"الفن في خدمة المقاومة".. المحتوى البصري في لبنان يعزّز رسائل الميدان
يرى فنانون وصانعو محتوى في لبنان أن المقاومة هي الملهم الأول لأي عملٍ فنّي، وأنّ هذا العمل يتحرك حالياً وفق نتائج العمل الميداني الجهادي.
خلف جبهة المقاومة العسكرية، يحتشد مقاومون في ميدانٍ جهاديّ موازٍ لخوض معركةٍ من نوع آخر؛ معركةٌ سلاحها التكنولوجيا والفن، وذخيرتها الفكرة والصوت والصورة، إلا أن مبدأها في الجهاد والعمل واحد: إظهار صورة المقاومة الحقيقية، وهدفها مقارعة قوى الظلم والاحتلال.
للعاملين في هذا الميدان لغتهم الخاصة وأدواتهم العملية والفنية، يقودون المعركة الإعلامية بأساليب بصرية استثنائية، ويوجهونها نحو الأهداف المنشودة تماماً كما يوجه المقاوم بندقيّته، فيعمل كلّ واحد منهم انطلاقاً من موقعه وعمله وقدراته التي تقدِّم - فرديّة كانت أم مجتمعية - نموذجاً من العمل الإعلامي والفني المقاوم.
"الحرف" يجسّد البطولات
تشكل المبادرات الفردية جزءاً كبيراً من ميدان العمل الإعلامي الرقمي، إذ برزت أهميتها بشكل ملحوظ مع انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، "لأن عمل الفنان البصري والمرئي لا يقلّ أهمية عن عمل المقاوم الموجود في قلب المعركة"، يشرح علي بحسون، المشرف الفني وصانع محتوى، للميادين نت.
يؤكد بحسون أن "المقاومة هي الملهم الأول لأي عملٍ فنّي مقاوم، وهذا العمل يتحرك حالياً وفق نتائج العمل الميداني الجهادي، وبالطبع فإن الفنان (مصمم، مصور، رسّام..) المنخرط فعلياً في هذه المعركة، يعرّض أعماله وحساباته وحتى تحركاته للمخاطرة والملاحقة من قبل الاحتلال، لأن لصاحب الموهبة هنا أثماناً لا بد أن يدفعها في مسيرة جهاده المهني".
"ويحتاج هذا النوع من العمل الفني والبصري إلى ثقافة ومعرفة بالقوانين التي تخدم القضية، وإلى العمل ضمن خطة تخدم مسار المقاومة"، يؤكد بحسون، إضافةً إلى "ضرورة التأنّي بالعمل، والرؤية الصحيحة لاختيار التوقيت الأدق لتظهير العمل الفني إلى الرأي العام، بشكل يخدم مصلحة المقاومة لا الاحتلال".
أما على مستوى المبادرة الشخصية، فقد قام المصمّم اللبناني بابتكار أفكار فنية داعمة للقضية من خلال خلق ما يسمى بـ"خط طباعي"، استُخرج من صور الملاحم البطولية التي تسطرها المقاومة في غزة وجنوب لبنان، حيث يعبّر كل مشهد منها عن حرف، وقد تمكن بعدها من أن يؤلف كلمات تخلّد الواقع عبر دمج هذه الحروف، ولا تزال المبادرة مستمرة ويتم تطويرها لعدة استخدامات، مشيراً إلى أن حجم التفاعل معها كان كبيراً جداً.
بحسون أشاد أيضاً بالدور الكبير الذي لعبه العاملون في مجال الفن البصري الداعمون للمقاومة على مختلف جنسياتهم العربية، وإلى سياسة الأيقونات التي استطاعوا من خلالها ترسيخ مبدأ القضية وصورة المقاومة عميقاً في شخصية المواطن العربي من جهة، والاستهزاء بكيان الاحتلال من جهة أخرى، ولعلّ أبرزها "رمز البطيخ الذي يدل على العلم الفلسطيني، والمثلث الأحمر الدال على الكمائن وبطش المقاومة، والنقوش التي تشير إلى الكوفيّة، وكذلك شعار المفتاح الذي يرمز إلى حق العودة، وغيرها من الأيقونات الأخرى".
جبهة المقاومة البصريّة
اتخذ مازن دبوق من صفحاته على منصات مواقع التواصل الاجتماعي ميداناً للعمل الإعلامي المقاوم، الشاب الذي يعمل في مجال الإخراج الإبداعي، ابتكر هو أيضاً أفكاراً بصرية ملهمة لدعم نهج المقاومة وإبراز صورتها المضيئة.
يرى دبوق أنّ "جبهة المقاومة الإعلامية يقابلها جبهة إعلامية للعدو شرسة جداً، ولا سيما أن معظم التقنيات الحديثة في هذا المجال مملوكة من قبل الشركات الداعمة للاحتلال"، مشدداً في هذا الإطار على أهمية وجود مجموعات وحملات تعمل بشكل جماعي موحّد وليس فردياً فقط.
النشاطات الإبداعية في صفحاته تنوعت، كان أبرزها تصميم وإعداد بوسترات تناولت أفكاراً وقضايا مختلفة على امتداد عشرة أشهر من الحرب، بالإضافة إلى التركيز على تصوير الأفلام القصيرة نظراً إلى "سهولة مشاركتها ومواكبتها للأحداث، ولا سيما أن الأحداث متسارعة ولا بد من مواكبتها بالسرعة نفسها"، يقول دبوق للميادين نت.
ويوضح أنه برغم عدم وجود جبهة إعلامية موحدة ومنسقة بين كل المبادرات المقاومة الفاعلة فيها، فإن التفاعل الذي أحدثته هذه الرسائل البصرية على مستوى الرأي العام العربي والعالمي "كان مبهراً وفعالاً ومتفوقاً حتى على جبهة العدو وشركائه".
"سيميا" والمحتوى الفني المقاوم
من الإبداع الفردي إلى الإبداع الجماعي، يجد حسين، أحد أعضاء فريق التصميم والمونتاج في ملتقى الإعلام المقاوم "سيميا"، أن "أهمية هذا المجال تأتي من التحديات التي تواجهنا في الظروف الحالية، ما يتطلب تصدياً لكل الحملات المغرضة بوجه المقاومة، وتبياناً للحقائق في ظل حملات التزييف الممنهج لصورة المقاومة وأهدافها".
تعمل "سيميا" على صناعة المحتوى الداعم للمقاومة والهادف لتوهين الاحتلال، وإخراج محتوى بقالبٍ فني يصل إلى الجمهور ويلقى تفاعلاً معه، فالمضمون الجيد والفكرة المميزة والإخراج الفني الجميل، كلها شروط مطلوبة وضرورية لجذب الجمهور، تضاف إليها المواكبة الدائمة والسرعة والحضور في المناسبات كافة، كشروط أساسية لخلق فعالية قصوى للمواد المُنتجة، وفقاً لحسين.
وفي سياق متصل، يشير المصمّم اللبناني إلى تنوع وتعدد قوالب إنتاج المواد الرقمية، من بوسترات وفيديوهات وإنفوغراف وفيديوغراف واستصراحات وبرامج (ضمن الصفحات)، وذلك تبعاً لنوع الموضوع المراد طرحه وكيفية معالجته والطريقة المراد من خلالها إيصال الفكرة.
وقدّمت "سيميا" منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" محتوى شاملاً واكبت فيه تطورات الأوضاع في غزة وجنوب لبنان، عبر الإضاءة على إنجازات المقاومة وصمود الأهالي، ومواكبة عوائل الشهداء والاهتمام بتفاصيل تتعلق بحياة الشهداء، فضلاً عن متابعة التطورات السياسية المرتبطة بالمعركة وفي مقدمتها خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتفريغ مقاطع منها من أجل شحن همّة الناس وتعزيز معنوياتهم. وانصبّت جهودها أيضاً من أجل مواكبة الأخبار المتعلقة بالاحتلال ونقل أخبار الصحف اليومية التي تظهر حجم خسائره وقلقه من قدرات المقاومة، وبث مواد أخرى باللغة العبرية.
ونوّه حسين إلى "قيام سيميا منذ بداية العام الحالي بإنتاج ما يزيد على 1550 مادة باللغة العربية، وباللغتين الإنكليزية والعبرية ضمن الحملات التي اتخذت طابعاً عالمياً، هذا عدا عن العمل والإنتاج المستمر لمنصات رقمية حليفة، ومبادرات أهلية وشبابية ومناطقية".