بوتين في مقال خصّصه لشينخوا: روسيا والصين .. شراكة إستراتيجية ذات توجّه مستقبلي
ستحتل مناقشة القضايا الدولية جزءاً مهماً من الزيارة، فتنسيق السياسة الخارجية بين روسيا والصين يعتمد على مقاربات متقاربة لحل القضايا العالمية والإقليمية، ويلعب بلدانا دوراً مهماً في تحقيق الاستقرار في البيئة الدولية المتخمة بالتحديات.
قبل زيارته إلى الصين غداً الجمعة، خصّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكالة الأنباء الصينية شينخوا بمقالة نشرتها في طبعاتها الدولية المختلفة، وفي ما يلي النسخة العربية بعد مراجعتها مقارنة مع النسخة الإنجليزية التي نشرها موقع الكرملين:
عشية زيارتي المقبلة إلى الصين، يسعدني أن أتواصل بشكل مباشر مع الجمهور الصيني والأجنبي لوكالة أنباء "شينخوا" (الصينية)، أكبر وكالة أنباء.
إن بلدينا جاران وثيقان يرتبطان بتقاليد تمتد لقرون من الصداقة والثقة. إننا نثمن عالياً أن شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين روسيا والصين، التي تدخل حقبة جديدة، قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق وأصبحت نموذجاً للكفاءة والمسؤولية والتطلع إلى المستقبل. وفي العام الماضي، احتفلنا بالذكرى العشرين لمعاهدة حسن الجوار والتعاون الودي. وتم تحديد المبادئ الأساسية والتوجيهية للعمل المشترك من قبل بلدينا في المعاهدة، والتي تشمل - أولاً وقبل كل شيء - المساواة ومراعاة مصالح بعضنا البعض والتحرر من الظروف السياسية والأيديولوجية والتحرر من بقايا الماضي. هذه هي المبادئ التي نبني عليها باستمرار عاماً بعد عام بروح الاستمرارية لتعميق حوارنا السياسي. وعلى الرغم من الصعوبات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، نسعى جاهدين لبناء قدرة الشراكات الاقتصادية وتوسيع التبادلات الشعبية.
وخلال زيارتي المقبلة، سنناقش أنا والرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل مستفيض القضايا الرئيسة على جداول الأعمال الثنائية والإقليمية والعالمية. إنه أمر ذو مغزى أن اجتماعنا سيُعقد خلال عيد الربيع أو العام القمري الصيني الجديد. فكما يقول المثل الصيني "خطط لعامك الكامل في الربيع".
بالتأكيد سيحظى تطوير العلاقات التجارية باهتمام خاص. هناك كل الفرص المتاحة لتحقيق ذلك، لما تتمتع به الدولتان من موارد مالية وصناعية وتكنولوجية وبشرية كبيرة تسمح لنا بحل قضايا التنمية على المدى الطويل بنجاح. وبالعمل معاً، يمكننا تحقيق نمو اقتصادي مطرد وتحسين رفاه مواطنينا وتعزيز قدرتنا التنافسية والوقوف معاً في وجه المخاطر والتحديات الراهنة.
في نهاية عام 2021، ارتفع حجم التبادل التجاري أكثر من الثلث متجاوزاً الرقم القياسي 140 مليار دولار أميركي. إننا نسير على الطريق الصحيح باتجاه هدفنا المتمثل في زيادة حجم التجارة إلى 200 مليار دولار أميركي سنوياً. ويتم تنفيذ عدد من المبادرات المهمة في قطاعات الاستثمار والصناعة والصناعات الزراعة. وتشمل محفظة اللجنة الروسية-الصينية الحكومية الدولية للتعاون الاستثماري – تحديداً - 65 مشروعاً تزيد قيمتها على 120 مليار دولار أميركي. وهي مشاريع تتعلق بالتعاون في مجالات مثل التعدين ومعالجة المعادن وإنشاء البنية التحتية والزراعة.
ونواصل العمل على توسيع التسويات بالعملتين الوطنيتين وإنشاء آليات لمواجهة التأثير السلبي للعقوبات الأحادية الجانب. ويأتي كمعلم رئيس في هذا العمل توقيع اتفاقية بين حكومتي روسيا والصين بشأن المدفوعات والتسويات في عام 2019.
كما يتشكل تحالف متبادل النفع في مجال الطاقة بين بلدينا. فبالإضافة إلى إمداد الصين على الأجل الطويل بالنفط والغاز الروسيين، توجد لدينا خطط لتنفيذ عدد من المشاريع المشتركة واسعة النطاق. من بين هذه المشاريع بناء أربع وحدات جديدة للطاقة في محطات الطاقة النووية الصينية بمشاركة شركة "روساتوم" الحكومية الروسية، كانت قد أطلقت العام الماضي. فكل هذا يعزز بشكل كبير أمن الطاقة في الصين ومنطقة آسيا ككل.
ونرى مجموعة من الفرص في تطوير الشراكات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطب واستكشاف الفضاء، بما في ذلك استخدام أنظمة الملاحة الوطنية ومشروع محطة أبحاث القمر الدولية. وقد أعطى عام الابتكار العلمي والتكنولوجي الروسي-الصيني 2020-2021 دفعة قوية لتعزيز العلاقات الثنائية.
إننا ممتنون لزملائنا الصينيين على مساعدتهم في إطلاق لقاحي "سبوتنيك في" و"سبوتنيك لايت" الروسيين في الصين وتوفير معدات الحماية اللازمة لبلدنا في الوقت المناسب. ونأمل أن يتطور هذا التعاون ويتعزز.
إن أحد الأهداف الاستراتيجية لروسيا يتمثل في تسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسيبيريا والشرق الأقصى الروسي. وتقع هذه الأراضي في الجوار المباشر مع الصين. كما أننا عازمون على تطوير التعاون على مستوى الأقاليم بنشاط. لذلك، بدأ تحديث خط السكك الحديدية بايكال-أمور وخط السكة الحديد العابر لسيبيريا. وبحلول عام 2024، ستزداد سعتهما مرة ونصف من خلال زيادة حجم البضائع العابرة وتقليل وقت النقل. كما أن البنية التحتية للموانئ في الشرق الأقصى الروسي آخذة في النمو. وكل هذا من شأنه أن يعزز التكامل بين الاقتصادين الروسي والصيني.
وبالطبع، يظل الحفاظ على الطبيعة والنظم البيئية المشتركة مجالاً مهماً للتعاون بين الأقاليم وعبر الحدود. وتحظى هذه القضايا دائماً باهتمام الجمهور في بلدينا، وسنناقشها بالتأكيد بالتفصيل خلال المفاوضات إلى جانب مجموعة واسعة من الموضوعات الإنسانية.
إن روسيا والصين دولتان لديهما تقاليد فريدة وتراث ثقافي شهير يعود لآلاف السنين. وتحظى الثقافتان الروسية والصينية باهتمام عالٍ في كلا البلدين وفي البلدان الأخرى. صحيح أن عدد السياح والأحداث المشتركة واسعة النطاق والاتصالات المباشرة بين مواطنينا انخفض بسبب الوباء في العامين الماضيين، إلا أنني ليس لدي أدني شك في أننا سنعوض ذلك، وبمجرد أن يسمح الوضع، سوف نطلق برامج توعوية وتعليمية جديدة لتعريف مواطنينا بالتاريخ والحياة الحالية للبلدين. وقد اتفقت أنا والرئيس شي جين بينغ على عقد التعاون في الرياضة واللياقة البدنية في عامي 2022 و2023.
وبالتأكيد، ستحتل مناقشة القضايا الدولية ذات الصلة جزءاً مهماً من الزيارة. فتنسيق السياسة الخارجية بين روسيا والصين يعتمد على مقاربات وثيقة ومتزامنة لحل القضايا العالمية والإقليمية. ويلعب بلدانا دوراً مهماً في تحقيق الاستقرار في البيئة الدولية المتخمة بالتحديات اليوم وتعزيز الديمقراطية في نظام العلاقات الدولية لجعله أكثر عدالة وشمولية. ونحن نعمل سوياً على تعزيز الدور التنسيقي المركزي للأمم المتحدة في الشؤون العالمية ومنع تآكل النظام القانوني الدولي الذي يوجد ميثاق الأمم المتحدة في جوهره.
إن روسيا والصين تتعاونان بنشاط على أوسع جدول أعمال ضمن مجموعة البريكس وإطار العمل الروسي-الهندي-الصيني ومنظمة شنغهاي للتعاون فضلا عن الأطر الأخرى المتعددة الأطراف. وفي إطار مجموعة العشرين، التزمنا بمراعاة الخصوصيات الوطنية عند صياغة توصياتنا، سواء كانت في مكافحة الجوائح أو تنفيذ جدول الأعمال المناخي. وبفضل التضامن المشترك بين بلدينا، في أعقاب قمة مجموعة العشرين 2021 في روما، تم اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التعاون الدولي لاستعادة النمو الاقتصادي والاعتراف باللقاحات وبشهادات اللقاحات، وتحسين انتقال الطاقة وتقليل مخاطر الرقمنة.
ونملك أيضاً مواقف متقاربة بشأن قضايا التجارة الدولية، إذ ندعو إلى الحفاظ على نظام تجاري متعدد الأطراف مفتوح وشفاف وغير تمييزي يقوم على قواعد منظمة التجارة العالمية، وندعم إعادة إطلاق سلاسل التوريد العالمية. وفي آذار / مارس عام 2020، اقترحت روسيا مبادرة بشأن "ممرات التجارة الخضراء" التي تستبعد فرض أية عقوبات أو حواجز سياسية أو إدارية. ومن شأن تنفيذ هذه المبادرة أن يقدم مساعدة مفيدة للتغلب على العواقب الاقتصادية للجائحة.
إن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الرابعة والعشرون في بكين ستكون حدثاً رئيسا ذا أهمية عالمية. وتعتبر روسيا والصين دولتين رياضيتين رائدتين تشتهران بتقاليدهما الرياضية وقد استضافتا أكثر من مرة ألعاباً رياضية دولية كبيرة. وأتذكر باعتزاز زيارتي إلى بكين في آب / أغسطس عام 2008 لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008. وسيتذكر الضيوف والرياضيون الروس الأداء النابض بالحياة لفترة طويلة، فقد تم تنظيم الألعاب نفسها مع كرم ضيافة استثنائي متأصل في أصدقائنا الصينيين. ومن جانبنا، سعدنا باستضافة الرئيس شي جين بينغ في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية للعام 2014 في سوتشي.
وللأسف، تكثفت في الآونة الأخيرة محاولات عدد من الدول لتسييس الرياضة لخدمة مصالحها الأنانية. وهذا خطأ أساسي يتعارض مع روح ومبادئ الميثاق الأولمبي، إذ تكمن قوة وعظمة الرياضة في أنها تقوم بتوحيد الناس ومنحهم لحظات الانتصار والاعتزاز الوطني، فضلاً عن الاستمتاع بالمنافسات العادلة والنزيهة والقوية. وتتفق في هذه الرؤية معظم الدول المشاركة في الحركة الأولمبية الدولية.
لقد قام أصدقاؤنا الصينيون بعمل هائل بهدف التحضير الجيد لدورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية. وإنني مقتنع بأن خبرة الصين الواسعة في التنظيم الممتاز للمسابقات الدولية التمثيلية ستجعل من الممكن إقامة هذا المهرجان العالمي للرياضة على أعلى مستوى. وأتمنى للفريقين الروسي والصيني تحقيق نتائج مبهرة وأرقام قياسية جديدة!
وختاماً، أبعث بأحر التهاني إلى الشعب الصيني الصديق بمناسبة عيد الربيع الذي يوافق بداية عام النمر. وأتمنى لكم دوام الصحة والازدهار والنجاح.