شراكة تجارية ومصاهرات عائلية.. السوريون في البقاع ضحايا العدوان أيضاً
هي حالة من التماهي والاندماج بين الشعبين السوري واللبناني، وتحديداً سكان المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، إذ يستذكر هؤلاء دائماً أن حمص والقصير والعاصمة دمشق وغيرها قبل الحرب، التي اندلعت عام 2011 في سوريا، كانت دائماً وجهتهم.
في العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان، كان من ضمن ضحايا القصف على قرى البقاع اللبناني عائلات من الجنسية السورية، بحيث ارتقى ما لا يقل عن تسعة عشر سورياً من جراء غارات إسرائيلية استهدفت مبنى كانوا يقطنون فيه في بلدة يونين البقاعية، جلهم يعملون في مهنة القص والتركيب للحجر، ويقيمون بالمبنى ذاته منذ أعوام.
يحتضن البقاع آلاف السوريين منذ زمن، ليس فقط أولئك الذين فروا من الحرب في بلادهم (يشكلون 90% من اللاجئين، بحسب مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة)، بل هناك أيضاً عائلات بأكملها مقيمة بالمنطقة منذ ما قبل الحرب على سوريا، تعيش في البلدات والمدن البقاعية، حتى باتت جزءاً من النسيج الاجتماعي هناك، تتطبع به وتؤثر فيه، وفق ما يؤكد عدد من السوريين واللبنانيين الموجودين في المنطقة.
شراكة تجارية ومصاهرات عائلية
"أنا بقاعي سوري"، هكذا يُعبّر حسن عن نفسه، وهو شاب سوري من أم لبنانية وأب سوري، يعيش منذ أعوام طويلة في بلدة سحمر البقاعية. يتحدث حسن عن أن والده تاجر في المنطقة، يقصده الجميع هناك، ويثقون ببضاعته وجودتها. "حين تتجول في القرى البقاعية، لا بد من أنك ستلاحظ وجود عدد من المحال التجارية الأخرى التي يملكها سوريون، وهي محال يتردد عليها أهالي المنطقة باستمرار"، يقول حسن.
وكان الأمر متبادلاً مع البقاعيين أيضاً، الذين استقروا في سوريا، وفق ما يحكي علي، وهو صحافي لبناني من أم سورية، يعيش بين البقاع والشام، لافتاً إلى أن هناك عدداً من البقاعيين موجود في حي الأمين وحي الصادق وحي زين العابدين في دمشق، وهناك أيضاً في حي القساع في دمشق، وهم من مختلف الطوائف.
في الواقع هي حالة من التماهي والاندماج بين الشعبين السوري واللبناني، وتحديداً سكان المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، إذ يستذكر هؤلاء دائماً أن حمص والقصير والعاصمة دمشق وغيرها، قبل الحرب التي اندلعت عام 2011 في سوريا، كانت دائماً وجهتهم للتسوق والسياحة وتحصيل العلم والاستشفاء والطبابة، وغيرها كثير من الخدمات الأساسية التي يحتاجون إليها.
بعض هذه الخدمات انتقل إلى البقاع، وفق ما تفيد مريم الميادين نت، وهي ناشطة في العمل الاجتماعي والصحي في البقاع، مشيرة إلى وجود أطباء ومعلمين سوريين يعملون في بعض القرى البقاعية. وتلفت إلى أن الزراعة نشطت في البقاع بسبب اليد العاملة السورية. وتضرب مثالاً على ذلك منطقة قب الياس، حيث شهد القطاع الزراعي فيها ازدهاراً ملحوظاً بعد إقبال الشبان السوريين على العمل في الزراعة، فاشتهرت البلدة بزيادة الإنتاج في زراعة القمح والشعير والشوفان وجميع أنواع الخضار والفاكهة.
تؤكد مريم أن ثمة شراكات متعددة برزت بين لبنانيين وسوريين، إذ يقدم بعض السوريين في البقاع رأس مال، بينما يقدم اللبنانيون محالّهم لافتتاح مصالح تجارية مشتركة، مثل محلات الخبز والبهارات والألبسة وغير ذلك.
أما على صعيد العلاقات الاجتماعية، فتلفت إلى وجود زيجات كثيرة بين الشعبين اللبناني والسوري.
اقرأ أيضاً: الزراعة في البقاع تواجه "نكبة غير مسبوقة" بسبب العدوان الإسرائيلي
عائلات سورية أصلها لبناني
يروي مجدي في حديثه إلى الميادين نت قصة تعرّفه إلى بعض أقربائه صدفة في لبنان، وهو شاب سوري خريج علوم دينية، ويعمل في المجال الاجتماعي في البقاع.
"اكتشفت ذات مرة أن زميلتي اللبنانية في الجامعة تربطني بها قرابة بعيدة، فأقرباؤها بعضهم أولاد عم لجدي"، يقول مجدي، ويضيف: "عند قدومي إلى البقاع، كنت على علم مسبق بوجود أقرباء لنا في منطقة الكرك في زحلة، وهم لبنانيون من أصل سوري. فعائلة أبي تزوج أفرادها في السابق بلبنانيين يقطنون في المنطقة".
يؤكد مجدي أن هذه العائلات جزء لا يتجزأ من المجتمع البقاعي، "اندمجوا في المجتمع اللبناني عبر العمل والمصاهرات العائلية".
ويشرح كيف أنه مارس مهنته في المجال الاجتماعي فيما يخص الملف اللبناني: "مع أني سوري، لكن عملي يتطلب مني أن أتواصل مع بلديات ووزارات ووزراء ومحافظين في البقاع وسائر المناطق اللبنانية".