"هآرتس": مثل التيتانيك.. "إسرائيل" في طريقها إلى تحطّم أكيد
اللواء في احتياط "جيش" الاحتلال، إسحاق بريك، يجدّد دعوته إلى تغيير القادة الإسرائيليين المسؤولين عن إخفاق الـ7 من أكتوبر، مبدياً خشيته من تعمّق العزلة الدولية لـ"إسرائيل"، ومحذّراً من الإقدام على مهاجمة رفح أو حزب الله.
اللواء في احتياط "الجيش" الإسرائيلي، والمفوّض السابق لشكاوى الجنود، إسحاق بريك، يتحدّث في مقال بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الهلاك الحتمي الذي ينتظر كيان الاحتلال، في حال بقاء القادة الحاليين في المستويين السياسي والعسكري، محذّراً من أنّ استمرار الحرب يعني الذهاب إلى حرب إقليمية، "إسرائيل" غير مستعدة لها، كما ويحذر من خطورة شنّ هجوم على رفح أو حزب الله في لبنان.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية، بتصرف:
"إسرائيل" في طريقها إلى تحطّم مؤكد، كما حدث في تصادم سفينة "التيتانيك" بجبل جليدي وغرقها، عام 1912. هذا سيحدث ما لم يتمّ تغيير مسبّبي أكبر كارثة في تاريخ "إسرائيل" فوراً.
إنّ الفانتازيا والوهم الذي لا أساس له في الواقع، بإمكان تقويض حماس بالكامل، سيؤدي إلى خسارة الأسرى، وخسارة إنجازاتنا، وخسارة دعم دول العالم، ولاحقاً خسارتنا. هناك قادة لا يريدون أن تنتهي الحرب لأنّهم يعرفون ما الذي ينتظرهم في النهاية. يجب ألا نسمح لهم بقيادة "إسرائيل" إلى طريق مسدود.
الخطة غير العقلانية لنتنياهو وغالانت وهليفي - أي عدم إنهاء الحرب - تعني أنّها مسألة وقت فقط قبل اندلاع حرب إقليمية شاملة، نحن لسنا مستعدين لها. إنّ الكارثة التي ستتعرّض لها "إسرائيل" وسكانها ستكون باهظة بشكل أكبر من أن تُحتمل، وأشدّ كثيراً من الكارثة التي حلّت بنا في مستوطنات غلاف غزة وفي المستوطنات الشمالية. هذه المرة ستجتاح النيران "إسرائيل" كلها، من "المطلة" إلى "إيلات"، ولا يمكنكم القول إنّكم لم تعرفوا. الذين يضغطون للمهاجمة في رفح، وضدّ حزب الله في لبنان أيضاً، قد فقدوا تماماً الفهم بالكارثة التي يمكن أن تسبّبها هذه الهجمات على "إسرائيل".
حدث فقدان صواب في المستويين السياسي والعسكري على حدّ سواء. نحن في طريقنا إلى انهيار اقتصادي لأنّ الاعتبارات السياسية لها الأسبقية على الاعتبارات الاقتصادية. مئات الآلاف من النازحين خسروا ويخسرون سبل عيشهم، ومئات الآلاف من جنود الاحتياط منفصلون عن وظائفهم منذ أشهر طويلة، وتضرّر مصدر رزقهم، ومعهم الاقتصاد الإسرائيلي.
نحن في عملية متسارعة لنكون منبوذين من كل الشعوب، منبوذين بحظر أسلحة ستفرضه علينا البلدان الأوروبية والعالم (وقد أعلنت كندا ذلك بالفعل)، ونحن أيضاً في أزمة شديدة مع الولايات المتحدة. والنتيجة هي مقاطعة اقتصادية لـ"إسرائيل"، حيث ستوقف الشركات العملاقة علاقاتها معنا، ومن هنا الطريق قصيرة إلى أزمة ائتمان خانقة وعزلة ومعاملة "إسرائيل" كمنبوذة لا تنتمي إلى عائلة "الدول المستنيرة".
هذه العملية تجري بالفعل أمام أعيننا، و"شعب إسرائيل" في غيبوبة. يمكن معرفة ما هي المرحلة التالية إذا نظرنا إلى مثال جنوب أفريقيا. عندما تمت مقاطعتها بسبب رفضها إلغاء نظام الفصل العنصري وعزلها العالم عن البلدان الأخرى، انهارت سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
نحن في عملية تحطّم "الأمن القومي" لـ"إسرائيل". كلّ يوم يمرّ، نغرق معه أكثر فأكثر في غزة. إنّنا نفقد القدرة على إخراج أسرانا أحياء، وما زلنا نخسر جنوداً في المناطق التي سبق واحتللناها واستعادتها حماس.
إنّ الحديث عن احتلال رفح وإغلاق محور فيلادلفيا لا أساس له من الصحة، لأنّنا تأخرنا على هذا القطار. حتى لو نجحنا في القضاء على كتائب حماس الأربع في رفح، سيظلّ هناك عشرات الآلاف من مقاتلي حماس المختلطين بين 1.4 مليون لاجئ، وليس لدينا أي وسيلة لمعرفة من هو مقاتل من حماس ومن هو لاجئ. مثل أي شخص آخر، سينتقلون إلى أماكن آمنة ومن هناك سيعودون إلى شمالي قطاع غزة وجنوبيه مع سائر اللاجئين.
إذا دخلنا إلى رفح الآن، في الأجواء المعادية لـ"إسرائيل" في جميع أنحاء العالم، وفي الوضع الإنساني الخطير فيها وفي كل القطاع، وفي غياب إدارة دولية تحل محل الإدارة المدنية لحماس، فإنّ ذلك سيودي بـ"إسرائيل" إلى الوضع الذي كان عليه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. سيكون هذا هو المسمار الأخير في نعش "إسرائيل".
هذه العملية المهلوسة برمّتها تحدث لأن المستويين السياسي والعسكري ضلّا طريقهما ويقاتلان من أجل بقائهما. إنّهما يتصرفان كما لو أنّه ليس لديهما ما يخسرانه ويدهوران "إسرائيل". إذا لم يتمّ العثور على طريقة لاقتلاع القيادة المارقة واستبدالها بقيادة سياسية وعسكرية مناسبة تعيد تأهيل الاقتصاد والمجتمع والأمن والعلاقات الدولية، فقد تكون المشكلة لا رجعة فيها.
من الضروري الآن التمركز على الحدود المحيطة بقطاع غزة بعد تسريح معظم القوة. من أصل أربع فرق في بداية الحرب، بقيت خمسة ألوية فقط في خان يونس. تم سحب 80% من قواتنا من شمالي القطاع ومدينة غزة والشجاعية وجباليا والزيتون. وفقاً لخطة "الجيش" للمرحلة الثالثة، يجب علينا الآن أيضاً سحب 20% من قواتنا المتبقية في خان يونس، والتي تقاتل هناك منذ شهرين ونصف، ولا تتقدم بنا على الإطلاق في تقويض حماس أو إعادة الأسرى. وفوق ذلك، لا بدّ من استبدال حكومة حماس المدنية بكيان خارجي يضمّ قوات شرطة قادرة على التعامل مع الحركة.
عندما يتواجد "الجيش" الإسرائيلي على الحدود بطريقة تسيطر على قطاع غزة بحيث لا يسمح لحماس باستعادة قوتها (بتوغلات وغارات جوية)، يمكننا إعلان وقف إطلاق نار أو وقف القتال. ومن شبه الأكيد أن يؤدي هذا التوقف إلى وقف حزب الله للقتال، وسنكون قادرين على التفاوض لإعادة الأسرى. سنستبدل كل من يتحمّل الذنب من المستويين السياسي والعسكري وجلب المأساة على سكان مستوطنات غلاف غزة ومستوطناتنا على الحدود اللبنانية وعلى الدولة. وسنشرع في مسار جديد لإعادة تأهيل الأمن والاقتصاد والمجتمع. وسنعيد تأهيل مستوطناتنا في الجنوب والشمال، وسنعمل على الخروج من العزلة في العالم، والعودة إلى رابطة "الدول المستنيرة".
هذه هي الطريقة الوحيدة فقط وليس هناك سواها. إذا لم يحدث ذلك تحت قيادتنا، فسيحدث من دوننا ومن دون سيطرتنا، ومن ثم ستكون الأثمان التي سندفعها باهظةً للغاية.