"Mondoweiss": شعبية حزب الله تتجاوز الطوائف.. وقوته تتزايد

أظهر حزب الله كما فعل في كلّ تاريخه، أنّ قُوّته مُتزايدة، وأنّ الكثير ممّا تشيعهُ وسائل الإعلام الغربية غير صحيح، ويحتاج إلى التدقيق.

  • آثر الدمار في
    آثار الدمار في "تل أبيب" من جراء استهداف نفّذه حزب الله

موقع "Mondoweiss" ينشر تقريراً للكاتب قسام معدي، يتحدّث فيه عن تاريخ حزب الله وشعبيته وقوته، ويقول إنّ اغتيال "إسرائيل" لقادة حزب الله لا يمكّنها من هزيمته.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

دأبت "إسرائيل" بمحاولاتها الحثيثة لتشويه سُمعة حزب الله من جهة، وتفكيكه من جهة أخرى، لكنّ، المنظّمة صمدت، وأظهر الحزب كما فعل في كلّ تاريخه، أنّ قُوّته مُتزايدة، وأنّ الكثير ممّا تشيعهُ وسائل الإعلام الغربية غير صحيح، ويحتاج إلى التدقيق.

حزب الله، هو أيضاً المقاومة الإسلامية في لبنان، تصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام خلال الأشهر الأخيرة، في حين تُواصل "إسرائيل" حربها على لبنان. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس عن "هزيمة" الحزب، الذي ردّ فوراً بوابل صاروخي وبالمسيّرات بمستوى غير مسبوق على حيفا و"تلّ أبيب"، مظهراً قدراته القتالية العالية.

في أوائل شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الفائت، بدأت "إسرائيل" هجومها على لبنان بهجمات تفجير أجهزة النداء التي قتلت عشرات اللبنانيين، مُعظمهم من المدنيّين. وأعقبت ذلك بسلسلة من الاغتيالات لكبار القادة العسكريين في حزب الله، وبلغت ذُروتها باغتيال الأمين العامّ لحزب الله السيّد حسن نصر الله، ثمّ اغتيال المرشّحِ الأبرز لخلافته، رئيس المجلس التنفيذي للحزب السيّد هاشم صفي الدين. ثمّ بدأت بحملة قصف واسعة النطاق على جنوب لبنان وسهل البقاع وجبل لبنان، بزعم استهداف ترسانات المقاومة الصاروخية.

 لكنّ حزب الله لم ينهر. بل على العكس من ذلك، ما فتئت المنظّمة ترفع من مُستوى أعمالها العسكرية بشكل يومي، بإدخال صواريخ أبعد مدى وأثقل وأدقّ إلى القتال الشديد الذي تخوضه المقاومة لصدّ مُحاولات التوغّل الإسرائيلية في الجنوب اللبناني.

وكما حدث خلال الحرب السورية التي استمرّت 10 سنوات، والتي أدّى فيها حزب الله دوراً محوريّاً، كذلك في عام 2006، حين واجه الحزب حرباً إسرائيلية أخرى على لبنان، خرجت روايات وتكهّنات مُتناقضة عن قدراته وقوّته ما يُثير تساؤلات عمن هو حزب الله وإلى ماذا يسعى وكيف يعمل، وسط الكلام الكثير عنه في وسائل الإعلام الغربية وهل هي صحيحة أم لا؟

بطريقة أو بأخرى، حزب الله هو نتاج الأحداث والصراعات السياسية والطائفية والطبقية والإقليمية في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، حين ولدت الجماعة كردّ فعل على الغزو الإسرائيلي للبنان واحتلاله في العام 1982، لكن، جذور المنظّمة تعود إلى الحركة الشيعية التي بدأت كحركة احتجاج اجتماعي، حيث إنّ مُعظم مُؤسّسي الحزب كانوا من الناشطين في صفوف حركة المحرومين" أمل"، التي أطلقها رجل الدين اللبناني و(القائد الاجتماعي) الإمام موسى الصدر في منتصف سبعينيات القرن المنصرم، حينها كانت الطائفة الشيعية من بين الفئات الأكثر تهميشاً وفقراً في لبنان.

كانت "إسرائيل" تهاجم لبنان بشكل مُتكرّر بحجّة مُواجهة مُقاتلي المقاومة الفلسطينية المتمركزين في جنوب البلاد، وكان الإمام الصدر من بين أوّل من دعا إلى المقاومة  المنظّمة، وأسّس جحافل المقاومة اللبنانية الأولى، وسرعان ما ولدت "أمل"؛ الحركة الشيعية المنخرطة في الحرب الأهلية، خاصّة بعد اختفاء الإمام الصدر في العام 1978. وبعد غزو "إسرائيل" للبنان واحتلالها لبيروت عام 1982، أطلق "الحزب الشيوعي اللبناني"، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية مع أحزاب يسارية وقومية أخرى، وأصبحت القوّة الرئيسية في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي. وقتئذٍ، اجتمع العديد من النشطاء الإسلاميين من حركة "أمل"، والجماعات الشيعية الأخرى، والجمعيات الخيرية، والمساجد في مدرسة المنتظر الدينية الإسلامية في مدينة بعلبك، وأعربوا عن الحاجة إلى قوة إسلامية مُكرّسة فقط لمقاومة الاحتلال. أطلقوا عليها اسم "حزب الله"، في إشارة إلى الآية 56 من سورة المائدة من القرآن الكريم، التي تقول: "ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا، فإنّ حزب الله هم الغالبون".

وكانت لدى المجموعة المؤسّسة مسألتان مُشتركتان، أولويّة مُقاومة "إسرائيل"، وتنحية جميع الخلافات السياسية الأخرى جانباً، وتحديد مرجعيّتهم الدينية وهي (تقليد عند الطائفة الشيعية عمره قرون)، وأعلنوا انضواءهم تحت راية ولاية الفقيه ورجل الدين والزعيم الإيراني آية الله الخميني.

لطالما كانت علاقة "حزب الله" بإيران مادّة مُثيرة للجدل، حيث يتّهم الحزب بأنّه وكيل إيران في لبنان والمنطقة. ومع ذلك، فإنّ العلاقة بين جذور الحزب وإيران أقدم من تأسيس الجمهورية الإسلامية فيها، وأكثر بُعداً ممّا يُقدّمُ في كثير من الأحيان في هذا الشأن. فالحقيقة، أنّ عُلماء الدين اللبنانيين والدعاة من جبل عامل في جنوب لبنان، هم الذين أدخلوا التشيّع إلى إيران في القرن الـ 17، واستمرّت الرابطة بين الشيعة في كلا البلدين، وتبادلا علماء الدين وطلّابه، وتشكّلت روابط عائلية بينهما، ولكن في عام 1982، اتّخذت تلك العلاقة مستوى جديداً.

وبينما كانت القوّات الإسرائيلية تُحاصر بيروت، بدأت إيران في تقديم التدريب لأيّ لبناني يريد مُقاومة الاحتلال. وأصبح حزب الله الوليد حديثاً، المتطوّع والمنظّم الرئيسي للمقاتلين المدرّبين حديثاً، ومن ثم تمكّنت المنظّمة من تنمية جسمها العسكري في وقت قصير، حيث نمت تلك العلاقة بين المجموعة اللبنانية وحرس الثورة الإيراني، وهي مُستمرّة حتى يومنا هذا.

ومع ذلك، أوضح زعيم حزب الله الراحل السيّد حسن نصر الله مرّات عديدة خلال مقابلات إعلامية، الفرق بين علاقة الجماعة بالدولة الإيرانية ومرشدها الأعلى، وقال إنّ "الحزب يعتبرُ إيران دولة صديقة وحليفة".

في الوقت نفسه، إنّ الأحزاب اللبنانية الأخرى لديها علاقات غير متوازنة وتبعيّة صريحة مع الدول الأجنبية. أحد الأمثلة على ذلك هو العلاقة بين المملكة العربية السعودية وحزب "المستقبل" الذي أسّسه رئيس وزراء لبنان الذي اغتيل رفيق الحريري. وهناك حالة أخرى مع "حزب الكتائب" اليميني المناهض للفلسطينيين، الذي احتكر تمثيل المسيحيين الموارنة خلال الحرب الأهلية، وعلاقاته مع الولايات المتّحدة وفرنسا، وحتّى "إسرائيل" نفسها خلال غزوها للبنان في العام 1982. كلّ هذا يجعل من علاقة "حزب الله" بإيران، بعيدة تماماً عن الغرابة في الثقافة السياسية اللبنانية.

حزب الله في السياسة

خلال 42 عاماً من تأسيسه تطوّر حزب الله كقوّة سياسية رئيسية مُقاومة في لبنان. وفي عام 1995 دخل إلى مجلس النوّاب للمرّة الأولى، بعد نهاية الحرب الداخلية بسنوات قليلة، وكان الجيل الجديد من الشباب اللبناني يبحث عن شيء جديدٍ يُؤمن به ويتّحد حوله، وقد وفّرت لهم المعركة من أجل الجنوب المحتلّ ذلك، مِمّا زاد من شعبية "حزب الله"، الذي طوّرَ برامج اجتماعية لمساعدة عائلات مُقاتليه، مثل مؤسّسات الرعاية الصحّيَّة والمدارس، التي قدّمت أيضاً المساعدة لعموم الفقراء من اللبنانيين.

وازدادت هذه الشعبية أكثر بعد انسحاب "إسرائيل" من لبنان في عام 2000، الذي شهد أوّل تحرير غير مشروط لأرضٍ عربية مُحتلّة. وواصل حزب الله تحقيق نجاحات في الانتخابات، وحافظ على وجود متزايد في مجلس النواب اللبناني، وفي العديد من مجالس البلديات، وخاصّة في مناطق الجنوب والبقاع، وأقام تحالفات مع الأحزاب اللبنانية الأخرى.

وفي عام 2008، أبرم حزب الله اتفاق تحالف مع القوّة المسيحية الجديدة الناشئة آنذاك: "التيّار الوطني الحرّ"، بقيادة الجنرال السابق المخضرم في الجيش ميشال عون. وقد منح هذا التحالف غير العادي حزب الله نُفوذاً غير مسبوق في السياسة اللبنانية عندما أصبح عون رئيساً للبنان في عام 2016، وأصبح للحزب حليف قويّ وصل إلى قصر بعبدا بدعم منه. وهذا من بين أمور أخرى، مثل القدرة العسكرية للحزب وبإطلاق حرب أو منعها مع "إسرائيل"، أدّى إلى اتّهامه بالسيطرة على الدولة اللبنانية.

لكن، حزب الله ليس أبداً الحزب الوحيد الذي يتمتع بالتأثير في السياسة اللبنانية، في حين أنّ المواقف العامّة للدولة اللبنانية ثابتة في العديد من القضايا الرئيسية، وهي ضدّ موقف الحزب. على سبيل المثال، لم يقبل لبنان أبداً مُقترحات حزب الله لطلب المساعدة الإيرانية لتحديث الجيش اللبناني وتعزيز قُوّته، أو لشراء الوقود من إيران بسعر منخفض لحلّ أزمة الوقود في البلاد في عام 2021. والأهمّ من ذلك، لم يصل الحزب إلى مراكز الدولة إِلّا من خلال الانتخابات، لكنّهُ لم يُمنح أبداً أي منصب إداري رئيسي في الوكالات الحكومية، أو في النظام القضائي. ويرجع ذلك، وفقاً لحزب الله وحُلفائه إلى الضغوط الخارجية على لبنان، ومُعْظمها من الدول الغربية، التي تعتبر الحزب "منظّمة إرهابية".

أكثر من مجرّد جماعة مسلّحة

تصنيف "الإرهاب" وضع حزب الله في مرمى الإدارات الأميركية المتعاقبة، التي دعمت بشكل منهجي وغير مشروط كلّ حرب إسرائيلية تهدف إلى تدميره، حتّى لو تسبّبت في تدمير بقية لبنان. وفي المحاولة الأخيرة المستمرّة، بذلت "إسرائيل" قصارى جهدها من خلال استهداف رأس هرم حزب الله، السيّد نصر الله، والعديد من القادة الرئيسيّين المحيطين به. ومع ذلك، فإنّ قُدرة الحزب اللبناني على تحمّل الضربات ومواصلة القتالِ، من دُون تردّد، أظهرت أنّهُ خلافاً للاعتقاد السائد حول المنظّمات العربية والشرق أوسطية، فإنّ حزب الله ليس طائفة أيديولوجية يقودها رجل واحد أو عدد قليل من الرجال الكاريزميّين. ففي الواقع، قال السيّد نصر الله أكثر من مرّة: "حزب الله ليس لديه قائد، بل نظام قيادة"، تُديره مُؤسّسات، مع عملية مُستمرّة لتشكيل قادة جدد، وعلى استعداد لملء أيّ شاغر في أيّ موقع في أيّ وقت.

لكنّ الجانب الأكثر أهمية في حزب الله، والأكثر تجاهلاً أيضاً، هو أنّه أكثر بكثير من مُجرّد جماعة مسلّحة لها قضية وبنادق، وهو امتداد للتقليد النضالي المستمرّ من عقود لمكوّن رئيسي في المجتمع اللبناني. كما أنّهُ المعبر الأقوى، اليوم، عن الخيار السياسي في مقاومة هيمنة الولايات المتحدة و"إسرائيل" في لبنان، وهذا نهج أقدم بكثير وأكثر تنوّعاً من حصره في التنظيم الحزبي وحده. فالحزب أيضاً، قُوّة اجتماعية ذات حضور قوي في جميع مجالات الحياة العامّة اللبنانية، من السياسة إلى التعليم إلى الأعمال الخيرية إلى الفن والثقافة. وفي أوقات الحرب، يُمثّل مشاعر قسم كبير من المجتمع اللبناني ويتجاوز حدود الطوائف الدينية أو الطائفية السياسية.

نقله إلى العربية: حسين قطايا