"الغارديان": الأزمة الاقتصادية في لبنان هي كارثة اجتماعية

كان والدي من بين مئات تم تسريحهم من قبل الجامعة الأميركية في بيروت، أحد أرباب العمل الرئيسيين في البلاد.

  • من المظاهرات أمام المصرف المركزي أمس في بيروت (تويتر)
    من التظاهرات أمام المصرف المركزي في بيروت.

كتب الكاتب اللبناني ناجي بختي مقالة في صحيفة "الغارديان" البريطانية قال فيها إن والده كرّس 41 سنة من حياته للعمل في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت لكنه كوفئ بالطرد مع 850 من زملائه.

وأوضح أنه من المناسب أنه عندما يكتب هذا، أن يشير أنه يكتبه على الضوء من شاشته والشمعة، التي وضعتها في مكان بعيد عن قدمه. وقال: لطالما كان انقطاع التيار الكهربائي ثابتاً في لبنان. هذه الأزمة الاقتصادية هي الأكثر شدة منذ استقلال البلاد، ونقص الوقود الناتج عنها يعني أن المولدات الخاصة تكافح من أجل مواكبة العبء الإضافي.

كيف وصلنا إلى هنا؟ عقود من سوء الإدارة المزمن والفساد المستشري من قبل الطبقة الحاكمة الطائفية منذ نهاية الحرب الأهلية (التي استمرت من 1975 إلى 1990)، إلى جانب المآثر البهلوانية للمصرف المركزي في "الهندسات المالية"، أغرقت البلاد في الظلام. ما يقرب من نصف السكان يجدون أنفسهم رسمياً تحت خط الفقر، وتقلصت رواتبهم ومدخراتهم وصناديق التقاعد إلى مبلغ زهيد، حيث فقدت الليرة أكثر من 70٪ من قيمتها مقابل الدولار. يتشرف لبنان بكونه الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من التضخم المفرط.

كانت المصارف اللبنانية تقرض دولارات المودعين للدولة المثقلة بالديون، بينما تقدم أسعار فائدة عالية إلى المودعين أنفسهم. أفادت وكالة رويترز أن البنك المركزي قام بتضخيم أصوله بأكثر من 6 مليارات دولار من أجل دعم اقتصاد البلاد بشكل مصطنع. وقد يصبح لبنان عاجزاً قريباً عن خدمة الدين العام الذي يزيد عن 86 مليار دولار أو تسديد الفائدة السنوية للبنوك المحلية.

وقد أدى انخفاض قيمة الليرة الناتج عن ذلك والارتفاع السريع في أسعار السلع والخدمات إلى زيادة حادة بنفس القدر في معدلات الانتحار والجرائم ومنها جرائم الجوع. قبل أسبوعين فقط، قبل طرد والدي، أجريت أنا وعائلتي من الطبقة المتوسطة حتى الآن مناقشة جادة حول ما إذا كان اللحم ضرورياً للاستمرار أم لا. في الشهر الماضي، أطلق رجل النار على نفسه خارج مقهى "دانكن دونتس" في شارع الحمرا، وهو شارع شعبي شهير في بيروت. ترك ملاحظة نصها: "أنا لست كافراً ...": سطر من أغنية زياد الرحباني في زمن الحرب تنتهي بـ"لكن الجوع هو الكافر".

لا أعرف على وجه اليقين ما الذي يجب أن يكون قد مر بذهن والدي أثناء خروجه من المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت للمرة الأخيرة، لكني أشك في أنه كان سيخرج بابتسامة. لا بد أن المشاكل الاقتصادية والشباب المسلحين بدوا مألوفين للغاية للرجل الذي قضى الحرب الأهلية اللبنانية يركض ذهاباً وإياباً بين شقته والمستشفى، يعمل في نوبات ليلية كمحاسب بينما تنزل الشظايا والرصاص من حوله. 

خلال ثمانينيات القرن العشرين التي مزقتها الحرب، وفي أحلك ساعات ليلة بيروت المحرومة من السلطة، كان والدي ينظر إلى الجانب الممتلئ للكأس. غالباً ما كنت إلى جانبه عندما يشتد القصف ثم يتوقف، وكثيراً ما كان يعود سيراً على الأقدام بعد النوبة الليلية. 

كان حلم والديّ المشترك هو أن أقوم أنا وأختي بإلقاء محاضرة في الجامعة ذات يوم، مثل العديد من الأساتذة والأطباء الذين لاحظ والدي أنهم اصطدموا داخل وخارج قاعات المحاضرات - أولئك الذين كان يتردد على مكاتبهم بشكل متقطع بداعي الفضول.. أو افترقت أسوار الأوساط الأكاديمية لتكشف له عن المثقفين الذين وضعوا ثقته بهم من أجل لبنان أفضل.

ولكن ليس هناك جدوى من التظاهر بأن وقته في أكثر المؤسسات المرموقة في البلاد وأكبر صاحب عمل غير حكومي كان أكثر من مجرد زواج المصلحة. لم يكن طموح والدي أن يكون أمين الصندوق. كان عليه أن يكون شاعراً، وعندما هجره شبابه ، كان ناقداً (وهو ما فعله باعتدال). كانت هناك أوقات جيدة. تعليمي الخاص لم يكن ممكناً مالياً - نظراً لرسوم الدراسة العالية في الجامعة الأميركية في بيروت - لولا عمله في الجامعة نفسها، التي تنازلت عن التكلفة. في حفل تخرجي، أعلن والدي أن الأمر يستحق كل هذا، ثم عاد إلى نوبته المسائية.

* ناجي بختي مؤلف لبناني تنشر روايته "بين بيروت والقمر" في آب / أغسطس المقبل.

ترجمة بتصرف: الميادين نت