"إسرائيل" تخشى الحرب مع حزب الله: "الجيش" والجبهة الداخلية غير جاهزين لذلك
خلال اليومين المُنصرمين تراجعت حدّة المواقف والتهديدات التي يُطلقها مسؤولون إسرائيليون ضد لبنان، فترافق رضوخ نتنياهو وغالانت لخيار التسوية، مع إقرار ضابط كبير في سلاح الجو الإسرائيلي بأنّ "الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً لحرب متواصلة في لبنان"
استمر الاهتمام في "إسرائيل" بمعضلة "الحدود الشمالية" بالازدياد، في ظل التهديد الذي يضعه حزب الله على طاولة القرار في "إسرائيل"، وازداد معه أيضاً النقاش بشأن كبح المواجهة مع حزب الله، أو تعزيزها.
وفي هذا السياق، ظهر أنّه يوجد، في اليومين المُنصرمين، تراجع واضح في حدّة المواقف والتهديدات التي يُطلقها مسؤولون إسرائيليون ضد لبنان، حيث تبدلت نبرة كبار المسؤولين الإسرائيليين، كرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، يوآف غالانت، من إطلاق التهديدات ضد لبنان إلى الإعلان صراحة أنّهما يقبلان بتسوية في الشمال تُعيد سكان المستوطنات في الشمال إلى بيوتهم.
رضوخ نتنياهو وغالانت لخيار التسوية، ترافق مع إقرار ضابط كبير في سلاح الجو الإسرائيلي، مطّلع على تفاصيل الخطط الحربية، بأنّ "الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً لحرب متواصلة في لبنان"، محذّراً من أن "ذلك سيقود الإسرائيليين إلى كارثة استراتيجية أكبر من كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر".
وفي موازاة الحديث عن إمكانية اندلاع حرب مع حزب الله، استمرت قضية جهوزية الجبهة الداخلية بشغل بال الإسرائيليين، حيث زاد من القلق حولها، توجيه مراقب "الدولة" متنياهو إنغلمان، رسالة إلى نتنياهو، حذّره فيها من أن"إسرائيل ليست مستعدة كما يجب لإجلاء السكان في حالة نشوب حرب في الشمال".
كما نُقل عن الباحث في مركز "علما" للأبحاث والتعليم، بوعز شابيرا، تحذيره أيضاً من أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية ليست مورداً غير محدود، وفي الحرب، "ستضطر إسرائيل لتحديد مواقع كالبنية التحتية الحيوية والقواعد العسكرية، لحمايتها على حساب الآخرين".
وإضافةً إلى الخشية في "إسرائيل" من إمكانية اندلاع حرب مع حزب الله، حذّر مسؤولون أميركيون نظرائهم في "إسرائيل" من أن تقديراتهم الاستخباراتية تُشير إلى أن أيّ محاولة إسرائيلية لتنفيذ مناورة برية محدودة في جنوبي لبنان، يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة مع حزب الله، قد تنضم إليها إيران.
نتنياهو وغالانت: "نعم لتسوية في الشمال"
تراجعت، خلال اليومين المُنصرمين، حدّة المواقف والتهديدات التي يُطلقها مسؤولون إسرائيليون ضد لبنان، إذ بعد موجة المواقف الداعية لشن حرب على لبنان، خفّتت نبرة كبار المسؤولين الإسرائيليين، كرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، يوآف غالانت، حيث نُقل عنهما قولهما "نعم لتسوية في الشمال"، خلال جلسة للمجلس الوزاري المُصغر للشؤون السياسية والأمنية، عُقدت منذ يومين.
ونوقشت خلالها "مسألة الجبهة الشمالية"، حيث قال نتنياهو إنّه يقبل باتفاق يسمح بعودة سكان المستوطنات في الشمال إلى بيوتهم. وأضاف غالانت في الجلسة نفسها أنّه أبلغ الأميركيين، خلال الزيارة التي قام بها إلى واشنطن، مطلع الأسبوع الحالي، أنّ "إسرائيل" ليست معنية بحرب على الجبهة الشمالية، وهي ترضى بتسوية. وبدوره، رأى وزير الشؤون الاستخبارية، رون درمر (من الليكود) أنّه يجب التوصل إلى تسوية في الشمال.
وبحسب موقع "واللا" الإخباري، فإنّ غالانت كرّر موقفه الداعي للقبول بتسوية على "الجبهة الشمالية"، الجمعة، وذلك خلال زيارته المنطقة الشمالية، برفقة قائد المنطقة، اللواء أوري غوردين، حيث تفقدا إحدى قواعد الاستخبارات، وبطارية قبة حديدية، وقال حينها إنّه بعد المناقشات في واشنطن، تقرر اعتماد المرونة في مناقشة تسوية سياسية مع حزب الله، وأضاف بأنّه يتم إعداد بديل سياسي، وهو الأفضل دائماً، فنحن لا نبحث عن حرب، وإذا اختار "العدو" (يقصد حزب الله) الذهاب إلى تسوية، فسنستجيب لهذا الأمر.
وفي قراءة له حول هذا التبدل في موقف القيادة السياسية في "إسرائيل"، رأى المراسل السياسي في القناة "الـ 14" الإسرائيلية، تامير موراغ، أنّ الحرب بين "إسرائيل" وحزب الله "لن تندلع" في المستقبل القريب، ومن المحتمل جداً أن لا تندلع أبداً"، لافتاً إلى وجود فجوة بين التصريحات العلنية للمستوى السياسي وبين المناقشات في الغرف المغلقة، فـ "إسرائيل" مترددة في الدخول في معركة ضد حزب الله بسبب الأثمان التي تنطوي عليها.
ووافقه في قراءته محلل الشؤون السياسية والدبلوماسية، في صحيفة "هآرتس"، رفيف دروكر، الذي قال إنّه خلال أشهر الحرب كلها، لم يكن يوجد لدى صُنّاع القرار في "إسرائيل" نوايا حقيقية للدخول في حرب برّيّة في لبنان، بل فقط "تصريحات متغطرسة"، بينما في واقع الحال، كان من الواضح (منذ البداية) لنتنياهو، غالانت وللقيادة العسكرية أنّه لا يوجد جدوى من المواجهة مع حزب الله، لأنّها لن تحقق أيّة نتيجة، لا يمكن تحقيقها بالطرق الدبلوماسية، كما أنّ الثمن على "إسرائيل" سيكون باهظاً، ويفوق قدرتها على التحمّل.
ولفت دروكر إلى أنّه خلال الأسابيع الأخيرة، تغير الوضع قليلًا، فلم يعد الحديث يجري عن إعادة لبنان إلى العصر الحجري، أو عن احتلال أراضٍ في جنوبي لبنان حتى نهر الليطاني، بل أصبح الحديث يجري عن مناورة برية محدودة فقط، تطال بضعة كيلومترات كحد أقصى، بهدف القول لسكان الشمال: "لقد أزيل تهديد الاختراق البري عنكم وبإمكانكم العودة إلى بيوتكم".
"الجيش" الإسرائيلي غير جاهز للحرب
رضوخ نتنياهو وغالانت لخيار التسوية، وهروبهما من خيار الحرب الواسعة، التي هددا بها على مدى 9 أشهر تقريباً، ترافق مع إقرار "ضابط كبير في سلاح الجو الإسرائيلي، مطّلع على تفاصيل الخطط الحربية"، بأنّ "الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً لحرب متواصلة في لبنان"، كما نقلت عنه، يوم الجمعة، صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، التي أضافت بأن هذا الضابط طلب من هيئة الأركان العامة في "الجيش" الإسرائيلي إبلاغ المستوى السياسي بأنّ "الجيش" ليس جاهزاً لشن حرب على لبنان، لأنّ "ذلك سيقود الإسرائيليين إلى كارثة استراتيجية أكبر من كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر (من العام المنصرم)".
وفي ذات السياق، أشارت صحيفة "إسرائيل هيوم" في تقرير مُوسع أعدته عن "التحديات المُعقدة" في الشمال، وفقاً لتوصيفها، إلى أنه رغم تهديدات كبار الضباط في "الجيش" بأنّهم بمجرد الانتهاء من العملية في رفح، سيكونون قادرين على التركيز على التهديد الأكبر من الشمال، إلا أنّه في الواقع، وبعد 9 أشهر من الحرب، يتبين أن "الجيش" الإسرائيلي ليس في ذروة قوته، إذ يواجه مسألة "تآكل" القوات النظامية والاحتياطية، على الصعد كافة، ومنها النفسية.
الصحيفة أشارت أيضاً إلى أن "الجيش" الإسرائيلي يُواجه سؤالاً حول الدفاع الجوي، فهو يرى أن منظومات دفاعه الجوي، ليست قادرة على الدفاع عن جميع المناطق المأهولة بالسكان في "إسرائيل"، وبالتالي، في حال اندلعت الحرب، "سيُركز دفاعه على البنية التحتية الحيوية للقتال"، بينما "الجبهة الداخلية المدنية في إسرائيل ستتلقى ضربات وستتعرض لتهديد لم تواجهه من قبل".
وفي هذا الإطار، قال بوعز شابيرا، الباحث في مركز "علما" للأبحاث والتعليم، إنّ الحكومة الإسرائيلية مدعوة لـ"تنسيق التوقعات مع الجمهور"، فأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية ليست مورداً غير محدود، وفي الحرب، "ستضطر إسرائيل لتحديد مواقع كالبنية التحتية الحيوية والقواعد العسكرية، لحمايتها على حساب الآخرين".
محلل الشؤون العسكرية في القناة "الـ 13" وصحيفة "معاريف"، الون بن داقيد، أكّد في تقرير نشره الجمعة، أن "الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً الآن لحرب واسعة في لبنان، وليس قادراً حالياً على تحقيق إنجاز كبير مقابل حزب الله أو تغيير الواقع في الشمال"، مضيفاً أنّه في أفضل الأحوال، ستنتهي الحرب في الشمال بتسوية سيئة يتم التوصل إليها بثمن مؤلم.
وأشار بن دافيد إلى أنه يُمكن أن تتطور الأمور إلى أن تجد "إسرائيل" نفسها في حرب استنزاف متواصلة، ستشلّ الحياة في معظم أراضيها، بحيث تبقى "إسرائيل" من دون "قدرة على الحسم"، لافتاً إلى أنه "منذ تأسيسه قبل 76 عاماً، أُسّس الجيش الإسرائيلي لعمل ساحق، يستدعي قوات الاحتياط بسرعة، ويشن حرباً ويحسم خلال فترة قصيرة ويعود إلى الوضع الاعتيادي، وهو غير مُؤهل لحرب طويلة كالتي تجري الآن في غزّة، وليس لديه الجاهزية من ناحية مخزون الذخيرة، أو من ناحية تآكل الأفراد والأدوات، ومن يزور القوات داخل قطاع غزة، يجد أن القوات منهكة، جسدياً ونفسياً، واستهلكت هذه الحرب حتى اليوم ذخائر أكثر من تقديرات الجيش في جميع خططه".
فوضى في الجبهة الداخلية الإسرائيلية
القلق من تداعيات اندلاع حرب في الشمال، دفع بمُراقب "الدولة" الإسرائيلي، متنياهو أنغلمان، إلى توجيه "رسالة مفتوحة وعلنية"، إلى نتنياهو، حذّره فيها من أن "إسرائيل غير مستعدة كما ينبغي لإجلاء السكان في حالة حرب في الشمال"، لافتاً إلى أن الإجلاء السابق، في بداية الحرب، شابته الفوضى، إذ في كريات شمونة، على سبيل المثال، تم إجلاء 24 ألف شخص، إلى نحو 300 مركز مختلف في أنحاء البلاد، "بشكلٍ غير منظّم وغير منسّق بين وزارات الحكومة، ومن دون قدرة سيطرة ورقابة لبلدية كريات شمونة على معالجة أمور سكانها النازحين". وأضاف أنغلمان أن "ثمن هذا الفشل يدفعه حتى اليوم عشرات آلاف النساء والرجال والأطفال ممن لم يحظوا باستجابة مناسبة ومنسقة، بل بحلول مخادعة".
واشنطن لا تريد الحرب حرصاً على "إسرائيل"
ولفت مراسل الشؤون الدبلوماسية في صحيفة "هآرتس"، أمير تيبون، إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية حذرت "إسرائيل" من أنه وفقاً لتقديراتها الاستخباراتية، فإنّ أيّ محاولة إسرائيلية لتنفيذ مناورة برية محدودة في جنوبي لبنان، يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة مع حزب الله، قد تنضم إليها إيران. وأشار تيبون إلى أن المسؤولين الأميركيين أبلغوا هذا الكلام، إلى غالانت ومسؤولين إسرائيليين آخرين، زاروا واشنطن في الآونة الأخيرة.
وبحسب تيبون، جاء هذا التحذير بعد أن طرح مسؤولون إسرائيليون على الجانب الأميركي إمكانية تنفيذ عملية إسرائيلية محدودة تهدف إلى إبعاد حزب الله عدّة كيلومترات من السياج الحدودي، مع محاولة تجنب حرب شاملة، فالإدارة الأميركية تعتقد أن فرص تنفيذ مثل هذه العملية من دون اندلاع مواجهة واسعة النطاق ضئيلة جداً، وتخشى من أن تؤدي أيّ عملية برية إسرائيلية في لبنان إلى سلسلة من القصف المتبادل في عمق البلدين، وأضرار جسيمة.
وفي هذا السياق، قال أحد كبار المسؤولين الأميركيين من الذين شاركوا في المحادثات مع الجانب الإسرائيلي: إنّ "محاولة تنفيذ عملية محدودة من المرجح أن تؤدي سريعاً جداً إلى دمار واسع النطاق على جانبي الحدود".