"واشنطن بوست": أحداث كازاخستان صراع داخلي أم تدخل خارجي؟

كرر توكاييف تأكيداته على أن "قطاع الطرق والإرهابيين" المحليين والأجانب الذين تلقوا "تدريبات مكثفة في الخارج" يقفون وراء أعمال العنف.

  • توكاييف مع سلفه نزارباييف في العاصمة نور سلطان عام 2019.
    توكاييف مع سلفه نزارباييف في العاصمة نور سلطان عام 2019.

تناولت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية رواية الحكومة الكازاخستانية حول الأحداث الأخيرة وقالت إنه مع انتشار الاحتجاجات في كازاخستان، تحول التركيز من الغضب من ارتفاع أسعار الوقود إلى استهداف النظام السياسي الأوتوقراطي في البلاد بقيادة نور سلطان نزارباييف، الذي حكم الأمة لمدة ثلاثة عقود ويحمل الآن اللقب الرسمي "زعيم الأمة".

وأضافت: تغيرت رواية الحكومة أيضًا. بدأ الرئيس الذي اختاره نزارباييف، قاسم جومارت توكاييف، في توجيه أصابع الاتهام إلى "قطاع الطرق والإرهابيين" المحليين والأجانب والحديث عن مؤامرة داخلية لإثارة الفوضى.

اتخذ توكاييف في البداية خطوات لمحاولة تهدئة المحتجين. ألغت الحكومة زيادات أسعار الوقود، وأقال توكاييف حكومته وأقال نزارباييف من منصب أمني قوي، رئاسة مجلس الأمن القومي.

وبعد أن اقتحم المتظاهرون في آلما أتا، أكبر مدينة في كازاخستان، المباني الحكومية يوم الأربعاء وسيطروا لفترة وجيزة على مطار آلما أتا، اتخذ توكاييف نبرة أكثر تشددًا. وزعم أن "الجماعات الإرهابية الدولية" قد استولت على أجزاء من المدينة وطلب المساعدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف أمني تقوده روسيا في دول الاتحاد السوفياتي السابق. ثم بدأت القوات الروسية في الوصول إلى كازاخستان يوم الخميس.

وكرر توكاييف تأكيداته على أن "قطاع الطرق والإرهابيين" المحليين والأجانب الذين تلقوا "تدريبات مكثفة في الخارج" يقفون وراء أعمال العنف وتعهد "بالقضاء عليهم". وقال توكاييف يوم الجمعة إنه أمر القوات بإطلاق النار لقتل المحتجين (المسلحين).

وفي يوم الجمعة أيضًا، زعم توكاييف أن 20 ألف من "قطاع الطرق" متورطون في أحداث آلما أتا، وقال إنه أنشأ مجموعة خاصة لتعقب المتظاهرين العنيفين.

وقال مسؤولو الشرطة إن عشرات الأشخاص قتلوا نتيجة "عمليات أمنية" تهدف إلى استعادة السيطرة. كما ألقت روسيا والصين باللوم على جماعات أجنبية لم تسمّها في تأجيج الاضطرابات.

وتساءلت الصحيفة: هل هناك أي دليل على وجود صلات خارجية بالاضطرابات؟

وأجابت بالنفي مشيرة إلى أن المعلومات المباشرة والقابلة للتحقق عن التظاهرات والمشاركين شحيحة. لا يزال الإنترنت في كازاخستان محجوبًا إلى حد كبير وتم منع الصحافيين الأجانب من الدخول. ولم تقدم السلطات الكازاخستانية، على الرغم من مزاعمها، أي دليل ملموس على تورط أجنبي، تابعت "واشنطن بوست".

وقالت ميليندا هارينغ، نائبة مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي: "هذه الادعاءات ليست هزيلة. إنها ادعاءات سخيفة". وأوضحت أن الإشارة إلى "الرجل الأجنبي" هي خطوة "نموذجية" في دول الاتحاد السوفياتي السابق لصرف السخط المحلي.

وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من الخبراء في شؤون كازاخستان رفضوا ادعاء توكاييف بأن 20 ألف "إرهابي" أو مجرم قد يكونون متورطين في احتجاجات آلما أتا باعتباره غير قابل للتصديق.

وتساءلت الصحيفة: لماذا قد تروّج كازاخستان وحلفاؤها الإقليميون لتلك الرواية؟ وأجابت أن توكاييف وروسيا وأعضاء آخرين في التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا قد أشاروا إلى تحريض خارجي مزعوم للتظاهرات لتبرير أول نشر للمنظمة لقوات "حفظ السلام" في كازاخستان.

تم تشكيل هذا التحالف الأمني ​​عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو يضم كازاخستان وروسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستان. من المفترض أن تنشر المجموعة قوات فقط لمساعدة دولة عضو تواجه تهديدًا خارجيًا.

بالنسبة لتوكاييف، قد تخدم التعزيزات الإقليمية غرضًا سياسيًا داخليًا. قال أركادي دوبنوف، خبير آسيا الوسطى، "إن الرئيس يبدو أنه يستخدم الاضطرابات لتهميش نزارباييف والتخلص من نظام السلطة المزدوجة في البلاد". وقالت هارينغ إن تدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي أظهر أن الحلفاء الإقليميين يدعمون توكاييف.

تتمتع كازاخستان تقليديًا بعلاقات متوازنة بين روسيا والصين والغرب. وأضافت هارينغ أن العملية أتاحت لروسيا فرصة لتوسيع نفوذها في كازاخستان والمنطقة. وأضافت أن العملية عززت كذلك موقف روسيا في الدخول في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا.

الكثير من الظروف التي أحاطت ببدء أعمال العنف لا تزال غامضة. لكن هارينغ قالت إن "قطاع الطرق" استغلوا على ما يبدو الاحتجاجات السلمية في البداية.

واقترح بعض المحللين أن القوة الدافعة وراء الهجمات العنيفة والنهب كانت الشباب خارج المدينة، المعروفين باسم "المامبيت"، الذين ربما تم إحضارهم من المناطق الريفية الفقيرة في كازاخستان إلى المدن وتحفيزهم على اختطاف التظاهرات.

اتخذت رواية الحكومة بعدًا جديدًا يوم السبت عندما أعلنت السلطات اعتقال كريم ماسيموف، العضو الذي أقيل مؤخرًا من لجنة الأمن القومي للبلاد، للاشتباه في الخيانة. كما تم اعتقال عدد من المسؤولين الآخرين.

جاء اعتقال ماسيموف بعد يوم من إجراء مستشار سابق لنزارباييف مقابلة تلفزيونية اتهم فيها قادة الأمن بإخفاء معلومات حول "معسكرات تدريب المتشددين" الذي زعم أنها تجهز المقاتلين للإطاحة بالرئيس توكاييف.

قال ألكسندر جابيف، الزميل البارز في مركز كارنيغي في موسكو، إن ماسيموف قدم كبش فداء مناسبًا للحكومة. يُنظر إلى ماسيموف على أنه حليف قوي لنزارباييف، ويمكن أن يساعد اعتقاله توكاييف في تعزيز سيطرته على جهاز الأمن في البلاد. 

لكن بالنسبة لتوكاييف، فإن لعبة القوة الظاهرة قد تأتي على حساب السيادة الكازاخستانية حيث تكتسب روسيا نفوذًا في البلاد، ختمت "واشنطن بوست".

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم