"بروكينغز": قمة منتدى التعاون الصيني -الأفريقي لعام 2024 في بكين تكتب فصلاً جديداً
تُعد قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2024 في بكين بكل المقاييس الحدث الدبلوماسي الأكثر أهمية بالنسبة للصين هذا العام.
معهد "بروكينغنز" البحثي الأميركي ينشر تقريراً للكاتبة يون صن،تحدثت فيه عن قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2024 في بكين.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
تُعد قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2024 في بكين بكل المقاييس الحدث الدبلوماسي الأكثر أهمية بالنسبة إلى الصين هذا العام. وخلال وجودي في بكين وقتذاك، أذهلتني ضخامة الموارد المُسخّرة والأولوية السياسية المُعطاة والأهمية التي توليها الحكومة الصينية لهذا الحدث المميز. فقد تم حجز الفنادق الفاخرة لصالح عشرات الوفود القادمة من الدول الأفريقية، وأُغلقت الطرقات خلال ساعة الذروة لإفساح المجال أمام مواكبهم. كما تم تعزيز الإجراءات الأمنية بصورة شاملة، بدءاً من المطارات وحتى مصاعد الفنادق، وكل ذلك على حساب الحكومة المُضيفة.
تُعقد قمة منتدى التعاون الصيني -الأفريقي "فوكاك" كل ثلاث سنوات، إما في بكين أو في إحدى العواصم الأفريقية. وغالباً ما تُعدّ بنود الإجراءات التي أعلنت عنها الصين، فضلاً عن التزامات التمويل والأولويات السياسية بمنزلة مؤشرات على التوجّه المستقبلي للعلاقات الصينية- الأفريقية خلال السنوات الثلاث المقبلة. ولم تكن القمة التي عُقدت هذا العام استثناءً. إذ أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن 10 إجراءات شراكة للعلاقات الصينية- الأفريقية خلال الفترة من عام 2025 وحتى عام 2027، بما في ذلك أوجه التبادل بين الحضارات وازدهار التجارة والتعاون في السلاسل الصناعية والاتصال والتعاون الإنمائي والصحة والزراعة وأوجه التبادل بين الشعوب والتنمية الخضراء والأمن.
التزام الصين بمبلغ 50.7 مليار دولار أميركي
منذ انعقاد منتدى التعاون الصيني- الأفريقي الأول في عام 2006، شهد العالم التزام الصين بتمويل القارة الأفريقية على نحو متزايد خلال قمم منتدى التعاون الصيني- الأفريقي: 5 مليارات دولار في عام 2006، و10 مليارات دولار في عام 2009، و20 مليار دولار في عام 2012، و60 مليار دولار في عام 2015، و60 مليار دولار في عام 2018. ومن خلال إمعان النظر في البيانات، نرى ارتفاعاً ملحوظاً في عام 2013، وهو العام الذي أُطلقت فيه مبادرة "الحزام والطريق".
إنّ التزام الصين المالي المتجدد خلال قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2024 يُعد مثيراً للاهتمام من عدة جوانب. فعلى الرغم من حالة التشاؤم السائدة على نطاق واسع بشأن التباطؤ الاقتصادي في الصين ونفاد الموارد، شهد التزام الصين المالي تجاه أفريقيا نمواً بنسبة 25% خلال منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لهذا العام مقارنة بما كان عليه قبل ثلاث سنوات. ويشمل الالتزام البالغ 50.7 مليار دولار 10 مليارات دولار من الاستثمارات، و10.7 مليارات دولار من المساعدات، و30 مليار دولار من التسهيلات الائتمانية. وستقوم الشركات الصينية بهذا الاستثمار، إلا أنّ الحكومة ستدعمه وتروّج له من خلال وضع سياسات تفضيلية بشأن التمويل والإعانات. وستشمل المساعدات أموراً متنوعة من بناء القدرات وحتى المساعدات الطبية، وهذا بند تقليدي.
يشمل التعاون في السلاسل الصناعية، مثل مراكز التعاون في مجال التكنولوجيا الرقمية بين الصين وأفريقيا. كما تشمل بنود الإجراءات، مشاريع التكنولوجيا الخضراء، ومنتدى صينياً- إفريقياً حول الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، و30 مختبراً مشتركاً في العلوم والتكنولوجيا، والاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية، ودعم مشاركة الدول الأفريقية في مشروع محطة الأبحاث الدولية عن القمر واستكشاف الصين للقمر والمريخ. وقد تشمل أيضاً الدعم اللوجستي والمالي الذي تقدمه الصين لتطوير منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA).
وفي حال قارنا البرامج التسعة التي تم الإعلان عنها خلال منتدى التعاون الصيني -الأفريقي لعام 2021 مع إجراءات الشراكة العشرة التي تم الإعلان عنها هذا العام، فسنلحظ تتابعاً قوياً بين الاثنين، بما في ذلك في مجالات الصحة والزراعة وتسهيل التجارة والاستثمار(الاتصال والتنمية وسلسلة التوريد) والاقتصاد الرقمي، وبناء القدرات، والتكنولوجيا الخضراء، وأوجه التبادل بين الشعوب وأوجه التبادل الثقافية، والسلام والاستقرار. وقد حضرت معظم هذه الفئات خلال قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2018، ويشير ذلك إلى أن النهج العام الذي تتبناه الصين تجاه القارة الأفريقية يتمتع بثبات واستمرارية قويين. ويتمثل التحدي في تحديد مجالات النمو الجديدة والناشئة التي قد ترسم المسار المستقبلي لأولويات الصين في أفريقيا.
وتشكّل التجارة قضية ملحّة يتعين على الصين معالجتها. وقد كان تعزيز التجارة وتسهيلها من أولويات عام 2021، ولا تزال أولوية في عام 2024. واستناداً إلى التزامها بمنتدى التعاون الصيني -الأفريقي لهذا العام، تعمل الصين على إلغاء جميع الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات من البلدان الأقل نمواً، بما في ذلك 33 دولة أفريقية. كما تعهدت الصين بتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق الخاصة بالمنتجات الزراعية الأفريقية وتوطيد التعاون في مجال التجارة الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، أعربت بكين عن رغبتها في إبرام اتفاقيات إطارية للشراكة الاقتصادية مع أفريقيا لتوفير "ضمانات مؤسسية طويلة الأجل وثابتة وقابلة للتنبؤ" للتجارة والاستثمار بين الصين وأفريقيا.
والصين تتمتع بخبرة تمتد لعقود في تدريب الأحزاب السياسية والنخب الحكومية في أفريقيا. ويبدو أن قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2024 تشير إلى اهتمام كبير بتعزيز هذا الجهد على وجه الخصوص. ووفقاً للخطة، ستنشئ الصين شبكة المعرفة التنموية الصينية -الأفريقية و25 مركزاً للدراسات الصينية- الأفريقية. وستعمل على تدريب "المواهب السياسية" من خلال أكاديمياتها لتعليم القيادة السياسية في أفريقيا، مثل مدرسة المعلم جوليوس نيريري للقيادة في تنزانيا، التي يطلق عليها لقب "المدرسة السياسية الصينية الأولى في أفريقيا". بالإضافة إلى ذلك، تخطط الصين لدعوة 1000 من ممثلي الأحزاب السياسية الأفريقية لزيارة الصين وتعميق تبادل الخبرات في مجال حوكمة الحزب والدولة.
لقد مضى على انعقاد القمة الأولى لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي في بكين 24 عاماً. ومنذ ذلك الحين، تطوّرت العلاقات الصينية- الأفريقية بطرق متعددة. فمن مورّد للمواد الخام لدعم نمو الصين، باعتبارها مصنع العالم، إلى متلقٍ للقروض الصينية لتنفيذ مشاريع البنى التحتية، وسوق تستهدفها الشركات المصنعة الصينية، ووجهة برامج بناء القدرات الصينية وجهود تسهيل التجارة، أصبحت القارة الأفريقية بالفعل شريكة للصين في الكثير من المجالات.
وتظل الصين واحدة من أكثر الجهات الفاعلة تأثيراً في القارة. وبالتالي، ستواصل قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي جذب انتباه العالم وإثارة التدقيق العالمي لدى انعقادها كل ثلاث سنوات. وفي الوقت الذي تكافح الصين لاستعادة النمو الاقتصادي في الداخل وتوسيع رقعة صادراتها إلى الخارج، بما في ذلك في أفريقيا، هناك الكثير من التوقعات التي لم تتحقق بعد.
نقلته إلى العربية: زينب منعم