عن استعدادنا".
وتابعت بيلوسي في كلمتها قائلةً إنَّها تتحدّث "بالنيابة عن الكونغرس"، وأضافت: "أدين الهجمات المميتة التي تشنّها أذربيجان على أرمينيا".
عندما يقرأ المتابع كلمة بيلوسي تجاه أذربيجان، يستعيد في ذاكرته مباشرة جولتها في تايوان وما نتج منها من مواقف صينية حادة النبرة تجاه الولايات المتحدة وتايوان، فزيارة بيلوسي الأخيرة في 15 آب/أغسطس الماضي إلى الجزيرة استفزّت الحكومة الصينية، التي دفعت جيش الصين الشعبية إلى إجراء سلسلة من المناورات حول الجزيرة، الأمر الذي أنذر بوقوع حرب قد لا تتوقف عند حدود المحيط الهادئ.
الاستفزاز الذي سببته بيلوسي للصين كاد العالم يدفع ثمنه لو وقعت حرب مباشرة بين الصين والولايات المتحدة الملتزمة الدفاع عن تايوان. وقد انعكس سلباً على التعاون المشترك بين البلدين، تحديداً المجال البيئي والمناخ.
استفزازات بيلوسي لا تثير الجدل بين الدول فحسب، فقد خلقت أيضاً توتراً في العلاقة مع رؤساء جمهوريات سابقة للولايات المتحدة، الذين لا يتوافقون مع سياسات حزبها الديمقراطي. فعلاقتها بالرئيس الأسبق دونالد ترامب لم تكن جيدة، إذ ارتكزت على طريقة الاستفزاز التي لطالما اتصفت بالعدائية، فهي كانت من أشد المعارضين لوصوله ثانية إلى البيت الأبيض. وعقب مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي منتجع مالارجو المملوك للرئيس ترامب في فلوريدا وتفتيشه، صرحت بيلوسي بطريقة ساخرة: "إن سلطات إنفاذ القانون لديها مبرر للقيام بهذا العمل، ولا أحد فوق القانون".
قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حول زيارات بيلوسي المستفزة إنَّ "السياسة الخارجية الناجحة تجمع بين المبادئ السامية والتنفيذ الذكي في الوقت المناسب". لقد اعتبر البعض أن زياراتها غير ناجحة، لأنها لم تجمع بين الميزتين، بل عكست انطباعات سلبية للسياسة الخارجية الأميركية مع الدول.
لهذا، اعتبرت الصّحيفة أنّ الزيارة إلى تايوان لم تقدم شيئاً جديداً بالنسبة إلى السياسة الخارجية الأميركية، بل سببت لها إحراجاً دفع الخارجية الأميركية إلى تبرير ذلك، واعتبار أنّ ما قالته لا يغيّر في سياسة أميركا تجاه "الصين الموحدة". الأمر كذلك بالنسبة إلى باكو عاصمة أذربيجان، إذ إنَّ مواقف بيلوسي قد تدخل بلادها في صراع دبلوماسي مع أذربيجان وحلفائها، وهذا ما لا تريده الإدارة الأميركية، فأخذ مواقف إلى جانب أحد المتحاربين لا يخدم مصالح أميركا الخارجية، بل يدفع أحدهما إلى تكريس الاصطفاف مع أعداء أميركا.
باكو حليفة تركيا، لكنها عدوة إيران، ولا تجمعها علاقة جيدة بروسيا بالوقت نفسه، وهي سوق الاستيراد الأكبر في العالم للسلاح الإسرائيلي، ومصدر الطاقة التي قد تكون بديلة من الطاقة الروسية. لهذا، لا تجد الإدارة الأميركية الحليفة لباكو أيّ سبب لمعاداتها، في لحظة يستغل فيها الروسي أي توتر في العلاقات للانقضاض على كل تحالف أميركي لاستغلاله في تطويق الغرب.
قد تكون بيلوسي (82 عاماً) من خلال زياراتها وتصريحاتها تبحث عن حدث يتوج الفترة التي قضتها رئيسةً للمجلس، وتترك في سجلها بطولات دونكيشوتية للتاريخ، إلا أنّها تهدف في الحقيقة إلى تسجيل الإنجازات كي تحقق نجاحاً ساحقاً يستثمره حزبها الجمهوري في الانتخابات النيابية النصفية الأميركية المزمع إجراؤها.
لا شكّ في أن لبيلوسي حسابات الحقل التي لا تتناسب مع حسابات البيدر بالنسبة إلى منطقة البلقان، لأن هدفها يتوقف عند دعم حزبها داخلياً، عبر التأثير في وعي الناخب الأميركي، كي تقطع الطريق أمام غريمها اللدود ترامب المتزعم للحزب الجمهوري.
بالتأكيد، إنَّ تصريحاتها صدرت طمعاً بأصوات الجالية الأرمنية تمهيداً للانتخابات النصفية، واسترضاء لبعض السياسيين معها المدعومين من اللوبي (الأرمني) بخصوص الإقليم المتنازع عليه، ولا تعكس وجهة النظر الرسمية الأميركية، لكن بتحليل آخر، يرى البعض أن تلك الاستفزازات تخدم المصالح الأميركية في الخارج أيضاً، لأنّها تؤجج الصراعات في المناطق التي اعتبرتها قمة شنغهاي الأخيرة ملاذاً آمناً لاقتصادها البديل، فتغريدة نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، عبر حسابه في "تويتر"، رفض بلاده تصريحاتها حول كاراباخ، ومطالبة الإدارة الأميركية شجبها، تؤكّد أن بيلوسي أصابت هدفها، ولو بطريقة غير مباشرة، من خلال توتير المنطقة هناك.
تعمل كلّ من الصين وروسيا على خلق نظام عالمي بالتوازي مع النظام القائم، فكما يبدو، لم تستطع تلك الدول إحداث التغيير المنتظر. من هنا، كانت قمة شنغهاي للتأكيد على انطلاق هذا النظام الذي يتمحور في المنطقة الحدودية بين الصين وروسيا والمناطق التي تعمل بيلوسي على تأجيج الصراعات فيها.
أخيراً، أدت استفزازات بيلوسي دورها الخارجي في تأجيج مناطق الصراع في العالم، الأمر الذي قد تترتب عليه صدامات عسكرية تعرقل قيام النظام الرديف المولود حديثاً، لكن لا بد من انتظار ما قد تحدثه تلك الاستفزازات من حصد المقاعد النيابية في الانتخابات الأميركية المقبلة.