الزراعة في البقاع تواجه "نكبة غير مسبوقة" بسبب العدوان الإسرائيلي
يختصر مشهد تراكم صناديق المحاصيل الزراعية وتكدسها في سوق قب الياس الزراعي المركزي واقع الحال المرير للقطاع الزراعي في البقاع اللبناني. إذ يعد سوق قب الياس الأول على صعيد الأسواق الزراعية في لبنان.
هي "نكبة غير مسبوقة"، هكذا يصف أيوب قزعون تداعيات الحرب على واقع الزراعة في لبنان، وتحديداً في البقاع والجنوب. آلاف الأطنان من عناقيد العنب لا تزال على الدوالي في كرومها المنتشرة في البقاع من شماله إلى أقصى غربه الجنوبي، وذلك في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر.
اعتاد قزعون في مثل هذه الأيام أن يقطف أكثر من 70 طن من العنب في اليوم الواحد، وإرسالهم مباشرة إلى البواخر للتصدير باتجاه دول الخليج العربي وسواهم من الدول العربية والأوروبية. اليوم وبحسب قزعون لا تتجاوز كمية القطاف أكثر من 10 أطنان، وعوضاً من التصدير، تذهب هذه الكمية مباشرة إلى البرّادات، وهذا يُرتب كلفة مالية إضافية على الإنتاج.
يأتي ذلك في وقت أصبحت البواخر خارج المرافئ اللبنانية، وتكاليف التصدير في ارتفاع مستمر، فكلفة شحن الكونتينر ارتفعت من 2500 دولار إلى 4500 دولار ورحلة الوصول إلى البلد المصدر يلزمها 50 يوماً بدلاً من عشرين يوماً، بسبب الأحداث الجارية في محيط باب المندب. وواقع الزراعات الأخرى ليس أفضل حالاً، فقد حان موعد حصاد وقطاف الإنتاج في الحقول والسهول الزراعية، ولا يجد مزارعو الخضار من يساعدهم في قطاف البندورة والخيار والحشائش، بحسب ما يختم قزعون، الذي يصف ما حدث بـ"كارثة زراعية حلت بالمزارعين في عز موسم تصدير الفاكهة اللبنانية".
بالانتقال إلى الحقول الزراعية الواقعة بين البقاعين الأوسط والشمالي حيث الغارات والاستهدافات لا تهدأ، هناك الأولوية تكمن عند المزارعين في هذه الأيام في البقاء أحياء، بحسب ما يشير رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي، الذي يعود بالذاكرة إلى عدوان 2006، حين كان يستهدف الطيران المسير الإسرائيلي المزارعين في الحقول وشاحناتهم على الطرقات. ويفيد بأن كل الورش الزراعية الواقعة بجوار السهول الزراعية قد فرغت من العمال السوريين بعد عودتهم إلى بلادهم. وفي إحصاء رسمي صدر في الأيام الأخيرة الماضية، فإنّ أكثر من 100 ألف نازح سوري عاد غلى بلده، وهذا الرقم جله من عمال الحقول الزراعية في البقاع.
وهناك استحالة انتقال أي مزارع في البقاع إلى حقله، وإن استطاع الوصول سيعاني من غياب عمال القطاف، وما يستطيع قطافه يعجز عن تسويقه بأسعار مربحة، لأن التصدير معدوم، وفق الترشيشي. ويضيف أن هناك مئات الدونمات الزراعية من حقول الخضار من اللوبياء والبصل والخس والبندورة والكوسى والخيار والحشائش بعيدة من أصحابها، الذين كانوا ينتظرون موسم القطاف بفارغ الصبر لتأمين حاجاتهم الشتوية من المازوت والمونة وأقساط مدارس أبنائهم.
يجزم الترشيشي بأن التأخير في عملية القطاف اليومي للمحاصيل الزراعية يعرضها للتلف والضرر ويحوّل الحقول إلى مراع للأغنام. ويشكو من صعوبة الحركة على الطرقات في البقاع، كما أن المزارعين يعانون من عدم توفر المازوت مع إحجام العديد من أصحاب الصهاريج عن إيصال مادة المحروقات إلى قرى في البقاعين الأوسط والشمالي في ظل مخاطر الاستهداف. ويشير الترشيشي إلى أنّ التصدير الجوّي لبعض السلع الزراعية توقف 100% مع بداية توسع الحرب.
أما التصدير البحري فليس أفضل حالاً ولا يتجاوز اليوم ما نسبته 10% من المطلوب، أو كما اعتاد عليه المزارعون والمصدرون في هذه الأيام. ويتصدر العنب قائمة السلع الزراعية المتضررة، فكروم العنب التي تنتشر ضمن السلسلة الغربية، أي تمنين وابلح ونيحا، وصولاً إلى القاع، لا تجد من يقطفها، فهذه الجرود تتعرض يومياً للعشرات من الغارات الإسرائيلية. يلي العنب في الأضرار بالحشائش والبصل الذي حان موعد حصاده، وأي أمطار تعرضه للتلف والاهتراء في حقله، كما يؤكد الترشيشي، مشيراً إلى أن أغلب المزارعين يحاولون لملمة خسائرهم وإنقاذ ما تبقى من مواسمهم بحصادها بأيديهم بمساعدة أبنائهم ومن تبقى من أبناء القرى المجاورة للحقول الزراعية.
يختصر مشهد تراكم صناديق المحاصيل الزراعية وتكدسها في سوق قب الياس الزراعي المركزي واقع الحال المرير للقطاع الزراعي. أطنان من الخضار من الكوسى والقرنبيط والخيار والبصل والبطاطا مكدسة في باحات التعاونيات الزراعية التي تفتقد اليوم لتجار الجنوب والضاحية. إذ يعد سوق قب الياس الأول على صعيد الأسواق الزراعية في لبنان، وهو يؤمن كل الخضار والحشائش والفاكهة لكل أسواق لبنان. وقبل نحو 10 أيام، صرّح عضو لجنة تجار سوق قب الياس عمر حاطوم قائلاً: "يغيب اليوم تجار الضاحية والخيام والنبطية وصور ومرجعيون قسراً. وتراجعت الأسعار بحدود 40%، ويقابله في الوقت نفسه تراجعاً في الاستهلاك بنسبة 60%. هناك أصناف لا يمكن تخزينها كالكوسى والحشائش والقرنبيط ومثيلها من أصناف الخضار التي كانت تباع للمؤسسات السياحية المقفلة اليوم بشكل كامل".
بالانتقال من الزراعة إلى الصناعة، تنحصر الخسائر بتوقف عجلة الإنتاج ولا يوجد خسارات فورية. إذ توقف الإنتاج الصناعي في مناطق البقاع الشمالي بنسبة 90% وفق ما يشير رئيس تجمع صناعيي البقاع نقولا أبو فيصل، الذي يؤكد في المقابل أن الواقع معاكس في مناطق البقاع الأوسط والغربي، حيث انحصر التراجع في الإنتاج الصناعي بنسبة 10%، أما الإنتاج والعمل لا يزال بنسبة 90%. ومنذ اليوم الأول لم يقتصر حراك الصناعيين على الإنتاج، إنما كانوا المساندين الأوائل لمتطلبات النازحين من المناطق التي تتعرض للعدوان. ويقول أبو فيصل إن الصناعيين لبوا نداء محافظ البقاع الذي يرأس غرفة عمليات إدارة الكوارث، وقدموا مساعدات عينية من مصانع إلى النازحين، وقد لاقت مبادرتهم تشجيعاً من وزير الصناعة النائب جورج بوشكيان.