"غلوبال تايمز": استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة مليئة بالشر
التقرير عن استراتيجية الأمن القومي الأميركي أشبه بـ"مؤامرة" تفتقر إلى الحداثة ولكنها مليئة بالنوايا الخبيثة، وهو أمر خطير على العالم ومؤسف للولايات المتحدة.
قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية إن البيت الأبيض أصدر الأربعاء الماضي استراتيجيته الجديدة للأمن القومي. هذا روتين لكل حكومة أميركية ووثيقة مهمة تعكس وتوجه الشؤون الداخلية والدبلوماسية للحكومة الحالية. ولكن بعد قراءة الوثيقة المكونة من 48 صفحة، يشعر المجتمع الدولي عموماً بإحساس قوي بعدم الارتياح والقلق، حيث إن "الأمن القومي" الذي تنتهجه الولايات المتحدة يأتي على حساب أمن الدول الأخرى.
وأضافت الصحيفة أنه إذا تم اتباع المسار والاتجاه المنصوص عليهما في نص الاستراتيجية، فإن القوة العظمى للولايات المتحدة ستذهب عاجلاً أم آجلاً إلى الجانب الآخر من السلام والاستقرار العالميين، ولا يمكن تصور العواقب حينها.
تأخر إصدار تقرير الإستراتيجية لعدة أشهر بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، لكننا لم نرَ من النص أن الولايات المتحدة قد فكرت بعمق في السبب الجذري للصراع، ناهيك عن تعلّم أي دروس. وبدلاً من ذلك، عززت المواجهة بين المعسكرات وعقلية المعارضة الثنائية التي أدت إلى اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا. والأخطر من ذلك، أن الولايات المتحدة ضاعفت من عقلية الحرب الباردة هذه في علاقاتها مع الصين، و"المنافسة مع الصين تغمر كل فصل [من التقرير]"، معتبرة الصين "التحدي الاستراتيجي الأكثر إلحاحاً".
وتابعت الصحيفة أنه على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام الأميركية زعمت أن الاستراتجية "لا تتضمن أي تحولات كبيرة في التفكير"، إلا أن ذلك يعني أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد فشلت في إجراء أي تعديلات على الموقف الراديكالي لإدارة سلفه دونالد ترامب تجاه الصين. وبدلاً من ذلك، يبدو إلى حد ما أن بايدن يديم هذا التقدير الخاطئ أو يعززه.
واعتبرت "غلوبال تايمز" أن هذا هو نتيجة المنافسة الشرسة بين الطرفين في الولايات المتحدة. إذ ينظر الجانبان إلى مناهضة الصين على أنها نوع من "الرهان الانتخابي"، وسقطا عن غير قصد في طريق مسدود في عملية رفع المخاطر بينهما.
وأضافت: لاحظ الرأي العام حكماً قاسياً جداً في التقرير، وهو الادعاء بأن "حقبة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت نهائياً". لكن ما هو العصر الآن؟ التقرير لا يعطي جواباً. إنه يؤكد ميكانيكياً فقط أننا "لا نسعى إلى صراع أو حرب باردة جديدة". ومع ذلك، فإن التقرير مليء بالتباهي بما يسمى بإنجازات التحالفات العسكرية مثل حلف الناتو وتحالف أوكوس، ويسرد بالتفصيل خطوات الولايات المتحدة للتنسيق مع حلفائها لإطلاق منافسة جيوسياسية ضد دول أخرى، مما يحول التزام الاستراتيجية بعدم السعي إلى حرب باردة جديدة إلى قسَم رخيص.
كما تقسّم الاستراتيجية ببساطة العالم التعددي إلى "منافسة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية" وفقاً لإرادة الولايات المتحدة، بهدف قطع جذور إمكانية التعايش السلمي والمتناغم بين الحضارات المختلفة. هذا هو أوضح تعبير على مثال الحرب الباردة في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. تعكس ممارسات واشنطن الفعلية كذلك لعبة خاسرة محصلتها صفر، الأمر الذي يجعل ادعاء الولايات المتحدة "إدارة المنافسة [مع الصين] بطريقة مسؤولة" كاذباً ومنافقاً.
وتابعت افتتاحية الصحيفة الصينية: لقد مرت 31 عاماً على نهاية الحرب الباردة، لكن النخب السياسية في واشنطن لم تتعلم التعايش مع الدول الأخرى بطريقة جديدة. لقد فشلوا أو رفضوا قبول التغييرات الأساسية في العصر والتكيّف معها. لا يزالون بحاجة إلى إنشاء إحداثياتهم الخاصة وتوجيه طريقهم من خلال إنشاء "أعداء وهميين"، كما لو أنهم لا يعرفون حتى كيفية المضي قدماً من دون "عدو وهمي". ومع ذلك، فإن هذا النهج له آثار جانبية خطيرة، وخاصة أنهم وجدوا "العدو الوهمي" الخطأ، بل وخلقوا "أعداء" لا تستطيع الولايات المتحدة التعامل معهم.
وخلصت الصحيفة إلى أن التقرير الجديد هو مرآة تعكس الأنانية والطموح وأعمق مخاوف النخب السياسية في واشنطن. تؤكد واشنطن، في جميع تقاريرها المتعلقة باستراتيجيتها الوطنية، على "قيادة" الولايات المتحدة. لا حرج في الطموح، ولكن ماذا تريد الولايات المتحدة أن تفعل بـ"قيادة" العالم؟ يظهر التقرير أن الولايات المتحدة لا تزال تحاول حصار وعزل مجموعة ومحاربة مجموعة أخرى، مما يخلق الانقسام والمواجهة في هذا العالم. هناك أيضاً العديد من المحتويات المتناقضة في التقرير، والتي تعكس عجز الولايات المتحدة وعدم كفاءتها في مواجهة القضايا العالمية الحقيقية.. إذ تخلفت واشنطن بشكل خطير عن التطور المعقد للهيكل الدولي واحتياجات عصرنا.
ورأت "غلوبال تايمز" أن واشنطن قد فقدت عقلها في سعيها لقمع الصين واحتوائها. وبمقارنة الخطط المستقبلية لكل من الصين والولايات المتحدة، ليس من الصعب أن نجد أن توقعات واشنطن للسنوات العشر القادمة مليئة بالمواجهة والتفكير الصفري، بينما تركز خطط الصين على تنميتها الخاصة والتعاون المربح للجانبين مع المجتمع الدولي. إنها أفكار تنموية مختلفة تماماً، أحدهما مليء بالعداء والآخر لطيف وودود؛ واحد يبحث عن أعداء في كل مكان، والآخر مكرس لتكوين صداقات. أي طريق سيكون أوسع، إن التاريخ سيعطي الجواب.
وختمت بالقول: أما هذا التقرير الأخير عن استراتيجية الأمن القومي فهو أشبه بـ"مؤامرة" تفتقر إلى الحداثة ولكنها مليئة بالنوايا الخبيثة، وهو أمر خطير على العالم ومؤسف للولايات المتحدة. كيف يمكن للولايات المتحدة الضيقة الأفق الادعاء بأنها قادرة على "قيادة" العالم، وكيف يمكنها أن تجعل المجتمع الدولي غير مليئ بالهموم؟