"نيويورك تايمز": الصين تحمّل الولايات المتحدة المسؤولية عن اضطراب العلاقات
انتقد شي جين بينغ ما وصفه بحملة من "التطويق والقمع"، تقودها الولايات المتحدة. فيما قال وزير خارجيته الجديد إنه من المستحيل على الصين ألا تقاوم.
كتب كيث برادشير، مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في العاصمة الصينية بكين، تقريراً موسعاً تناول فيه خطاب الأخير للرئيس الصيني شي جين بينغ الذي حمّل سياسة الاحتواء التي تقودها الولايات المتحدة ضد بلاده، المسؤولية عن الاضطرابات.
وقال المراسل إنه بينما يتجه شي إلى تولي فترة ثالثة متوقعة كرئيس، يشير الزعيم الأعلى للصين، إلى أنه سيتخذ موقفاً أكثر تشدداً ضد ما يعتبره محاولة من جانب الولايات المتحدة لعرقلة صعود الصين. و"هو يفعل ذلك بعبارات فظة بشكل غير مألوف"، بحسب تعبير الكاتب.
فقد أشاد الرئيس شي في خطابه يوم الاثنين الماضي بنجاح الصين كدليل على أن التحديث لا يعني التغريب. وحض الصين على السعي لتطوير تقنيات متقدمة لتقليل اعتمادها على المعرفة الغربية. ثم بيّن ما اعتبره تهديداً مهماً لنمو الصين وهو الولايات المتحدة.
وقال شي في كلمة نقلتها وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا): "نفذت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة احتواء وتطويقاً وقمعاً للصين بشكل كامل، الأمر الذي جلب تحديات خطيرة غير مسبوقة لتنمية بلادنا".
وفي إشارة إلى أن نهج شي الصريح يشير إلى تحول أوسع في خطاب بكين، عزز وزير الخارجية الصيني الجديد يوم أمس الثلاثاء رسالة شي بشأن الاحتواء، بحسب الكاتب.
وأضاف أن التوجه الجديد للرئيس شي قد يلقى استجابة جيدة في الداخل مع جمهور قومي، لكنه يخاطر بإثارة الحذر في الخارج في وقت سعت فيه بكين إلى استقرار العلاقات مع الغرب. إنه يعكس كيف يستعد لمزيد من المواجهة والمنافسة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وقالت الصحيفة إن اجتماع شي مع مع الرئيس الأميركي جو بايدن في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، قد أثار الآمال في أن تحاول بكين وواشنطن وقف التدهور المتسارع في العلاقات. منذ ذلك الحين، تصاعدت التوترات فقط بسبب الدعم الأميركي لتايوان، الجزيرة التي تقول بكين إنها جزء من أراضيها، بالإضافة إلى الاتهامات الأميركية بأن الصين تدير أسطولاً من بالونات التجسس، وهو ادعاء نفته الصين.
فقد وصفت إدارة بايدن الرئيس شي بأنه يسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لتعزيز مصالح بكين. إذ أدى تحالف الصين الوثيق مع روسيا، في الوقت الذي يسعى فيه الغرب لعزل موسكو بسبب حربها ضد أوكرانيا، إلى تكثيف المخاوف بشأن نوع جديد من الحرب الباردة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مايكل سوين، الباحث البارز في معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، قوله: "هذه هي المرة الأولى على حد علمي التي يعلن فيها شي جين بينغ علناً أن الولايات المتحدة تتخذ مثل هذه الإجراءات ضد الصين". وأضاف: "إنه، بلا شك، رد على الانتقادات القاسية الموجهة إلى الصين، وشي جين بينغ شخصياً، والتي وجهها بايدن والعديد من أعضاء الإدارة في الأشهر الأخيرة".
ودافع وزير الخارجية الصيني، تشين جانغ، السفير السابق لدى الولايات المتحدة، عن حق بكين في الرد. وقال في مؤتمر صحافي في بكين يوم أمس الثلاثاء: "الولايات المتحدة تريد بالفعل ألا تقاوم الصين عندما تتعرض للضرب أو السب، لكن هذا مستحيل".
كما دعا تشين الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف أقل تصادمية تجاه بلاده. وقال: "إذا لم تضغط الولايات المتحدة على المكابح بل استمرت في ضغط دواسة السرعة، فلا يمكن لأي حاجز حماية أن يوقف الانحراف".
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الصين قد تعرضت لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها لاستخدام نفوذها على روسيا لوقف حرب أوكرانيا. كما اتهمت واشنطن الصين علناً بالتفكير في إرسال أسلحة إلى روسيا لاستخدامها في حرب أوكرانيا، مما أثار موجة من التحذيرات من المسؤولين الغربيين بأن بكين ستواجه عواقب مثل هذا الإجراء.
ونفى وزير الخارجية الصيني السيد تشين، مزاعم الأسلحة هذه وانتقد مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان. وألقى باللوم على "اليد الخفية" – أي الولايات المتحدة - لتصعيد الصراع في أوكرانيا.
وقال تشين إن الصين "ليست طرفاً في الأزمة ولم تقدم أسلحة إلى أي من طرفي الصراع". وأضاف: "لكن على أي أساس هذا الحديث عن اللوم والعقوبات والتهديدات ضد الصين؟ هذا غير مقبول إطلاقاً".
ورداً على سؤال حول رد إدارة بايدن على انتقادات الرئيس شي للولايات المتحدة، قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، "نسعى إلى منافسة استراتيجية مع الصين، ولا نسعى إلى الصراع". وأضاف: "لا يوجد شيء في نهجنا تجاه هذه العلاقات الثنائية الأكثر أهمية ينبغي أن يقود أي شخص إلى الاعتقاد بأننا نريد الصراع"، وأكد مجددًا أن الإدارة الأميركية لا تزال لا تدعم استقلال تايوان.
وأشار مدير مكتب "نيويورك تايمز" في بكين في تقريره إلى أن طموحات الصين قد استدعت الضغط والتدقيق من جانب الولايات المتحدة بشأن التجارة والتكنولوجيا. فنظراً لأن الصين قامت ببناء أكبر بحرية في العالم وأكدت مطالباتها بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، فقد تشكل إجماع من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في واشنطن لصالح تقليل الاعتماد الأميركي على السلع المصنعة من الصين وتقييد وصول بكين إلى التقنيات المتقدمة التي يمكن استخدامها في حرب.
وأضاف المراسل أنه لا تزال الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على مجموعة واسعة من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة سارية في الغالب. كما فرض الرئيس بايدن قيوداً واسعة النطاق على تصدير أشباه الموصلات ومعدات تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين. وزادت إدارة بايدن والكونغرس من تدقيقهما في الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة وبدآ النظر في القيود المفروضة على الاستثمارات الأميركية في قطاع التكنولوجيا في الصين.
وقالت الصحيفة إن هذه القيود تأتي في الوقت الذي سعى فيه الحزب الشيوعي الصيني إلى تركيز جهوده على إنعاش الاقتصاد، الذي نما بنسبة 3 في المائة فقط العام الماضي، وهو أقل بكثير من هدف الحكومة. إذ إن سياسة الحكومة الصينية "صفر كوفيد" التي اعتمدت الإغلاق على مستوى المدينة، والاختبار الشامل والحجر الصحي، قد أرغمت العديد من الشركات على الإغلاق، وتعطلت سلاسل التوريد الصناعية، وألحقت أضراراً بالغة بثقة المستهلك، وخاصة في العام الماضي.
وأشار الرئيس شي إلى القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على أنها تعيق النمو في بلاده، لكن الإجراءات التجارية لواشنطن لم يكن لها تأثير فوري يذكر على التجارة الإجمالية.
وأوضح المراسل أن تعليقات شي حول الولايات المتحدة كانت جزءاً من خطاب ألقاه أمام مجموعة أعمال صينية. وحض شي الشركات الخاصة – وهي المحرك الرئيسي للنمو والوظائف - على العمل مع الحزب الشيوعي لمساعدة الصين على مواجهة التحديات التي يفرضها احتواء الولايات المتحدة للصين.
وقال تقرير للتلفزيون الصيني إنه "يجب أن نظل هادئين، ونحافظ على تركيزنا، ونسعى إلى إحراز تقدم مع الحفاظ على الاستقرار، واتخاذ إجراءات فعالة، وأن نتحد كشخص واحد، ونتجرأ على القتال".
وأضاف تقرير "نيويورك تايمز": لقد جعل الرئيس شي الصين نموذجاً للدول الأخرى - دولة تقدم طريقاً مختلفاً للازدهار عن الغرب. ترفض هذه الرؤية الصينية الديمقراطية الليبرالية والاعتماد الكبير على القطاع الخاص وتفضل نموذجاً يؤكد على مركزية الحزب الشيوعي ونموذج التنمية الاقتصادية الذي تقوده الدولة بشكل متزايد.
وتابع المراسل: لكن خطاب شي يوم الاثنين كان يهدف على نطاق واسع إلى طمأنة الجمهور بأن الحكومة الصينية لا تزال تريد أن تلعب الشركات الخاصة دوراً كبيراً في اقتصاد البلاد. فقد أثار الاختفاء الأخير لمصرفي كبير في قطاع التكنولوجيا، في عهدة الحكومة، قلق العديد من المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا. كما كان النظام المصرفي المملوك للدولة يوجّه الكثير من إقراضه إلى الشركات المملوكة للدولة بدلاً من الشركات الخاصة.
وقد سعى شي إلى طمأنة الشركات الخاصة بأن الحزب احتضنها على أنها "واحدة منا". وفي الوقت نفسه، قال إنهم يتحملون مسؤولية مساعدة الحزب في تحقيق "الرخاء المشترك"، وهو شعار حول الحد من عدم المساواة في الدخل الذي تم ربطه، بسبب القمع ضد كبار رجال الأعمال.
وأضاف التقرير: يبدو أن جهاز الدعاية الصينية يوجّه اتهامات شي بشأن الولايات المتحدة للجمهور الصيني، ووضعها على الصفحة الأولى من صحيفة الشعب اليومية أمس الثلاثاء بينما يحذفها بالكامل من النسخة الإنجليزية للمقال نفسه من أخبار وكالة شينخوا الرسمية.
وقال أندرو كوليير، العضو المنتدب لشركة "أورينت كابيتال ريسيرش" ومقرها هونغ كونغ، إن الرئيس شي ربما لم يحاول تعديل موقفه تجاه الولايات المتحدة بقدر ما كان يحاول طمأنة الجمهور الصيني بأنه يدافع عن مصالحهم.
وأضاف كوليير: "تعليق شي جين بينغ بشأن الاحتواء قد يزيد التوترات مع الولايات المتحدة، لكنه يتحدث بشكل أساسي إلى جمهور محلي". إنه يحاول تعزيز شركات التكنولوجيا الفائقة في البلاد من أجل النمو الاقتصادي، والتعامل مع الفصل في وقت تواجه فيه الصين رياحاً اقتصادية معاكسة شديدة. إن قرع الطبل القومي هو طريقة بارعة سياسياً لتحقيق هذه الأهداف".
وقدم لي مينغجيانغ، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في مدرسة أس راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، تقييماً أكثر تشاؤماً لموقف الزعيم الصيني. وقال إن "تعليقات شي تشير إلى أن القيادة الصينية تعتقد أن الولايات المتحدة والغرب ليس لديهما أي نوايا طيبة تجاه الصين". وأوضح: "إنه يشير بوضوح إلى أنهم يفهمون أن علاقات الصين مع العالم الغربي ستكون صعبة للغاية في السنوات المقبلة".