الأمم المتحدة الفاشلة في معالجة قضايا العالم المتشعبة وضرورة إصلاحها
المنظمة العالمية يبدو أنها تشكو من الوهن والضعف الشديد، وربما الفساد من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها.
أمينٌ عام وراء أمينٍ عام، يُنتخب كل خمس سنوات في الأمم المتحدة ليكون الرجل الأمين على دستورها والساهر على حفظ الأمن والسِّلم في العالم أجمع، ومنذ ثمانية وسبعين عاماً على نشأتها لم يتبوأ هذا المنصب عربيٌّ إلا المصري بطرس غالي من سنة 1992 إلى سنة 1996 رغم الجدل الذي أحدثته فترة ولايته، وكانت الأمم المتحدة ولا تزال تنتخب أمينها في كل مرة على أمل أن يُصلح الخَوَرَ الذي بداخلها ويملأ الخَواءَ الذي أصابها ويوضّح الغموض الذي يلفّها، وهو الرجل العالمي الذي يجوب العالم ويتحدث عن السّلام والسّلم والأمن الدولي، فما رأينا أميناً عاماً انتهت فترته من دون مشكلات معقدة، بل كان صورةً وشكلاً في مبنى الأمم المتحدة يصرّح ويشجب ويُدين ويُطالب ويطلب، وهذه كما يبدو صَنعته منذ أن وُجد هذا اللقبُ، ولا يزيد على ذلك شبراً ولا يستطيع أن يفرض شيئاً ولا يمكنه أن يتعدى المقدار الذي وُضع له وصُمّم من أجله.
فالأمم المتحدة تسيطر عليها دولٌ كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تملك النصيب الأكبر والأوفر من حصص المساهمة في إنشائها وتسييرها حسب مصالحها الخاصة، ثم الدول العظمى الأخرى التي تملك حق الفيتو وهي بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، أما ما عداها فهي دول تُبدي رأيها لكنها لا تؤثر في القرار، تثبيتاً أو إلغاءً، فيكفي دولة واحدة من كبريات الدول الخمس أن ترفع اعتراضها على أي مشروع قرار قُدّم للمجلس، ورغم أن مجلس الأمن له قرارات ملزمة في بعض الأحيان تحت أي فصل من الفصول فإن الأمم المتحدة التي تضم تحت لوائها 193 دولة لا تملك هذا الخيار.
وفي كل تعيينٍ لأمينٍ عام للأمم المتحدة، كنا نأمل أن نرى عالماً خالياً من الحروب والتهجير والاستعمار والاحتلال والاستعباد، وإذا بنا نرى عالَماً يزداد تغوّلاً كل سنة تمر علينا، فالشعوب المقهورة أو بالأحرى المستعبدة تضاعفت كثيراً في السنوات الأخيرة ووصلت إلى حدّها الأقصى، حتى أضحت الأمم المتحدة عاجزة تماماً عن إغلاق أي ملفّ بعد أن تداعت الملفات على طاولة الأمين العام وتكاثرت، فكل يوم نسمع بانهيار دولة أو بسقوط حكم أو بانفجار شعب أو باحتلال أرض، ونرى خلافات عميقة وجشعاً على السلطة واعتداءات بالجملة على الطفل والمرأة بشكل بشع، ويبقى الأمين العام للأمم المتحدة عاجزاً عن أداء مهامه لوقف هذه التجاوزات الخطيرة والمؤلمة إلى حد خطير.
هو فعلاً لا يستطيع أن يفعل شيئاً على أرض الواقع؛ لأنه لا يملك أدوات التغيير، وليست لديه سُلطة تخوّله أن يكون شُرطي العالم في هذه التجاوزات والخلافات، وهو غير قادر على توجيه التهم للقتلة والمحتلين والمستعمرين في العالم وما أكثرهم، ولا يقدم حلولاً جذرية للمشكلات العالمية المتعلقة بالأسرة والتنمية والتشغيل والاستقلال وحقوق المرأة وحقوق الطفل، فالانتهاكات تستعر في العالم بالجملة وعلى المستويات كلها، ولم يُوقفها الأمين العام للأمم المتحدة ولا هذه المنظمة العالمية التي وجدت في الأساس لحماية الإنسان، لأنه ببساطة لا يملك من القوة شيئاً سوى أنه يمثل شكلاً من أشكال التخفي وراء ستار الجريمة التي يقوم بها المستكبرون الذين يحملون الفكر الإمبريالي الاستعماري على طول الزمان.
فالمنظمة العالمية يبدو أنها تشكو من الوهن والضعف الشديد، وربما الفساد من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها، تجتمع كل سنة في شهر أيلول/سبتمبر لتستعرض الدّول خطاباتها الرنّانة التي تدعو جميعاً إلى احترام حقوق الإنسان وإنهاء النزاعات والخصومات بالطرق السلمية، وإنهاء الانقلابات التي حدثت وتحدث في العالم، ثم يأتي دور الأمين العام ليشجب ويُدين ويطالب، وما نشاهده في أروقتها يعكس جوهر الخلافات العميقة بين الدول الكبرى والصغيرة، ويعكس حجم المعاناة التي يعيشها العالم في كل مكان. إذ لم يعد العالم آمناً اليوم بعد الكوارث الطبيعية والزلازل السياسية وتغطرس القوى الاستعمارية والإمبريالية وترسيخ لغة القوة على لغة الحوار.
فخطة الأمانة العامة للأمم المتحدة بوصفها الحالي خطة فاشلة نوعاً وكمّاً، لأنها لا تستجيب لتطلعات العالم والضعفاء والمستضعفين الذين ينشدون العدالة بينما هم في الحقيقة يواجهون القساوة في التهجير والاستعباد والاستبداد والظلم والكراهية والطغيان والفساد والإفساد، وكان واجباً على المنظمة الأممية أن تعمل من أجل إرجاع الحقوق لأصحابها، وأن تمنح الإنسان كرامته التي انتهكت في كل مكان، ولم يعد في العالم أمن ولا أمان، بل تزداد معاناته يوماً بعد يوم بشكل يدعو إلى الفزع والخوف والرعب.
فعلاً، لا جدوى من خطة أمين عام لا يرعى شؤون العالم، ولا يدافع بالفعل لا بالقول فقط عن ضعفاء العالم الذين أكلتهم الصهيونية والإمبريالية والنازية والهمجية والعنجهية، وداست على كرامتهم عناوين الظلم والقهر والاستبداد، وماتوا وهم على قهرهم شاهدون، ومن حقوقهم محرومون، وما أكثرهم حين تعدّهم في العالم أجمع شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً في إحصاءات يندى لها الجبين ويخجل منها الأمين العام للأمم المتحدة نفسه حين يسمعها أو يقرأها في زوايا مبنى الأمم المتحدة الذي يضم عشرات اللجان والمبعوثين والمساعدين وغيرهم من الموظفين، فهل ينهض العالم من جديد ويرفع عن جسده ثوبه الرثّ البالي القديم؟.
الأمم المتحدة الفاشلة في معالجة قضايا العالم المتشعبة تضعنا أمام سؤال مهم للغاية وهو، هل من الواجب أن تسعى الدول إلى إصلاحها وإعادة هيكلتها وبرمجتها؟ ولمن تعمل اليوم وهي بهذا الوهن والضعف؟ ومن له مصلحة أن تبقى هذه المنظمة الأمميّة العالميّة التي وجدت من أجل نصرة الإنسان على شاكلتها؟