"ذي غارديان": خُطّة "إسرائيل" لمنع الأونروا من الوصول إلى غزّة
توتّر العلاقات بين الأمم المتّحدة وحكومة تل أبيب وصلت إلى الحضيض، بالتزامن مع قرار الكنيست الإسرائيلي الذي يجعلُ من المستحيل على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، العمل في غزّة والضفّة الغربية.
صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتب باتريك وينتور، يتحدث فيه عن علاقة "إسرائيل" بالأمم المتحدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
توتّر العلاقات بين الأمم المتّحدة وحكومة "تل أبيب" وصلت إلى الحضيض، بالتزامن مع إقرار مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي يجعلُ من المستحيل على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، العمل في غزّة والضفّة الغربية. ولا يخفى على أحد أنّ وكالة غوث الفلسطينيين المذكورة، لطالما كانت هدفاً لـ "إسرائيل" قبل وقت طويل وسابق بلا ريب، على مزاعمها بأنّ ما يصل إلى 12 من موظّفي "الأونروا" شاركوا في عملية "طوفان الأقصى".
مع ذلك، حظر الوكالة كلّياً عن العمل يحتاج إلى استقطابات سياسية انقلابية قد تستغرق سنوات لعكسها عمليّاً. لكن، من المرجّح أن تكون عواقب ازدراء الأمم المتّحِدة والقانون الدولي، من قبل الحليف الرئيسيّ للولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، طويلة الأمد وعميقة.
في إطار حشد الدعم لمشروع القانون الإسرائيلي الجائر، اتّهم وزير الدفاع السابق بيني غانتس "الأونروا"، بأنّها جزء من آليّةِ حركة "حماس"، و" الآن حان الوقت لفصل دولتنا عنها". وتعدّ الدول الغربية "الأونروا" أفضل هيئة مُتاحة لتقديم المساعدات والتعليم والصحّة للفلسطينيين، وإذا استطاع الكنيست إغلاق المنظّمة، فمسألة كيفيّة توجيه المساعدات إلى 2.4 مليون شخص في غزّة والضفّة الغربية ستصبح شبه مُستحيلة.
الأزمة وشيكة الوقوع. وعلى الرغم من أنّ هذا التوجّهَ أُدين على نطاق واسع من سُفراء من 123 دولة عضو في الأمم المتّحدة، إلّا أنّ الولايات المتّحدة هي الدولة الوحيدة التي يمكنها ثني "الدولة" الصهيونية عن الأمر، أو لإعادة التفكير فيه مُجدّداً على الأقلّ. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، قد أصدرا رسالة مُشتركة يحذّران فيها "إسرائيل"، من أنّ "سنّ هذه القوانين والقيود من شأنه أن يدمّر الاستجابة الإنسانية في غزّة في هذه اللحظة الحرجة، ويحرم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس من الخدمات التعليمية والاجتماعية الأساسية". وصدر البيان على الرغم من أنّ الكونغرس الأميركي لم يوافق بعد على إعادة تمويله "الأونروا"، على عكس مُعظم حلفاء واشنطن الغربيين.
يقول "مركز عدالة" لحقوق الفلسطينيين في "إسرائيل"، إنّ مشاريع القوانين هذه ستدخل حيّز التنفيذ بعد إقرارها بـ 3 أشهر. وهي ستشكّل خرقاً لأوامر محكمة العدل الدولية، التي سبق أنّ طلبت من "تلّ أبيب" التعاون مع الأمم المتّحدة بشأن تسهيل الإمدادات الإنسانية للفلسطينيين، لا أن تمنع الوكالة من أيّ تمثيل لها ومن تقديم أيّ خدمات، أو أن تقوم بأيّ أنشطة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة. ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى إغلاق مقرّ "الأونروا" في القدس الشرقية، ومنع التأشيرات عن موظّفيها.
ومن المفارقات أنّه قبل عملية "طوفان الأقصى" وبعدها، كانت العلاقة بين "الأونروا" و"إسرائيل" علاقة ضرورية، حيث قامت الوكالة بأعمال الإغاثة التي يجب أن تقوم بها قوّة الاحتلال نفسها. وعلى هذا النحو، فقد حملت الوكالة عبئاً كبيراً عن "إسرائيل".
كذلك، أصدر المدير العامّ للوكالة الأممية فيليب لازاريني، قرارات حاسمة من خلال فصل الموظّفين المتّهمين زوراً بالمشاركة في "طوفان الأقصى". لكنّ "إسرائيل" لم تبذل أيّ جهود جدّية لإيصال المساعدات عبر طرق بديلة إلى قطاع غزّة المنكوب. وهذا إثبات صارخ لعجزها عن إنجاز أيّ من أعمال وكالة الأونروا" الأممية.
ولكن، كما هي العادة، تصرّ "إسرائيل" على أجندتها لتغيير قواعد اللعبة السياسية، بالانخراط أكثر في معاداة مع ما تعده تدخلاً من الأمم المتّحدة في شؤونها.
لا شكّ، في أنّ جذور التوتّرات بين الأمم المتّحدة و"إسرائيل" كانت عميقة دائماً. ولطالما اتّهمت "تلّ أبيب" المرجعية الأممية بأنّها مركز "معاداة السامية" مُنذ العام 1984، وكان نتنياهو قد عدّ نفسه سفيراً لـ "إسرائيل" لديه مهمة إضاءة شمعة الحقيقة في بيت الأمم المتّحدة "المظلم". وفي عام 1987، أعرب الدبلوماسي البريطاني بريان أوركهارت، وكيل الأمين العامّ السابق للأمم المتّحِدَةِ للشؤون السياسية الخاصّة، عن أسفه بسبب تشويه صورة المنظّمة الدولية في قضية فلسطين، وعرض سمعتها وهيبتها كما لم يحدث قطّ مُنذ تأسيسها.
كذلك، في تصريح أدلى به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل نحو أسبوعين، قال إنّ "إسرائيل" يجب أن تلتزم بقرارات الأمم المتحدة، لأنها المرجعية التي أنشأت "إسرائيل" في عام 1947، وهي ملاحظة أدّت إلى سيل من الانتقادات من نتنياهو والجماعات اليهودية الفرنسية.
ودافع جيرار آرو، السفير الفرنسي السابق لدى الأمم المتحدة عن ماكرون،وقال إنّ "رد الفعل على تصريحات الرئيس كان مذهلاً، لأنه حقيقة لا يمكن إنكارها بأنّ إنشاء "دولة إسرائيل" كان بموجب القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر في العام 1947".
هذا التصوّر عن إنشاء "الدولة" الصهيونية منح الأمم المتحدة إحساساً خاصّاً بالمسؤولية، لتصحيح ما تعدّه العديد من الدول الأعضاء خطيئة كبرى. وعلى النقيض، بالنسبة إلى العديد من الإسرائيليين من البغيض أن يحتاجوا ليكونوا ممتنّين أو حتّى محترمين أمام الأمم المتّحدة، التي تحاول تخفيف مُعاناة الفلسطينيين التي ساهمت في صنعها، كما تدرك معظم الدول في العالم، خصوصاً بعد توسّع الأمم المتّحدة بعد الحرب العالمية الثانية وتنامي الحركة المناهضة للاستعمار التي أرادت تثبيت كيان الاحتلال كـ"دولة" طبيعية، بإصدار قرار في الأمم المتّحدة في العام 1975 بأغلبية 72 صوتاً مُقابل 32 صوتاً، يُلغي إعلان الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. ومُنذ ذلك الوقت، احتكرت الولايات المتّحدة إدارة الصراع بشكل متزايد، تاركة للأمم المتّحدة مشاهدة الأحداث وكمنصّة لتمرير القرارات الخاطئة.
سيذكرُ هذا العام باعتباره الوقت الذي حاولت فيه الأمم المتّحدة إعادة الاعتبار لمؤسّستها كمنظّمة عالمية، تحمي سيادة القانون الدولي وتواجه "دولة" تعتقد أنّها تخوض معركة وجودية ضدّ العالم أجمع.
لقد وجدت محكمة العدل الدولية في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، لأوّل مرّة أنّ "إسرائيل" مسؤولة بشكل معقول عن ارتكاب إبادة جماعية، ثمّ أتبعت ذلك 3 أوامر إضافية توجّه حكومة نتنياهو لتسهيل تقديم المساعدات من دون عوائق على نطاق واسع في غزّة. وفي شهر تمّوز/يوليو الفائت أيضاً، وفي قضيّة طال أمدها في أدراج العدالة الدولية، أصدرت المحكمة رأياً استشارياً، ولكن لافتاً اعتبر "إسرائيل" تنتهك القانون الدولي باحتلالها الضفّة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزّة منذ العام 1967. وفي 18 الشهر الماضي، صوّتت الجمعية العامّة للأمم المتّحدة بأغلبية 124 صوتاً مقابل وامتناع 43 عضواً عن التصويت، على تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية الذي يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية في غضون عام.
لقد قاومت "إسرائيل" وحظرت مُنذ فترة طويلة معظم الأمناء العامّين للأمم المتّحدة، لكنّها تجرّأت على خطوة جديدة عندما أعلنت أنّ أنطونيو غوتيريش، شخصاً غير مرغوب فيه في "إسرائيل"، وعدّته مُجرماً لأنّه لم يدن إيران لشنّها هُجوماً صاروخيّاً عليها، ولأنّه أثار غضبها لقوله عن الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأوّلِ/أكتوبر في العام الماضي، لم يحدث من فراغ، ولوصفه الأفعال الإسرائيلية التي ترتكب في غزّة بأنّها أسوأ ما رآه في فترة ولايته في المسؤولية الدولية الرفيعة.
وفي الشهر الفائت، ألقى نتنياهو خطاباً أمام الجمعية العامّة للأمم المتّحدة. ولم يذكر غوتيريش بالاسم شخصيّاً، لكنّه وصف الأمم المتّحدة بأنّها "مستنقع من الكراهية المعادية للسامية"، وأنّ الأمم المتّحدة التي يقودها غوتيريش هي "مؤسّسة كانت تحظى بالاحترام في السابق وحقيرة الآن في أعين الناس المحترمين في كلّ مكان، ومجلس حقوق الإنسان هو مجلس لحقوق الإرهاب".
لا تخوض "إسرائيل" معركة في القاعات الدبلوماسية فحسب، بل على الأرض أيضاً في شنّ الحرب على غزّة ولبنان. ومثلما اتّهَمت "الأونروا" بالتحيّز وعدم الكفاءة، وجّهَت اتّهامات مُماثلة ضدّ قوّة حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة في جنوب لبنان.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.