"نيويورك تايمز": الحرب تزداد خطورة على واشنطن.. وبايدن يعلم ذلك

يعلم بوتين جيّداً مدى مساهمة أميركا و"الناتو" في تزويد أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية، لكن عندما يشرع مسؤولون أميركيون في التفاخر علناً بدورهم في قتل جنرالات روس، وإغراق سفينة القيادة الروسيّة، فإنّنا نفتح باباً للرد وتوسيع نطاق الحرب.

  •  تحاول إدارة بايدن الإبحار بين روسيا وأوكرانيا في الحرب الدائرة وتجنّب الفِخاخ (أ ف ب)
    تحاول إدارة بايدن الإبحار بين روسيا وأوكرانيا في الحرب الدائرة وتجنّب الفِخاخ (أ ف ب)

تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في عمود لأحد كتابها البارزين توماس فريدمان العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي لا تزال مستمرة، مشيرةً إلى التقارير التي تحدثت عن تزويد الولايات المتحدة لأوكرانيا بمعلومات استخباراتية، وفق ما تمّ تسريبه، وضلوع واشنطن في الحرب الروسية الأوكرانية.

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

إذا اكتفيت بمتابعة التقارير الإخباريّة عن أوكرانيا، فلعلّك تظنّ أنّ الحرب تحوّلت إلى حدث طويل مُضنٍ ومثير للضجر. أنت مخطئ. فالأمور تزداد خطورة يوماً بعد يوم.

بدايةً، عندما تطول هذه الحرب، فسوف ترتفع فرص الأخطاء الحسابيّة الكارثيّة، والمواد الأوّلية لأخطاء كهذه تزداد على نحو متزايد. فعلى سبيل المثيل، انظروا إلى هذين التسريبين المهمّين من مسؤولين أميركيّين بشأن ضلوع الولايات المتّحدة في الحرب الروسية الأوكرانيّة:

أوّلاً، أفشت صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ "الولايات المتّحدة قدّمت معلومات استخباريّة بشأن وحدات روسيّة سمحت للأوكرانيّين باستهداف كثير من الجنرالات الروس، الذين قُتِلوا في خلال المهمّات القتاليّة في حرب أوكرانيا، وذلك بحسب مسؤولين رفيعين أميركيّين".

ثانياً، أوردت "نيويورك تايمز"، بُعيدَ صدور تقرير عن شبكة "أن. بي. سي"، عن معلومات سرّبها مسؤولون أميركيّون، أنّ الولايات المتّحدة قدّمت معلومات استخباريّة سمحت للقوى الأوكرانيّة بتحديد موقع الموسكفا، سفينة القيادة للأسطول الروسي في البحر الأسود، وضربها. وساهمت هذه المعلومات في إغراق الموسكفا، بعد أن أُصيبت بصاروخَي كروز أوكرانيّين.

أنا، كصحافي، تعجبني التسريبات. قام الصحافيّون الذين نشروا هذه التسريبات بكثير من البحث والاستقصاء. لكن، بعد ما حصلت عليه من معلومات من مسؤولين أميركيّين رفيعين، تحدّثوا إليّ بشرط عدم الكشف عن هويّاتهم، علمت بأنّ هذه التسريبات لم تكن جزءاً من استراتيجيّة مدروسة، وأن الرئيس الأميركي جو بايدن اشتعل غضباً بعد صدورها. وقيل لي إنّه اتّصل بمديرة الاستخبارات الوطنيّة ومدير الاستخبارات المركزيّة ووزير الدفاع، كي يقول، بعبارات حازمة، مستخدماً أكثر الكلام جماليّة في قاموسه: "إنّ هذا النوع من التسريبات متهوّر، ويجب أن يتوقّف في الحال، قبل أن نتورّط في حرب غير منتظرة مع روسيا".

والنتيجة، التي يصل إليها المرء من هذه التسريبات، هي أنّها توحي بأنّنا لم نعد في حرب غير مباشرة مع روسيا، بل بتنا نقترب أكثر فأكثر في اتجاه حرب مباشرة، ولم يحضّر أحدٌ الشعبَ الأميركي أو الكونغرس لأمر كهذا.

بالتأكيد، يعلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيّداً مدى مساهمة الولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" في تزويد أوكرانيا بالتجهيزات والمعلومات، لكن عندما يشرع مسؤولون أميركيون في التفاخر علناً بدورهم في قتل جنرالات روس، وإغراق سفينة القيادة الروسيّة وقتل بحّارتها، فإنّنا نقوم بفتح باب ليقوم بوتين بالرد على نحو قد يوسّع نطاق هذا الصراع، ويجرّ الولايات المتّحدة إلى حيث لا تريد.

ويقول مسؤولون أميركيّون إنّ هذا الأمر أكثر خطورة، لأنّه بات جليّاً لهم أنّ تصرّف بوتين لم يعد قابلاً للتنبّؤ كما في السابق. وعلاوةً على ذلك، لم يعد لدى بوتين كثير من الخيارات من أجل تحقيق تقدّم قد يحفظ ماء وجهه في أرض المعركة، أو حتّى طريق عودة منها قد يحفظ ماء وجهه.

كانت هذه الحرب كارثيّة بالنسبة إلى بوتين. وبالفعل، قال بايدن لفريقه إنّ بوتين، وهو يحاول مقاومة توسّع "الناتو"، ها هو الآن يمهّد الأرض أمام توسّع حلف شمال الأطلسي، مع أخذ فنلندا والسويد خطواتٍ عمليّةً في الانضمام إلى حلف بقيتا خارجه سبعةَ عقود.

ولهذا السبب، يراود المسؤولين الأميركيّين كثيرٌ من القلق إزاء ما قد يفعله أو يعلن عنه بوتين في احتفال يوم النصر في موسكو يوم الإثنين المقبل، والذي تحتفل فيه روسيا بالذكرى السنوية لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازيّة. وهو يوم تُقام فيه عروض عسكريّة للاحتقال بقوّة الجيش الروسي. فقد يقوم بوتين بتعبئة مزيد من القوّات، أو قد يُقْدِم على عمل استفزازيّ، أو قد لا يفعل شيئاً. لا أحد يعلم!

للأسف، علينا أيضاً الالتفات إلى أنّ الروس ليسوا وحدهم من يريد زجّنا في المعركة. كونوا على يقين بأنّ رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، كان يحاول فعل ذلك منذ البداية، عبر محاولته جعل أوكرانيا تنضمّ سريعاً إلى حلف الناتو، أو حثّ واشنطن على توقيع اتفاقيّة أمنية متبادلة مع كييف. أجد قيادة زيلينسكي وبطولته مثيرتين للإعجاب، وإن كنت في مكانه، لحاولت أيضاً توريط الولايات المتّحدة معي، كما يفعل هو.

لكنّني مواطن أميركيّ، وأريد أن نكون حذرين. إنّ أوكرانيا كانت وما زالت بلداً مشبَعاً بالفساد. هذا لا يعني أنّه لا يوجب مساعدتهم، بل أنا سعيد في أنّنا نقول ذلك، وأحثّ على ذلك. لكن ما أقوله هو إنّ إدارة بايدن تسير على حبل مشدود أكثر خطورة مع زيلينكسي ممّا قد يبدو لنا لأوّل وهلة. علينا فعل كلّ ما في وسعنا لضمان فوزه في هذه الحرب، لكن علينا فعل ذلك مع الإبقاء على مسافة بيننا وبين القيادة الأوكرانيّة، بحيث لا تكون كييف في موقع صاحب القرار، وكي لا تُحرجنا مشاكل السياسة الأوكرانيّة بعد انتهاء الحرب.

بعد البحث والتدقيق، وجدت أنّ وجهة نظر بايدن وإدارته هي أنّه يجب على الولايات المتّحدة مساعدة أوكرانيا على استعادة سيادتها وهزيمة الروس، من غير أن تصبح أوكرانيا محميّة أميركيّة عند حدود روسيا. بناءً على ذلك، علينا أن نكون متنبّهين لما يصبّ في مصلحتنا الوطنيّة، وألّا نضيع فيما قد يضعنا في طريق مخاطر نحن في غنىً عنها.

أعلم جيّداً بأنّ بايدن – وقد سافرت معه إلى أفغانستان في عام 2002 حين كان سيناتوراً يترأّس لجنة العلاقات الخارجيّة – ليس شخصاً يتأثّر بسهولة بمغازلة قادة الدول له، إذ تعامل مع كثيرين منهم في خلال مشواره المهنيّ، وهو يعلم جيّداً بحدود المصالح الوطنيّة الأميركية. اسألوا الأفغان عنه. 

حسناً، أين نحن الآن؟ فشلت خطّة بوتين الرئيسة: أن يدخل كييف، وينصّب فيها مَن يريد رئيساً. وخطّته البديلة، أي أن يستولي على قلب أوكرانيا الصناعي، الدونباس، وهي منطقة ناطقة باللغة الروسية، ما زالت غير مضمونة النتائج. وعلى الرغم من تحقيق القوّات البريّة الروسيّة المدعومة شيئاً من التقدّم، فإن تقدّمها لا يزال محدوداً. وما زال الطقس ربيعياً في الدونباس، أي أنّ الطرقات لا تزال موحلة ورطبة أحياناً، الأمر الذي يجعل المدرّعات الروسية تلتزم الطرقات السريعة في كثير من المناطق، وهو ما يجعلها عرضة للاستهداف.

وبينما تحاول الولايات المتّحدة الإبحار بين روسيا وأوكرانيا وتجنّب الفِخاخ، استطاعت تحقيق أمر مهمّ لتجنّب حرب أوسع، عبر إبعاد الصين عن تقديم الدعم العسكري إلى روسيا، وكان لهذا الأمر وقع مهمّ جداً.

ففي الـ4 من شباط/فبراير، استضاف رئيس الصين، شي جين بينغ، بوتين في المراسم الافتتاحية للألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، بحيث تمّ توقيع اتفاقيات كثيرة في التجارة والطاقة، وبعدها أصدرا بياناً ثنائيّاً يؤكّدان فيه أنّ الصداقة بين روسيا والصين "لا حدود لها".

هذا ما كان الوضع عليه سابقاً. بعد بدء الحرب، أوضح بايدن شخصياً للرئيس الصيني، في مكالمة هاتفية مطوَّلة، أنّ مستقبل الصين الاقتصادي يعتمد على الوصول إلى الأسواق الأميركية والأوروبية - أكبر شركائها التجاريين -. وإذا قدّمت الصين مساعدة عسكرية إلى بوتين، فسيكون لذلك القرار عواقب سلبية للغاية بالنسبة إلى تجارة الصين مع كِلتا السوقين. أجرى شي الحسابات، ورُدعَ عن مساعدة روسيا، بأي شكلٍ عسكري، الأمر الذي جعل بوتين أيضاً أضعف. وبدأت القيود الغربية على شحن الرقائق الدقيقة إلى روسيا تُعِيق بعض مصانعها، وحتى الآن، لم تتدخل الصين.

خاتمة المقال تُرَدِّد أصداء بدايته، ولا أستطيع التشديد عليه بصورة كافية: نحن في حاجة إلى التمسك، بأكبر قدر ممكن، بهدفنا الأصلي المحدود والمحدَّد بوضوح من أجل مساعدة أوكرانيا على طرد القوات الروسية قدر الإمكان، أو التفاوض من أجل انسحابها في أي وقت يشعر قادة أوكرانيا بأنّه ملائم. لكننا نتعامل مع بعض العناصر غير المستقرة بصورة مذهلة، ولاسيّما بوتين الجريح سياسياً. التفاخر بقتل جنرالات بوتين وإغراق سفنه، أو الوقوع في حب أوكرانيا عبر أساليب تجعلنا متورطين هناك إلى الأبد، هو قمة الحماقة.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.