لماذا يقوم الإعلام الأميركي بتلميع صورة الجولاني؟
أجرى الجولاني مقابلة مع الصحافي الأميركي مارتن سميث في إدلب، ولم يكن يرتدي سرواله الشامي التقليدي أو عمامته أو يحمل بندقيته بل ارتدى بدلة.
يبدو أن ثمة محاولة لتمليع صورة أبي محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة)، حيث أجرى أخيراً مقابلة مع الصحافي الأميركي مارتن سميث في إدلب، مما أثار جدلاً بين المعارضة والناشطين السوريين، خاصة وأنه لم يكن يرتدي سرواله الشامي التقليدي أو عمامته ولم يكن يحمل بندقيته بل ارتدى بدلة.
وقد نشر موقع "المونيتور" الأميركي مقالة عن هذا الجدل لكنه استشهد بكلام إعلامي وناشطين في إدلب يبررون ظهوره في البدلة ويشيدون بما اعتبروه إنجازاته العسكرية والسياسية ومحاولته الانفتاح والترويج لصورة منفتحة ومعتدلة في الأوساط الدولية، وهو ما يطرح تساؤلاً عن غاية "المونيتور" من هذا الترويج لقائد فرع "القاعدة" في سوريا، والتنظيم الإرهابي الذي انفصل عن "داعش" بسبب خلاف على السلطة مع زعيمه أبو بكر البغدادي.
وكان سميث قد غرّد صورة في 2 شباط / فبراير مع الجولاني مع تعليق يقول: "عدت للتو من ثلاثة أيام في إدلب بسوريا مع أبو محمد الجولاني، مؤسس جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. تحدث بصراحة عن أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، وتنظيم القاعدة، وأبو بكر البغدادي، وداعش، وأميركا، وغيرها".
وفي اليوم التالي، نشرت صفحة "المكافآت من أجل العدالة" التابعة لوزارة الخارجية الأميركية تعليقاً ساخراً تقول فيه: "مرحباً أيها الجولاني الوسيم، يا لها من بدلة جميلة. يمكنك تغيير ملابسك، لكنك ستكون دائماً إرهابياً. لا تنس مكافأة الـ10 ملايين دولار".
يا هلا بالجولاني يا وسيم وشو هالبدلة الحلوة. فيك تغير ثوبك لكن انت بتضلك إرهابي. لا تنسى مكافأة الـ ١٠ مليون دولار.
— Rewards for Justice عربي (@Rewards4Justice) February 2, 2021
ارسل لنا معلوماتك عن الجولاني لتحصل على مكافأة تصل الى 10 ملايين دولار، عبر تلغرام أو سكنال أو واتساب: 0012022941037 pic.twitter.com/owFK5hlaja
وتم تصنيف "هيئة تحرير الشام" على أنها منظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة وغيرهما. وفي عام 2017، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار في مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد هوية الجولاني أو مكانه.
وبعد هذا الجدل حول ملابس الجولاني، أصدر مكتب العلاقات العامة في "هيئة تحرير الشام" بياناً جاء فيه أن "صورة الجولاني ببدلة، وهي بعيدة كل البعد عن المعتاد، كانت ضمن استضافته للصحافي الأميركي مارتن سميث في إدلب لـ لمدة ثلاثة أيام. وتضمنت الزيارة جولة ميدانية ولقاء رسمياً [مع سميث] تناول فيها [الجولاني] بخبرته الطويلة أهم المحطات والتحولات، بالإضافة إلى أسئلة تافهة حول الواقع والمستقبل ".
وأكد البيان أن من "الواجب علينا كسر العزلة وإبلاغ الواقع بكل السبل الشرعية المتاحة، بهدف إيصال ذلك إلى شعوب الإقليم والعالم بما يساهم في تحقيق المصلحة ودفع المفسدة". وأضاف: "منذ اليوم الأول للثورة السورية التي دامت 10 سنوات ونحن نفخر بها وبكل الانتصارات والهزائم التي مرت بها لأنها ثورة شعبية وتجربة عصرية يبرز فيها مستقبل مشرق للشعب السوري".
وقال عرابي عبد الحي عرابي، وهو صحفي سوري متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية والجهادية ومقيم في تركيا، لـ"المونيتور": "أثارت صورة الجولاني ضجة لأنه بدا وكأنه يفعل بالضبط ما كان ينتقده دائماً. كان يقول إن أي شخص يلتقي بوسائل الإعلام الغربية أو يقيم علاقات مع الغرب هو كافر، لكنه هنا يقترب من الغرب". وأضاف: "توقع العديد من النشطاء أن يصل الجولاني إلى هذه المرحلة وأن يغيّر كل مبادئه التي قاتل على أساسها الفصائل الأخرى، بدعوى أن لديهم صلات مع الغرب. اليوم، تحققت توقعاتهم".
وقال عرابي: "إن الجولاني يطمح إلى تأسيس حزب سياسي يكون له دور في مستقبل سوريا. يريد أن يظهر أن لديه قوة عسكرية على الأرض، وأنه يتمتع بالشرعية من خلال حكومة الإنقاذ، وأنه يتمتع بشعبية، كل ذلك بقصد الاعتراف به دولياً. كما عمل على إعادة هيكلة "هيئة تحرير الشام"، وجعلها أكثر مركزية، وحاول نقل صورة عن نفسه كرجل قوي وشعبي مسيطر. ونجح الجولاني في تشتيت خصومه واستغلال بعض الملفات لصالحه مثل محاربة تنظيم "داعش". ولدى الجولاني آلة إعلامية قوية، تصوّره على أنه رجل داهية لديه خبرة في السياسة وكشخص يمكنه قلب الأوراق لصالحه".
من جهته، قال مصطفى سجاري، مدير المكتب السياسي "للواء المعتصم" المحسوب على "الجيش السوري الحر"، ومقره ريف حلب، لـ"المونيتور": إن "الضجة التي أحدثها لقاء الجولاني مع سميث نتيجة طبيعية في ضوء سلوك الجولاني المريب في السنوات الأخيرة. يرى الشارع السوري أن الجولاني شخصية دموية ومتقلبة وواقعية يغيّر سلوكه بسرعة لتحقيق أهدافه. أعتقد أن الجولاني يسعى للترويج لنفسه دولياً بعد أن بسط سيطرته على إدلب بقوة السلاح. ومع ذلك، لا يستطيع المرء أن يعرف إلى أي مدى سيستجيب الغرب له. في كثير من الأحيان، لا ترتبط هذه الأمور بالمبادئ والقيم، بل بالمصالح الخاصة".
وأضاف سجاري: "إن حاشية الجولاني مكوّنة من متطرفين موالين له بالكامل. لن يتزحزحوا، بغض النظر عن التغييرات. الجماعات الجهادية الأخرى، مثل "حراس الدين" و"داعش"ّ، تحاول إضعاف موقف الجولاني والتشكيك في تاريخه ونواياه الجهادية، لكنها أضعف من أن تكون قادرة على التأثير على خطط الجولاني".
أما الناشط المقرّب من "هيئة تحرير الشام" في إدلب محمد عمر فقال لـ"المونيتور": "المنتقدون لظهور الجولاني الأخير يشعرون بالغيرة والبغضاء، لأن الجولاني بمكره وذكائه وصل إلى مرحلة من الاحترام العالمي التي وصلت إليها المعارضة المعتدلة. التحالف [الذي تقوده الولايات المتحدة] والجيش السوري الحر، كان يحلم بهما دائماً. الفارق أن المعارضة قدمت نفسها كخادم وسقطت في أحضان أنصار الغرب، لكن أفعال الجولاني وسيطرته وتنظيمه وقوته أوصلته إلى هذه المرحلة. لم يدخر الجولاني جهداً للظهور في أي مكان من شأنه تحسين أوضاع المناطق المحررة في شمال سوريا. أحياناً نجده مع أبناء الشهداء، وأحياناً مع الأعيان وشيوخ العشائر، وأحياناً مع النشطاء والإعلاميين. يريد الجولاني فك العزلة والحصار عن المناطق المحررة في شمال سوريا ويريد أن يقول للعالم إن إدلب مفتوحة لجميع القنوات الإعلامية".
وقال الناشط هزار هاشمي، الذي يعيش في إدلب، لـ"المونيتور": "إن العالم معتاد على رؤية قادة الجهاديين يختبئون في الجبال والكهوف، مع القليل من الانكشاف الإعلامي، لذلك من حيث المبدأ يجب أن يكون القائد متخفياً، يرتدي ملابس معينة ويتحدث بطريقة معينة؛ في عزلة تامة عن الناس، حتى عن جنوده. استثناء يحدث اليوم مع الجولاني، زعيم أكبر فصيل في شمال سوريا. كسر كل الصور النمطية عن قادة التنظيمات الجهادية ويريد أن يظهر الانفتاح على العالم. في هذه المرحلة من الثورة السورية، أصبح الحل العسكري للأزمة السورية غير مرجح، إذ لا النظام ولا الفصائل قادرة على حلها عسكرياً، مما يعني أن الحل السياسي حتمي".
إعداد وترجمة: الميادين نت