"نيويورك تايمز": الإبادة الجماعية في دارفور تحدث مرة جديدة
دارفور كانت مسرحاً للإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمن، واليوم تحدث مرة جديدة، والاستجابة الدولية للوضع الإنساني ليست كافية.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب نيكولاس كريستوف، يتحدّث فيه عن الجرائم التي تحدث في السودان وتحديداً في دارفور، ويحذّر من دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة الفاشر، ويقول إنّ الوضع الإنساني في السودان يتطلّب جهداً دولياً سريعاً.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش: "في البداية قتلوا الكبار، ثم جمعوا الأطفال وأطلقوا النار عليهم، وألقوا جثثهم في النهر".
هذا مشهد من الأزمة الإنسانية التي تحدث الآن في السودان والتي طغت عليها غزة وأوكرانيا وربما تكون على وشك أن تصبح أسوأ بكثير. إنّه صراع، قد يكون إبادة جماعية، يتكشّف بشكل خاص في منطقة دارفور هناك.
ولعلكم تتذكّرون دارفور: لقد كانت مسرحاً للإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمن، وأثارت تلك الفظائع رد فعل واسع النطاق في ذلك الوقت.
كان باراك أوباما وجو بايدن، عضوا مجلس الشيوخ آنذاك، بين أولئك الذين دعوا إلى التحرّك، وانضم إليهما عشرات الآلاف من طلاب المدارس الثانوية والجامعات، بالإضافة إلى نشطاء من الكنائس والمعابد اليهودية والمساجد الذين يعملون معاً.
وفي حين ذبح مئات الآلاف في دارفور في ذلك الوقت، فمن المحتمل أيضاً أنّ الحملة أنقذت حياة مئات الآلاف الآخرين. وفرضت دول أخرى عقوبات وحظراً على الأسلحة، وتم إنشاء قوات حفظ السلام من قبل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وتمت في نهاية المطاف الإطاحة بالزعيم السوداني الذي قاد الإبادة الجماعية.
مع ذلك، فإنّ المذابح في دارفور تستأنف اليوم، ولكن الاستجابة الدولية لم تعد كذلك، ومعظم الدول الغربية والأفريقية على حد سواء غير مبالية إلى حد ما.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير جديد إنّ "التقاعس عن العمل يتضاءل مقارنة بالوضع قبل 20 عاماً، عندما شعر زعماء العالم بأنهم ملزمون أخلاقياً وقانونياً بالتحرّك بشأن دارفور".
ويقول الناجون إنّهم يذبحون ويعذّبون ويغتصبون ويشوّهون الضحايا على خلفية عرقية، بينما يحرقون قراهم أو يجرفونها بالجرافات.
وتوجد قوات الدعم السريع، على أطراف مدينة الفاشر، ويبلغ عدد سكانها نحو 800 ألف نسمة، وربما تكون على وشك الدخول إليها. وحذرت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، من أنّ الفاشر "على شفا مذبحة واسعة النطاق".
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الغذاء ينفد في السودان، وقد منع المسلّحون جماعات الإغاثة من توصيل الغذاء. ويفيد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنّه مع وجود 28 مليون سوداني يواجهون الجوع الحاد، يلجأ الناس إلى أكل العشب وقشور الفول السوداني.
وحذّرت مديرة برنامج الغذاء العالمي، سيندي ماكين، من أنّ السودان قد يشكّل قريباً أسوأ أزمة جوع في العالم، مما يهدد حياة الملايين، مضيفةً أنّ "شعب السودان أصبح اليوم منسياً".
أحد مقاييس اللامبالاة العالمية: لم تقدّم الدول سوى 8% مما تحتاجه الأمم المتحدة لدعم اللاجئين الذين تدفّقوا من السودان، بما في ذلك ما يقرب من 600 ألف شخص وصلوا إلى تشاد في العام الماضي، 88% منهم من النساء والأطفال.
وتأتي الأزمة الأخيرة في السودان نتيجة للحرب الأهلية التي بدأت قبل عام بين الجيش وقوات الدعم السريع، وكانت الهجمات على المدنيين وحشية بشكل خاص في دارفور.
وعندما احتجّ حاكم غرب دارفور على ما أسماه "الإبادة الجماعية المستمرة"، اعتقلته قوات الدعم السريع وأعدمته. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة جثته وهي مجرّدة من ملابسها ومشوّهة.
وفي مقابلات مع "رويترز"، وصفت أكثر من 40 أمّاً كيف قُتل أطفالهن، ومعظمهم من الذكور. وكان أحدهم طفلاً يبلغ من العمر عامين تعرّض للضرب حتى الموت أمام والدته، التي أصيبت برصاصة أسفل الكتف عندما حاولت التدخّل.
وأصدر مركز "راؤول والنبرغ" لحقوق الإنسان تقريراً خلص إلى أنّ الفظائع تفي بالمعايير القانونية للإبادة الجماعية، مضيفاً أنّها "إبادة جماعية متكرّرة، وفشل متكرّر".
كذلك، قال المستشار القانوني الأول لمركز "والنبرغ"، يونا دايموند، إنّ "المجتمع الدولي تخلّى تماماً عن المجتمعات غير العربية في دارفور التي تواجه إبادة جماعية مستمرة".
ماذا عن الردّ العالمي؟ لقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارين مثيرين للشفقة يدعوان إلى وقف إطلاق النار، وكان آخرهما خلال شهر رمضان فقط. هذا الأسبوع، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على اثنين من قادة قوات الدعم السريع بسبب أفعالهما في دارفور، وهي خطوة مرحّب بها ولكنها ليست كافية. ومن المروّع أنّ الدول الرائدة لا تعجز عن حشد تحرّكات كبيرة فحسب، بل إنّها تعجز حتى عن إصدار بيان مهم.
وما نستطيع أن نفعله هو أن ندفع، كما حدث قبل عقدين من الزمن، إلى بذل جهد أكبر كثيراً لإنهاء الحرب الأهلية في السودان. وهذا يعني فرض حظر على الأسلحة وضغط قوي على دول مثل الإمارات التي يبدو أنّها (على الرغم من نفيها) تغذّي الحرب بشحنات الأسلحة إلى قوات الدعم السريع. ويستشهد تقرير للأمم المتحدة بأدلة على رحلات شحن جوية عدة مرات كل أسبوع تحمل أسلحة من الإمارات لقوات الدعم السريع عبر تشاد.
ويمكن للدول الرائدة أيضاً فرض عقوبات على شخصيات سودانية والضغط على الاتحاد الأفريقي والأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن. ومن شأن زيارة مجلس الأمن إلى الحدود مع تشاد أن تسلّط الضوء على الأزمة، وكذلك الزيارات والبيانات رفيعة المستوى الأخرى.
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، تيرانا حسن: "لقد تخلّى الجميع عن دارفور". لذا، ففي دارفور الفقيرة، فإن التعهّد بعد كل إبادة جماعية بأنّها "لن تحدث مرة أخرى" يهدّد بحدوثها "مرة أخرى".