أسماء وأسماء ما بين قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية
على الرغم مما حملته أعوام 1958 و1998 و2008 من أحداث، فإن أبرز ما كلّلها هو انتخاب قادة للجيش رؤساء للجمهورية، وهم على التوالي: فؤاد شهاب (1958) وإميل لحّود (1998) وميشال سليمان (2008).
على الرغم مما حملته أعوام 1958 و1998 و2008 من أحداث، فإن أبرز ما كلّلها هو انتخاب قادة للجيش رؤساء للجمهورية، وهم على التوالي: فؤاد شهاب (1958) وإميل لحّود (1998) وميشال سليمان (2008)؛ فالأوّل، أي اللواء شهاب، انتُخب بعد ما يُعرف بأحداث الـ1958 والحرب الأهلية المصغرة التي حصلت، والثاني أي العماد لحّود بعد التمديد للرئيس الهراوي، والثالث أي العماد سليمان بعد أحداث السابع من أيار وما سبقها من قرارات حكومية في الخامس منه، وبعد مؤتمر جمع الفرقاء السياسيين، عقد في العاصمة القطرية، وسمي طبعاً مؤتمر الدوحة.
وقائد الجيش في لبنان يعدّ مرشحاً دائماً لرئاسة الجمهورية بحكم كونه من الطائفة المارونية، وبحكم إمساكه بالملف الأمني–العسكري من ناحية الدفاع، ولكونه من يتولى في كثير من الأحيان فضّ النزاعات بين الأطراف السياسية، حينما يكون البلد على مفترق طرق، وظل دوره بارزاً في عدد من المحطات، وإن أصابه بعض التشرذم كما حصل إبّان الحرب الأهلية (ما بين عامي 1975 و1990).
تساهم عدة تقاطعات في انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، بعضها يرتبط بترتيب العلاقة بسوريا التي يرتبط معها لبنان بوحدة التاريخ والجغرافيا، وبعضها إقليمي ودولي. انتخاب فؤاد شهاب مثلاً جاءت نتيجة تقاطعات إقليمية–دولية، إذ كان العالم والإقليم مقسوماً بين حلفي وأرسو (الاتحاد السوفياتي) وبغداد (الولايات المتحدة) مع أريحية عربية ومصرية تحديداً في التعامل مع اللواء الرئيس، ظهرت في تعزيز ما كان يُعرف بالمكتب الثاني ودوره الأمني التضييقي من دون نزع صفة البناء، التي رافقت الرئيس ووصمت رئاسته كرجل للمؤسسات وعنوان للنهضة المؤسساتية، التي أسست لإنشاء كثير من الهيئات الرقابية، التي أطّرت الشأن العام ووضعت المداميك الأساسية لبناء متّزن، يجمع ما بين الأمن والنهضة والعسكرة واتخاذ الحياد صفة لازمة متلازمة.
أما انتخاب الجنرال لحود رئيساً عام 1998، فقد أدّى فيه اللاعب السوري دوره بقوة في تزكيته قائداً للجيش عام 1989، حينما اقترح وزير الدفاع آنذاك ألبير منصور على الرئيس الهراوي تعيين العميد لحود قائداً للجيش، وهدّد بالاستقالة في حال لم يُلبَّ طلبه، ليصبح بعد ذلك العميد لحود قائداً للجيش، فأعاد إلى الجيش لحمته وعمقه الوطني والعروبي، وأعاد تركيز البوصلة وتثبيت العداء للكيان الغاصب، خصوصاً بعد الانقسامات التي حدثت في الحرب الأهلية البغيضة.
أما ميشال سليمان، فقد استفاد من مروحة عربية، أساسها قطر التي تصدّرت المشهد حينذاك، وحاجة المشهدية اللبنانية إلى شخصية كانت تُعد وسطية لتمهيد الطريق وخلق بيئة ملائمة لإجراء الانتخابات النيابية عام 2009 تعيد ترتيب اللوحة اللبنانية وفق تفاهم "السين سين"، أي السعودية وسوريا، ما بين عام 2009 ومطلع عام2011.
وسرعان ما انقلب الرئيس سليمان وأخذ طرفاً وانطلق في معاداة المقاومة، وانتهى عهده بفراغ رئاسي وبرفض المعادلة التي كلّلت معظم البيانات الوزارية، واصفاً إياها بالمعادلة الخشبية!
أما العماد جوزيف عون، فيحتاج إلى مظلة محلية في الدرجة الأولى تنطلق من توافق الفرقاء المسيحيين على ترشّحه، فضلاً عن الحاجة إلى تعديل الدستور، لكونه قائداً للجيش، وما من ظرف استثنائي كاتفاق الدوحة أو حدث أمني يستوجب تسريعاً في عملية الانتخاب من دون تغطية دستورية أو تفسيرات زمخشرية!
وهناك عدد من ضباط المؤسسة العسكرية الذين أدوا أدواراً كبيرة في هذه المؤسسة، وبعضهم وصل إلى سدة القيادة، كالعماد طنوس الذي اشترط على رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل ألا يبقى في منصبه أكثر من سنة واحدة، وكان بشير الجميل قد طرح بعد انتخابه موضوع تعيين قائد جديد للجيش أمام معاونيه الكبار، وكان هناك إجماع على اسم العقيد طنوس (كان في رتبة عقيد).
وكان الرئيس المنتخب قد فكّر في إلغاء منصب قائد الجيش والاكتفاء بمنصب رئيس الأركان وإسناده إلى ضابط من الطائفة السنية الكريمة، هو العميد سعيد قعقور. اعترض والده بيار الجميل على هذا الأمر، وأقنع ابنه بأن الامتيازات التي أعطيت للموارنة عام 1943 يجب أن تبقى كما هي، ثم ما لبث أن اتخذ مجلس الوزراء قراراً بإعفاء العماد طنوس من مهامه عام 1984.
وإلى العقيد فهيم الحاج الذي أبعده العماد طنوس، واقترح تعيينه ملحقاً عسكرياً في تونس، وذلك لإبعاده عن قيادة سلاح الطيران. وكان قد استبعده عن عملية إنقاذ المواطنين الذين حاصرتهم الثلوج في ضهر البيدر عام 1983، بعدما طلبت الحكومة اللبنانية إلى القوات متعددة الجنسية وقتئذ المساعدة في إنقاذ المحاصرين، ثم زكّاه الرئيس رينيه معوض لتسلّم قيادة الجيش، ولكن بعد اغتيال الرئيس معوض جنحت الترشيحات لتصب في خانة العميد إميل لحود، كما ذكرنا سابقاً، لاعتبارات عديدة.
وإذا عدنا إلى ستينيات القرن الماضي، يبرز اسم العقيد جميل لحود، حينما حاول الرئيس شهاب إقناعه بالاستقالة من الجيش والترشح للنيابة، بهدف قطع الطريق عليه للوصول إلى قيادة الجيش خوفاً من أن يؤثّر ذلك في شعبيته في صفوف المؤسسة العسكرية... إلى ذلك من وقائع لضباط وصلوا إلى قيادة الجيش أو كانوا مؤثّرين في كثير من المعارك العسكرية والأمنية، ولكنهم لم يتصدروا المشهد بتسلم القيادة.
بناءً على ما تقدم، تبقى قيادة الجيش تؤدي دوراً بارزاً في تبريد الجبهة الداخلية من مختلف التوترات الأمنية أو السياسية، لا سيما الأدوار التي تُناط ببعض الضباط وعمق العلاقة التي ينسجونها عربياً وإقليمياً ودولياً. وتبقى المؤسسة العسكرية، على الرغم من التزاحم الذي حصل على مدى أكثر من 60 عاماً بين رفاق السلاح، خشبة الخلاص وعنوان وحدة البلد، الذي يُجمع كل أبنائه على احترام تضحياته في ظل هذا الوضع العصيب الذي يعيشه الوطن على كل مستوى، ولكن اللعنات مستمرة منذ ما قبل الميثاق الوطني، وما بعد الطائف، وحتى يومنا هذا!