"مركز صوفان": زيارة ماكرون للصين تكشف عن الانقسامات الغربية

شدد ماكرون على أهمية أن تتجنب أوروبا أن تصبح "تابعة" للولايات المتحدة، بل أشار إلى أن تايوان ليست مشكلة أوروبية، مما يبعث بـ"رسالة خطيرة".

  • الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في اجتماعٍ غير رسمي مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في سونغيوان بجنوب الصين في 7 نيسان/أبريل الجاري.
    الرئيس الصيني شي وماكرون خلال اجتماعهما في سونغيوان بجنوب الصين.

نشر  "مركز صوفان" البحثي الأميركي تقدير موقف حول زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة للصين والانقسامات التي أظهرتها داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وفيما يلي نص التقرير: إن زيارة ماكرون الأخيرة للصين قوبلت بالانتقادات في العديد من أركان الغرب، حيث أثار السياسيون والمعلقون تواضعه مع الزعيم الصيني شي جين بينغ.

في العام الماضي، تعرض ماكرون لانتقادات شديدة بسبب مبادراته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي رفض مراراً جهود الرئيس الفرنسي لتشجيع وقف إطلاق النار أو المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.

أظهرت الحرب في أوكرانيا أن حلف الناتو، الذي وصفه ماكرون بـ"الموت السريري" قبل ثلاث سنوات فقط، لا يزال يعتمد على الولايات المتحدة في القيادة والقدرة العسكرية وفوق كل شيء الردع النووي.

ودعا منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى إنشاء جبهة أوروبية موحدة في تايوان، وكذلك فعلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي رافقت ماكرون في رحلة الصين والتي وقف موقفها على النقيض من قبول ماكرون المستمر.

وقد قوبلت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة للصين بالانتقادات في العديد من أركان الغرب، حيث أثار السياسيون والمعلقون تواضعه مع الزعيم الصيني شي جين بينغ. كان من الواضح أن ماكرون، الذي انغمس في الاهتمام والحشود خلال زيارته الرسمية التي استمرت ثلاثة أيام، استمتع بكونه مركز الاهتمام. لكنه عاد إلى العديد من التوبيخات الواضحة لاحتضانه شي وتعليقاته حول تايوان والنظام الدولي والعلاقات الأميركية الأوروبية. شدد ماكرون على أهمية أن تتجنب أوروبا أن تصبح "تابعة" للولايات المتحدة، بل وأشار إلى أن تايوان ليست مشكلة أوروبية، مما يبعث برسالة خطيرة. قال ماكرون: "أسوأ شيء هو الاعتقاد بأننا نحن الأوروبيين يجب أن نصبح أتباعاً في هذا الموضوع وأن نستقي إشاراتنا من الأجندة الأميركية ورد الفعل الصيني المبالغ فيه". 

لا شك في أن هذه التعليقات أسعدت شي، الذي يضع الصين كقوة موازنة للولايات المتحدة ويحاول بشكل متزايد تعزيز رؤية الصين للعالم، وهي رؤية بدا أن ماكرون يتفق معها، أو على الأقل يقبلها خلال زيارة الدولة. ماكرون محاصر في الجبهة الداخلية، ولا يحظى بشعبية لدى الجمهور الفرنسي وهو يدفع بإصلاحات معاشات التقاعد. لكن في الخارج، لم يكن أداؤه أفضل من ذلك بكثير، حيث ألقى تصريحات في توقيت سيء وبعيدة عن الواقع تكاد تكون ساذجة.

 تحدث ماكرون أيضاً عن عالم متعدد الأقطاب من دون أي "كتل"، واعتماد المعجم الصيني ويبدو أنه يتفق مع وجهة نظر شي بشأن الشؤون العالمية. يتمثل أحد أهداف الصين الأساسية في إيجاد فرصة لتقسيم الولايات المتحدة وأوروبا. إن الغرب الضعيف يفيد الصين ويمنح الحزب الشيوعي الصيني حرية أكبر للمناورة سياسياً واقتصادياً. اتهمت بكين واشنطن مراراً بالعمل بعقلية الحرب الباردة وتشكو مراراً مما تعتبره دوراً مهيمناً للولايات المتحدة في النظام الدولي. وأصدر قصر الإليزيه بياناً بعد عودة ماكرون في محاولة لتوضيح تصريحاته، مؤكداً أهمية علاقة باريس بواشنطن، مؤكداً على "القيم المشتركة". في العام الماضي، تعرض ماكرون لانتقادات شديدة بسبب مبادراته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي رفض مراراً جهود الرئيس الفرنسي لتشجيع وقف إطلاق النار أو المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. تحدث ماكرون منذ فترة طويلة عن مفهوم الاستقلال الاستراتيجي، داعياً إلى نسخة ديغولية للسياسة الخارجية الفرنسية. ومع ذلك، فقد ثبت أن الواقع مختلف.

أظهرت الحرب في أوكرانيا أن حلف الناتو، الذي وصفه ماكرون بـ"الموت السريري" قبل ثلاث سنوات فقط، لا يزال يعتمد على الولايات المتحدة في القيادة والقدرة العسكرية وفوق كل شيء الردع النووي. قبل سنوات من التدخل الروسي الشامل في أوكرانيا، كشفت التدخلات التي يقودها الأوروبيون في ليبيا والساحل عن وجود فجوات رئيسية في القدرات داخل الجيوش الأوروبية. للتغلب على أوجه القصور هذه، كان على القادة الأوروبيين الاعتماد على الولايات المتحدة في وظائف التمكين الحاسمة، بما في ذلك الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وقمع الدفاع الجوي للعدو، والتزود بالوقود جواً، والرفع الاستراتيجي.

سلطت حرب أوكرانيا الضوء كذلك على المصالح الأمنية والدفاعية المتباينة للدول الأوروبية. تعتبر غالبية دول وسط وشرق أوروبا أن روسيا هي أكبر تهديد أمني لها، في حين أن دولاً مثل فرنسا تضع الإرهاب واستقرار البحر الأبيض المتوسط على رأس أولوياتها الأمنية. داخل أوروبا، لا تزال المجر خارجة عن المألوف بسبب إحجامها عن انتقاد روسيا.

يواصل الرئيس بوتين السعي وراء الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، والعمل على تقسيم الشراكات وتخفيف معارضة الإجراءات الروسية في أوكرانيا. بينما تسعى الدول الأوروبية لفطم نفسها عن إمدادات الطاقة الروسية، قد ترد موسكو بطرق لا يمكن التنبؤ بها.

بعد عودة ماكرون إلى فرنسا، ادعى عضو البرلمان الألماني نوربرت روتغن أن "ماكرون تمكن من تحويل رحلته إلى الصين إلى انقلاب في العلاقات العامة (للرئيس الصيني) شي وكارثة السياسة الخارجية لأوروبا". في زيارة إلى الصين الأسبوع الماضي، اتخذت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك موقفاً أكثر صرامة بشأن تايوان، مشيرة إلى أن "تغيير الوضع الراهن أحادي الجانب، حتى لا نقول شيئاً عن العنف، سيكون غير مقبول لنا كأوروبيين". 

كما سعى منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى عرض جبهة أوروبية موحدة بشأن تايوان، كما فعلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي رافقت الرئيس ماكرون في زيارة الصين، والتي وقف موقفها على النقيض من قبول ماكرون المستمر. أعرب رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي عن رفضه الواضح لزيارة ماكرون، مشيراً إلى أنه "لا يمكنك حماية أوكرانيا اليوم وغداً بالقول إن تايوان ليست من شأنك". 

تشير هذه الانتقادات والانقسامات إلى الآلام المتزايدة التي ستستمر أوروبا في تجربتها بينما يعيد الاتحاد والدول الأعضاء فيه تحديد سياساتهم الخارجية والدفاعية في مشهد جيوسياسي سريع التغير.