سقف أوروبي لسعر منتجات النفط الروسي.. العوائق والعواقب
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الضغط على روسيا من خلال تحديد سقف لأسعار المُنتجات النفطية، فما هي تبعات هذا القرار على أوروبا من ناحية وعلى روسيا من ناحية أخرى.
تقترب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من إتمام عامها الأول، وهو العام الذي شهد جملةً من المتغيرات العاصفة على عدة صُعدٍ، من أبرزها التحوّلات الاقتصادية نتيجة فرض العقوبات على روسيا، وانعكاسها على دول العالم، على رأسها أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
الرحلة الشاقة التي بدأها الأوروبيون في مجال العقوبات على النفط الروسي، تتراوح بين تحديد سقف سعري وحظر مجموعة الـ7 والاتحاد الأوروبي وأستراليا لاستيراده، ومنع روسيا تصديره إلى الدول التي فرضت عقوبات عليها، وسط تفاوت في كميات الإنتاج.
من انعكاسات تلك العقوبات، هو اتفاق الاتحاد الأوروبي، أمس، على اقتراح المفوضية الأوروبية بشأن تحديد سقف لأسعار المُنتجات النفطية الروسية، إذ حدّد الاتحاد سعر برميل النفط من الديزل بـ100 دولار، و45 دولاراً للمنتجات التي تباع بخصم مثل زيت الوقود، في خطوةٍ وصفتها روسيا بأنّها ستزيد من انعدام توازن أسواق الطاقة وسترفع الأسعار، فما هي تبعات هذا القرار؟
لماذا يرجّح خبراء فشل قرار تسقيف سعر النفط الروسي؟
رغم درء أزمة الطاقة في أوروبا لهذا العام، إلا أنّ هناك علاماتٍ باعثة على القلق تُشير إلى احتمالية عودة الأوروبيين إلى "المربّع الأول" في هذه الأزمة التي يصعُب التكهّن بنهايتها، ولا سيما العقوبات المتتالية على روسيا، وفي هذا السياق، تؤكد مجلة "فوربس" الأميركية أنّ المخاطر السياسية والاستراتيجية في أوروبا لا تزال ماثلة.
المخاطر الاستراتيجية الناتجة أساساً عن تسقيف أسعار النفط الروسي، قد تقود إلى تغيراتٍ كبيرة ومفاجئة في بيئة سوق النفط العالمية، وفي نهاية المطاف على الاستقرار المالي العالمي، وفق "بلومبرغ".
من جانبه، قال بول سانكي رئيس وكبير المحللين لدى "Sankey Research" في تصريحاتٍ لـ"CNBC" الأميركية: "سقف الأسعار اختُرع من قبل بيروقراطيين، ولا يوجد أحد منهم يفهم أسواق النفط لذلك فشلت تماماً".
ويُرجع المحلل اضطراب أسواق النفط إلى العقوبات ضد روسيا، معقباً بأنّ إمدادات النفط الروسي لم تنقطع بل واصلت موسكو الصادرات بمستوياتٍ مرتفعة.
في السياق ذاته، تخفّف فاندانا هاري مؤسسة شركة "Vanda Insights" من القرار الأوروبي بتسقيف الأسعار، واصفةً إياه بـ "غير المنطقي وغير المهم"، مشددةً على أنّ النفط الروسي سيجد طريقه في الأسواق التي لا تزال ترحّب به مثل الصين والهند.
ورغم أنّ الدول الأوروبية قررت تسقيف أسعار المنتجات النفط، إلّا أنّ واردات الاتحاد الأوروبي من الوقود الروسي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في 6 أشهر عند نحو 210 آلاف برميل يومياً في كانون الثاني/يناير الماضي قبل الحظر الذي سينفّذ في الـ5 من شباط/فبراير على المنتجات النفطية الروسية، وفق بيانات شركة تحليلات النفط فورتيكسا.
اقرأ أيضاً: "الإيكونوميست": لماذا العقوبات النفطية على روسيا مخيبة للآمال؟
وأظهرت البيانات أنّ واردات الوقود الروسي المتبقّي بما في ذلك زيت الوقود ومواد التكرير الأولية، تضاعفت تقريباً عن مستويات كانون الأول/ديسمبر، وأقل قليلاً من 240 ألف برميل يومياً استوردها الاتحاد الأوروبي في تموز/يوليو الماضي.
ويترنّح سوق النفط الأوروبي، في حالةٍ من عدم اليقين، فقطاع النقل والصناعة والزراعة كلها مستهلكات ثقيلة للديزل، وعانت بالفعل شهوراً من ضغوط الطاقة التي سبّبتها العقوبات الغربية، كما أنّ الأزمة تسببت في ارتفاع فواتير الطاقة بشكلٍ هائل، وساعدت في دفع الاقتصادات نحو الركود.
ما هي عواقب تسقيف سعر منتجات النفط الروسي؟
فرض الاتحاد الأوروبي، في كانون الأول/ديسمبر 2022، حظراً على الخام الروسي الذي يصل بحراً، وحدد مع شركائه في مجموعة السبع سقفاً لسعر البرميل (60 دولاراً) على الصادرات حول العالم.
ويُتوقّع دخول الحظر الثاني على مستوى الاتحاد الأوروبي حيّز التطبيق اعتباراً من غد الأحد، ويستهدف منتجات روسيّة من النفط المكرّر مثل البترول والديزل ووقود التدفئة التي يتم شحنها بحراً.
الغرب يقول إنّ عقوباته هذه مفاعيلها "كبيرة وحاسمة"، فمفوضية الاتحاد الأوروبي أعلنت أنّ السقف المحدّد حالياً على أسعار النفط الحالي يكلّف موسكو نحو 175 مليون دولار من الخسائر يومياً، لكن روسيا أكّدت مراراً أنها لا تتألّم من عقوبات الغرب، حتى أنّ اقتصادها مستقرٌ أكثر بكثير مما يتوقّعه خصومها.
الإجابة تأتي من وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي أنّ اقتصاد بلاده (الذي انكمش على الأرجح بـ 2.5% في 2022 طبقاً لتقديرات بوتين نفسه) لا يزال مستقراً وأفضل من توقعات الخصوم، وكذلك من توقعات السلطات الروسية أيضاً. وتطرّق بوتين إلى عددٍ من المؤشرات الاقتصادية، من بينها معدّلات البطالة التي هي عند مستوى تاريخي منخفض 3.7%، كذلك التضخم الذي جاءت معدلاته أقل من المتوقّع عند 12%.
وفي الوقت الحالي، يبدو أنّ روسيا لا تتوقّع الكثير من الاضطراب عليها. وتخطط لتصدير أكثر من 730 ألف برميل يومياً من الديزل من الموانئ الغربية الرئيسية هذا الشهر، وفقاً لـ"بلومبرغ"، وسيكون هذا أكبر تدفّق منذ بداية العام 2020 على الأقل.
التقارير الغربية تتحدث عن أنّ العقوبات ستسبّب ضرراً ضد روسيا، تهمل هذه التقارير أنّ الضرر الأكبر وعلى المدى البعيد سيلحق بالاتحاد الأوروبي، لأن روسيا ستجد طرقاً عديدة للاتفاف على العقوبات، لتصريف منتجاتها النفطية. ومع ذلك، قد لا يكون كل ذلك كافياً لتصريف كل إنتاج روسيا، فتتوقّع شركة وود ماكنزي، وهي شركة استشارية مقرّها لندن، أن تنخفض صادرات البلاد من الديزل بنحو 200 ألف برميل يومياً في هذا الربع مقارنة بالأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2022.
وذكرت وكالة "تاس" الروسية، أنّ وزير الطاقة في البلاد لا يرى أيّ سببٍ لخفضٍ حاد في عمليات تكرير النفط وإنتاج الوقود عندما تبدأ إجراءات الاتحاد الأوروبي.
من ناحيته، قال داريو سكافاردي، الذي كان يُدير حتى العام الماضي واحدةً من أكبر مصافي النفط في أوروبا كرئيس تنفيذي لشركة "ساراس سبا" الإيطالية، إنّ النظام سيجد توازنه عاجلاً أم آجلاً، "مقابل تكلفة على الجميع بالطبع.. لا أعتقد بحدوث أيّ أزمة كبيرة.
ويعتمد موقف روسيا، جزئياً، على سعيها إلى الدخول في أسواق جديدة. على سبيل المثال، سيجعل الدول تشتري الديزل الروسي ثم تعيد توجيه الوقود الذي كانت تصنعه في السابق أو تستورده نحو أوروبا، كما أنّ الرئيس الروسي حظر تصدير النفط الروسي إلى الدول التي فرضت سقف أسعار.
كل محاولات عزل موسكو دولياً دفعتها إلى اللجوء إلى أكبر مشترين للنفط هما الصين والهند فقط، لذلك، فعليها البحث عن مصادر أخرى لبيع نفطها، وعن هذه النقطة يقول بوتين "سنبحث عن شركاء واعدين آخرين في المناطق النامية بنشاطٍ في الاقتصاد العالمي، كآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا".
ومن المحتمل جداً أن يكون أكبر الفائزين هم التجار وشركات الشحن، حيث يبدو أن الوقود سيستمر في التدفّق عبر طرقٍ أكثر تعقيداً، ورغم الواردات المنقولة بحراً، ووجود سقف للسعر، لا يزال من الممكن بيع الوقود الروسي بشكلٍ قانوني فوق الحد الأقصى، وليس فقط للشركات التي تستخدم الخدمات المالية الغربية.
وتعدّ روسيا ثاني أو ثالث أكبر مُصدّر للنفط الخام في العالم، فبدون تحديد سقف للأسعار من قبل الغرب ربما سيكون من السهل جداً وصولها إلى مشترين جدد بأسعار السوق.