لماذا تلعب بكين دور صانع السلام وكيف ستكون العولمة على الطريقة الصينية؟
موقع روسي يتحدث عن الدور الصيني في العالم، ويقول إن بكين بدأت تصر على دورها كقائد موحد وصانع سلام في مناطق مختلفة من العالم، وتنوي بشكل واضح الإطاحة بالولايات المتحدة الأميركية.
نشر موقع "russian council" الروسي، مقالاً للمشرف الأكاديمي في المجلس الروسي للشؤون الدولية، أندريه كورتونوف، يتحدث فيه عن الدور الصيني في صناعة السلام في مناطق مختلفة من العالم. ويتساءل كيف ستكون العولمة على الطريقة الصينية؟.
وفيما يلي نص المقال منقول إلى العربية:
يؤكد المشرف الأكاديمي بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أندريه كورتونوف، على أن الصين بدأت تصر على دورها كقائد موحد وصانع سلام في مناطق مختلفة من العالم، وتنوي بشكل واضح الإطاحة بالولايات المتحدة، كقوة "لا يمكن الاستغناء عنها" في السياسة العالمية.
في آذار/مارس 2013، قام الزعيم الصيني شي جين بينغ، بأول زيارة دولة لروسيا. ثم ألقى كلمة أمام طلبة ومعلمي معهد موسكو للعلاقات الدولية، عرض فيها رؤيته لمستقبل النظام الدولي على أساس مفهوم "مجتمع المصير المشترك للبشرية".
وفي كلمته، تمت صياغة مبادئ النظرة الصينية للعالم على النحو التالي: "نحن ندافع عن احترام كرامة جميع دول وشعوب العالم، وأنه في مسألة ما إذا كان هذا المسار التنموي أو ذاك مناسباً بلد معين، يجب أن يكون حق التصويت لشعب هذا البلد فقط. نحن ندافع عن حق جميع دول وشعوب العالم بأن تتمتع بثمار التنمية، ولا يمكن ضمان تنمية طويلة الأجل للعالم إذا استمرت بعض الدول في الثراء، بينما يعاني البعض الآخر من الفقر والتخلف لفترة طويلة. نحن ندافع عن حق جميع دول وشعوب العالم بأن يكون لديها ضمانات أمنية".
قبل 10 سنوات، كان من الصعب اعتبار مثل هذا الخطاب عن القيادة الصينية إكتشافاً سياسياً، فقد جاءت التصريحات نفسها تقريباً من قادة دول أخرى في العالم. فعلى الرغم من عواقب الأزمة المالية في 2007-2008، واصلت العولمة مسيرتها المنتصرة في جميع أنحاء الكرة الأرضية.
وعلى الرغم من المصالح المتباينة في العديد من النزاعات الإقليمية، كانت القوى العظمى مستعدة للعمل معاً لمنع هذه الصراعات من التصعيد. وعلى الرغم من الخلافات الخطيرة حول القضايا النووية، أبرمت موسكو وواشنطن معاهدة "ستارت 3" وكانتا على استعداد لتعزيز السيطرة على الأسلحة الاستراتيجية.
في ذلك الوقت، كانت لا تزال هناك توقعات معقولة بأن الجهود المشتركة للاقتصادات الرائدة في العالم ستؤدي إلى مزيد من التخفيض في الحواجز التجارية، وإلى تعزيز تعددية الأطراف وإصلاح أو تحديث المؤسسات الاقتصادية الدولية العالمية، بما في ذلك منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما.
انهيار منظومة
لا يبدو عالم 2023 مريحاً ومضيافاً. فالكثير من الميول التي توحد الإنسانية جرى صدها. والعديد من الآمال التي سادت قبل عقد من الزمن بات ينظر إليها اليوم على أنها أوهام ساذجة. واستبدلت القوى العظمى تعاونها مع بعضها البعض بالمواجهة. وفي النزاعات الإقليمية، لا يكترث اللاعبون الخارجيون كثيراً بالبحث عن تسوية، بل بتقديم الدعم العسكري والمالي للأطراف المتصارعة.
على خلفية الأزمة الأوكرانية، لم تعد الاتفاقيات الروسية الأميركية بشأن الحد من الأسلحة الاستراتيجية موجودة فعلياً. ويمكن قول الشيء نفسه عن الحد من الأسلحة التقليدية وإجراءات بناء الثقة العسكرية.
كما أن هناك نقصاً واضحاً في الثقة السياسية داخل العلاقات الدولية. وحروب المعلومات تشن بضراوة لم نشهدها في هذا القرن. وهناك حروب تجارية على نطاق غير مسبوق في العالم، ويتم فرض عقوبات اقتصادية أحادية الجانب باستمرار. أمام أعيننا، بدأ النظام الاقتصادي العالمي الذي كان موحداً في يوم من الأيام بالتفكك. وتبدو أهم المؤسسات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عاجزة، والقواعد الأساسية للقانون الدولي تخضع لتفسيرات أحادية الجانب.
في ظل هذه الظروف، تغير خطاب اللاعبين الدوليين بشكل جذري. وبدلاً من الأقوال السعيدة والمتفائلة حول التوحيد المقبل للبشرية، جاءت تصريحات مانوية قاسية حول السياسة العالمية كساحة للصراع بين الخير والشر، حول المواجهة القديمة بين "نحن" و"هم"، حول الجوانب"الصحيحة" و"الخاطئة "من التاريخ.
ومع ذلك، ظلت الصين استثناءً ملحوظاً بهذا المعنى.
ظهر مفهوم مجتمع المصير المشترك للبشرية مرة أخرى في مقال شي جين بينغ، الذي نُشر عشية زيارته إلى موسكو. وتحدث وزير خارجية الصيني الجديد، تشين جانج ، بنفس الروح في بكين. من الواضح أن الصين ليست في عجلة من أمرها للتخلي عن مواقف عام 2013 والانضمام إلى خطاب المواجهة السائد عالمياً تقريباً اليوم.
يمكن للمرء أن ينسب كل ذلك إلى خصائص التقاليد السياسية والدبلوماسية الصينية. أو حتى بأن بكين تتخلف ببساطة عن الحقائق الجيوسياسية المتغيرة بسرعة في العالم الحديث. لكن، ربما ما زلنا نتحدث ليس عن التخلف عن الركب الدولي السائد، ولكن عن المضي قدماً فيه. بعبارة أخرى، في تقييماته لديناميكيات العالم، ينطلق الجانب الصيني من حقيقة أن المرحلة الحالية من التفكك والمواجهة في النظام الدولي لن تستمر طويلاً. وهناك عدد من الأسباب الوجيهة لهذا الافتراض.
العولمة على الطريقة الصينية
أولاً، سوف يزداد ضغط التحديات والتهديدات المشتركة على اللاعبين الدوليين البارزين. وتشمل هذه التحديات والتهديدات تغير المناخ، وندرة الموارد، وقضايا التنوع البيولوجي، والهجرة عبر الحدود، واحتمال ظهور أوبئة جديدة، والأمن الغذائي، والجرائم الإلكترونية وما إلى ذلك.
وحتى لو وضعنا جانباً الهدف المراوغ المتمثل في الازدهار المشترك والعدالة الاجتماعية العالمية في الوقت الحاضر، ببساطة من أجل البقاء، سيتعين على البشرية الاتفاق على قواعد مشتركة للعبة وعلى العمل المشترك في هذه المجالات وغيرها من المجالات المماثلة. وهذا يعني أن مفهوم مجتمع المصير المشترك سيكون مطلوباً.
ثانياً، لا يمكن لأي لاعب دولي مسؤول أن يكون له مصلحة بصراعات عسكرية لا نهاية لها، أو في سباق تسلح غير منضبط، أو في نمو الإرهاب الدولي أو في أحداث سلبية أخرى تزيد بشكل مباشر أو غير مباشر من مخاطر صدام القوى العظمى وتحويل الموارد المادية الهائلة عن حل المشكلات العاجلة والمهام الاقتصادية والاجتماعية.
وهذا يعني أن اللاعبين الرئيسيين سيضطرون عاجلاً أم آجلاً إلى العودة إلى الحد من التسلح وإدارة الأزمات وتدابير بناء الثقة. وعلى نطاق أوسع، سيتعين عليهم التحرك نحو ثقافة مشتركة للأمن الدولي. من الصعب الآن تحديد متى وبأي شكل محدد سيحدث هذا بالضبط، لكن غريزة الحفاظ على الذات ستسود حتماً على الطموحات السياسية المباشرة لقادة الدولة.
ثالثاً، لم يتمكن أحد حتى الآن من إيقاف التقدم التكنولوجي، ولا تزال وتيرة هذا التقدم تتسارع. اليوم فقط. ويشير ذلك إلى أن الفرص المتاحة لمختلف أشكال الاتصال عبر الحدود آخذة في الازدياد - بما في ذلك الأعمال والتعليم والترفيه والتفاعل الاجتماعي وغيرها. يحدث الشيء نفسه مع التنقل الجغرافي العالمي.
وبالتالي ، لا توجد فقط احتياجات اقتصادية وسياسية حاسمة للانتقال إلى التعاون بين مجموعة واسعة من البلدان، ولكن هناك أيضاً الوسائل التقنية اللازمة لإنجاح هذا التحول.
اليوم، ينشغل الغرب وروسيا بالصراع الحاد مع بعضهما البعض للانخراط في التخطيط الاستراتيجي طويل المدى. بالنسبة لكل من موسكو والعواصم الغربية، من الواضح أن الانفصال الحاسم عن الماضي يمثل أولوية على محاولات الحفاظ على الاستمرارية في مناطق معينة من السياسة العالمية.
تتمتع بكين (على الأقل في الوقت الحالي) برفاهية التأكيد على الاستمرارية، خاصة وأن العولمة هي التي أوجدت الأساس للنمو السريع للصين على مدى العقود الماضية. إن مفهوم المجتمع ذي المصير المشترك للبشرية هو، في الواقع، وجهة النظر الصينية للجولة التالية من عمليات التوحيد العالمية، التي سيأتي وقتها عاجلاً أم آجلاً ولا يتعلق الأمر بالكلام فقط.
فبكين تؤكد صراحةً على دورها كقائد موحد وصانع سلام في مناطق مختلفة من العالم، وتنوي بشكل واضح الإطاحة بالولايات المتحدة، باعتبارها "قوة لا يمكن الاستغناء عنها" في السياسة العالمية.
تُبذل هذه الجهود على جبهة واسعة من جنوب آسيا إلى وسط إفريقيا، ومن الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية. إن أبرز نتائج الدبلوماسية الصينية تحققت في المصالحة بين إيران والسعودية. وجاء النجاح غير المتوقع هذا في بكين بمثابة صدمة لكثير من السياسيين والخبراء.
الآن، يبدو أن الصين مستعدة للقيام بمهمة أكثر صعوبة وحساسية: حل النزاع الروسي الأوكراني. من المحتمل أن تفضل بكين التهرب من ذلك، لكن الوضع الجديد للصين الشعبية لا يسمح لها بالبقاء بمعزل عن أكبر وأخطر صدام في السنوات الأخيرة.
يمكن للمرء أن يسخر من الـ12 نقطة من "خطة السلام" الصينية المنشورة في نهاية شباط/فبراير، أو البحث عن التناقضات بين النقاط الفردية، أو حتى اتهام القيادة الصينية بالديماغوجية السياسية. ربما لن تحقق المبادرة الصينية النتائج المرجوة في المستقبل القريب. ولكن، كما يحبون أن يقولوا في الصين، "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة".
نقله إلى العربية: فهيم الصوراني