الأقليات الدينيّة والطائفيّة.. كيف ستؤثر على الانتخابات في تركيا؟
التوجه الأيدلوجي والفكر الديني حاضر بقوة في المجتمع التركي، وبالتالي فهو مؤثر حتماً في النشاط السياسي، كيف سينعكس ذلك في الانتخابات التركية؟
بضعة أيام تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية التركية المزمع عقدها في الرابع عشر من أيار/ مايو الجاري، ومع بدء العد التنازلي تشهد الساحة الانتخابية التركية نشاطاً محموماً في محاولة استقطاب أكبر عدد من الأصوات في الأيام القليلة المتبقية. ومع أن الدستور يعرّف تركيا على أنها دولة علمانية، إلا أن التوجه الأيدلوجي والفكر الديني حاضر بقوة في المجتمع التركي، وبالتالي فهو مؤثر حتما في النشاط السياسي.
ويعتبر الإسلام هو الدين السائد في تركيا، حيث يبلغ تعداد المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم 99% من المجموع الكلي للسكان، بينما تتوزع المجموعات الدينية بأعداد ضئيلة جداً لتكمل النسبة المتبقية. ويشكّل المذهب السني الغالبية العظمى من المسلمين، بنسبة تصل إلى حوالى 70%، وأكثرهم ينتمون إلى المذهب الحنفي.
وتتوزع الأقليات الطائفية بين العلويين الذين يبلغ تعدادهم من 20-25%، والطائفة الجعفرية الشيعية التي تمثل حوالى 4%، بينما لا يكاد يتجاوز عدد البهائيين 10 آلاف نسمة.
وتعتبر الطائفة العلوية ثاني أكبر طائفة دينية في تركيا، لذلك يرى البعض أن وصف العلويين بالأقلية يعد وصفاً غير دقيق، فالإحصائيات تشير إلى أن عددهم قد يزيد على 20 مليون نسمة.
وللطائفة العلوية مراكز عبادة خاصة بهم يطلق عليها "بيت الجمع"، وينتمون إلى أعراق مختلفة: فمنهم: العرب والكرد والترك. ويقطن غالبية العلويين العرب في الاسكندرون وأضنة ومرسين، بالإضافة إلى اسطنبول وأنقرة، بينما يتوزع العلويون الكرد في محافظات وسط وجنوب شرق الأناضول.
ويعيش العلويون الأتراك بصورة أساسية في مناطق الأناضول الداخلي امتداداً إلى غربه، مع وجود القليل منهم على ساحل البحر الأسود.
أما الطائفة الشيعية يبلغ عددهم حوالى 3 ملايين نسمة، وأكثرهم من أصول أذربيجانية، استقر غالبيتهم في مدينة إيدر، ولكن الظروف الاقتصادية أدت إلى انتقال عدد كبير إلى إسطنبول بالإضافة إلى موجات الهجرة المتجهة نحو أوروبا. أما الجماعات الدينية غير المسلمة فتشكل أقليات تتجمع في الغالب في إسطنبول والمدن الكبرى الأخرى، بالإضافة إلى المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد، ويقسمون إلى مسيحيين ويهود ولا دينيين.
ويعد "الأرمن" من أشهر الأقليات المسيحية، وهم من أقدم الشعوب التي سكنت بلاد الأناضول، وعلى الرغم من أن معظم الأرمن في تركيا اليوم ينتمون إلى الكنيسة الأرثوذكسية، إلا أن هناك عدداً صغيراً منهم يتّبعون الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية.
وكان عدد الأرمن خلال الحكم العثماني حوالى 2 مليون نسمة، ومع الهجرات المتعاقبة الطوعية والقسرية لم يعد عددهم يتجاوز 100 ألف نسمة، ويعيش غالبيتهم في مدينة إسطنبول.
وباستثناء حالات قليلة جداً، فإن مشاركة الأرمن في الحياة السياسية التركية معدوم تقريباً، ويتركز نشاطهم في الجانب التجاري والاقتصادي.
وهناك أيضاً طائفة "السريان" وهم طائفة مسيحية أرثوذكسية، ويعود وجودهم وتقاليدهم إلى العصور المسيحية الأولى، ويتحدثون اللغة السريانية، وكانوا قد هاجروا من روسيا، وسكنوا مقاطعتي ماردين وهكاري في الجنوب الشرقي من تركيا، وبمرور الزمن غادر حوالى 95% منهم البلاد، حيث لم يتبق إلا ما يقارب 25 ألف نسمة فقط، يعيش أكثرهم في مدينة إسطنبول.
ويقدر عدد الروم الكاثوليك بـ25 ألف نسمة، وأما البروتستانت، فيبلغ عددهم 10 آلاف نسمة، ويعيش غالبيتهم في إسطنبول وأنقرة وإزمير، ويقدر عدد الروم الكاثوليك بـ25 ألف. وبالإضافة إلى هؤلاء هناك عدد من الطوائف المسيحية الأخرى مثل: الأرثوذكس الروس والروم الأرثوذكس والكلدانيون، وشهود يهوه.
كما توجد جالية يهودية صغيرة تعيش في تركيا، ويبلغ عددها حوالى 16 ألف نسمة، وغالبيتهم ينتمون إلى يهود السفارديم الذين تم نفيهم من إسبانيا عام 1492، كما أن هناك أيضاً أقلية من الاشكنازية والقرائطية. وكذلك توجد مجموعة صغيرة جداً من اليزيديون "الإيزيديون" وهم ينحدرون من أصل كردي، ويتكلمون اليزيديين، وهي إحدى اللهجات الكردية، ولكنهم يعتنقون ديناً غير توحيدي له جذور في الشرق الأوسط، ويتركز وجودهم في شرق وجنوب وجنوب شرق تركيا.
وتمثل الأقليات الدينية والمذهبية أهمية كبيرة في الانتخابات الرئاسية، وخاصة بالنظر إلى المنافسة المشحونة بين المرشحين الأوفر حظاً: مرشح تحالف الجمهور الحاكم رجب طيب إردوغان، ومرشح تحالف الأمة المعارض كمال كليجدار أوغلو، والتي تشير الاستطلاعات الأولية للانتخابات إلى وجود تقارب في جذبهم لأصوات الناخبين.
العامل الديني حاسم في الانتخابات
وفي حديثه للميادين نت، يقول المحلل السياسي شنار بابور إن "العامل الديني والمذهبي حاسم في الانتخابات المقبلة، وصوت الأقليات قادر على دفع عجلة الفوز لأحد المرشحين على حساب الآخر، وهذا العامل مؤثر جداً إذا أخذنا بعين الاعتبار الطائفة العلوية التي تمثل حوالى 25% من عدد المسلمين".
وتركز الأقليات في تركيا على أهمية عودة النظام البرلماني باعتباره أكثر ضماناً لترسيخ فاعليتها السياسية في المجتمع؛ وهذا ينعكس على توجهاتها في العملية الانتخابية، والملاحظ أن الأقليات الدينية تميل للتصويت بكثافة لمصلحة المعارضة التي تدعم عودة البلاد إلى النظام البرلماني.
لذلك يحاول إردوغان جاهداً استمالتهم، وفي محاولة للتقارب نظم لقاء مع ممثلي الأقليات الدينية من الطوائف المسيحية واليهودية على مائدة إفطار رمضانية في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، بمشاركة رئيس الشؤون الدينية.
كما حاول الانفتاح على الطائفة العلوية، فقام بإيفاد مبعوثين إلى عدد كبير من "بيوت الجمع" للاستماع إلى قائمة المظالم الطويلة من الطائفة، كما شارك بنفسه في افتتاح مجموعة من "دور الجمع" في ولايات تركية عدة، وحضر إفطار عاشوراء في أحد بيوت الجمع بحضور مشايخ الطائفة العلوية البكداشية.
ويبدو أن إردوغان أمام مهمة صعبة، فبالرغم من جهوده الحثيثة، إلا أن هذه الجهود لم تلق ترحيباً من قبل أفراد الطائفة، الذين شككوا بمصداقيتها، وخاصة توقيتها الذي جاء مُواكباً للحملة الانتخابية.
ويعتقد العلويون أن إردوغان غير راغب بتحقيق مطالبهم، وفي هذا السياق يقول زين الدين عابدين كوتش رئيس اتحاد الجمعيات العلوية التركية: "هذا التقارب غير مفيد، نحن نطرح مطالبنا بشكل واضح وصريح، لكن هذه المطالب لا تتحقق، فإردوغان يريد أن يعطينا ما يريد، بالقدر والطريقة التي يريدها هو، نحن لا نرى مصداقية حقيقية تجاه مطالبنا".
ويرون أن الحكومات السابقة منذ تأسيس الجمهورية إلى يومنا هذا لم تتمكن من تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم، بل إن كافة الحكومات لم تأخذهم من الأساس على محمل الجد.
وتتجلى مطالب العلويين في الحصول على الحرية الدينية بشكل كامل، من خلال الاعتراف بأماكن العبادة، "بيوت الجمع"، وممارسة عباداتهم وطقوسهم بحريّة تامة، وتمكينهم من إظهار عقائدهم وثقافتهم. ووضع حدّ لما يرون أنها مساع لتذويب الطائفة من خلال التعليم الديني الإلزامي والتمييز ضدها في الحياة العامة.
كما يطالبون بإعادة هيكلة النظام السياسي التركي لما كان عليه قبل عام 2017، وتحقيق المبادئ التي قامت عليها الجمهورية وإصلاح الاقتصاد.
وليس للعلويين حزب سياسي يمثلهم، ولم يقدموا مرشحاً خاصاً بهم، لأن هذا مخالف لدستور الدولة كما يرون، فالدولة العلمانية لا يجوز أن تكون الأحزاب السياسية فيها على أساس ديني؛ لأن من يتولى الحكومة حينئذ سيحاول فرض معتقداته الدينية.
وبشكل عام فإن العلويين أكثر ميلاً إلى مرشح المعارضة كليجدار أوغلو، ففي حديث للميادين نت قال كوتش: "تركيا دولة علمانية، وبناء على ذلك على الحكومة النظر إلى جميع الأديان والمعتقدات بالمسافة والتساوي ذاته، لا يهمنا دين الرئيس الذي سيقود الدولة، المهم أن يقودها بعدالة".
وأضاف قائلاً: "إن الحكومة الحالية لا تقوم بمسؤولياتها بشكل صحيح، لقد وعد كليجدار بأنه سيعطي الحرية الكاملة لجميع الأديان والطوائف، وأن تدار الدولة من قبل حكومة اختصاصيين، لذلك سنصوت له".
وفي محاولة لاستقطاب الصوت العلوي؛ كسر كليجدار إحدى المحرمات في تركيا، حين أعلن في حادثة غير مسبوقة على الساحة السياسية التركية عن انتمائه إلى الأقلية العلوية.
ومما لا شك فيه أن التأثير الأكبر للأقليات الدينية والطائفية تستحوذ عليه الطائفة العلوية، أما الأقليات الأخرى فغالباً ما تبقى في دائرة الظل، ويبقى تأثيرها في حيز محدود؛ نظراً إلى ضآلة الكتلة الانتخابية التي تشكلها.