جاسوسة في ثوب باحثة.. ما مهمة المجندة الإسرائيلية في العراق؟
صمت إسرائيلي يثير الشكوك بشأن قضية الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف التي اختفت في العراق، ماذا كانت تفعل مجنّدة سابقة في "الجيش" الإسرائيلي هناك؟
أثار خبر اختفاء "الباحثة" الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف في العراق، غضباً داخل المؤسسة الأمنية العسكرية في "إسرائيل"، وذلك بعد اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بفقدانها منذ عدة أشهر.
تسوركوف "الناشطة" في مواقع التواصل الاجتماعي، فُقد الاتصال بها في شهر آذار/ مارس الماضي. أربعة أشهر التزمت "إسرائيل" خلالها الصمت، إلى أن أعلن مكتب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أمس، خبر اختطافها من حي الكرادة ببغداد، متهماً كتائب حزب الله في العراق، ومحمّلاً الحكومة العراقية مسؤولية سلامتها.
الإعلان عن خبر اختفائها بعد مرور هذا الوقت أثار تساؤلات عديدة في الأوساط العربية. لماذا صمت الاحتلال كل هذه المدة، وما هي المهمة التي أرسلت من أجلها إليزابيث إلى العراق؟ إضافةً إلى كثير من الشكوك بشأن دخولها بجواز سفر روسي، موكلة إليها مهام وظيفية متعددة وثّقتها عبر حساباتها في منصات التواصل الاجتماعي.
مكتب نتنياهو، الذي قال إنها "فُقدت في العراق، قبل بضعة أشهر، ولا تزال على قيد الحياة، وتحتجزها جماعة كتائب حزب الله - العراق"، زعم أنها تعمل في الحقل الأكاديمي فقط، موضحاً أنّها ذهبت إلى العراق لأغراضٍ بحثية، موفدةً من جامعة برينستون في الولايات المتحدة الأميركية.
قناة "كان" الإسرائيلية، قالت إن تسوركوف مجندة سابقة في "الجيش" الإسرائيلي، ومعروفة كباحثة في الشؤون السورية، ومعلقة على شؤون الحرب الأهلية التي اندلعت هناك عام 2011، ودخلت بجواز سفرها الروسي إلى العراق.
الجدير ذكره أنّ تسوركوف، عملت على إعداد أبحاث ميدانية في العراق وسوريا وفلسطين المحتلة، خلال السنوات الماضية، لمصلحة معهد أبحاث السياسة الخارجية مقرّه فيلادلفيا في أميركا، ومنتدى التفكير الإقليمي وهو مركز أبحاث إسرائيلي مقرّه القدس المحتلة.
وهي مجندة سابقة في "الجيش" الإسرائيلي، تباهت مراراً في حساباتها، بمشاركتها في حرب تموز/يوليو عام 2006. وتصبّ كل جهدها على مواجهة من تصفهم بـ "أعداء إسرائيل". وتستخدم جواز سفرها الروسي للعبور السهل نحو دول عربية تحت غطاء العمل البحثي والحقوقي. وزارت العراق ومناطق المعارضة السورية غير مرة.
كذلك، تقدم نفسها خبيرة في شؤون الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا والعراق. وعملت على إعداد أبحاث ميدانية في العراق وسوريا وفلسطين المحتلة خلال السنوات الماضية.
كما أنها لا توفر مناسبة لمهاجمة فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله وإيران وسوريا. وتشهد لها صورها المنتشرة في كل المواقع، أنها كانت من أبرز المؤيدين لما يسمى بـ"الثورة السورية".
وفوق كل هذا، تربطها علاقات وثيقة بالمعارضة السورية وبصحافيين في لبنان والعراق، معادين لدول محور المقاومة. وتجمعها صداقات مميزة بمسؤولين بارزين في إقليم كردستان العراق.
كتائب حزب الله في العراق لم تنف، والجهات الرسمية العراقية لم تعلق حتى حينه. صمت مطبق تقابله ضجة إعلامية في الداخل الإسرائيلي. وبعيداً من التكهنات الإسرائيلية يبدو واضحاً أن مهام إليزابيث تتخطى حدود الباحثة لتبلغ مرتبة الجاسوسة بامتياز.
التجسس في العراق ليس جديداً
هذه ليست المحاولة الأولى لدخول إسرائيليين إلى العراق، ولكن هذا الدخول لم يكن دخولاً مباشراً أو علنياً إنما اتخذ أشكالاً مختلفة، ثقافية و سياسية، هذا ما قاله المحلل العراقي هاشم الكندي.
وبالتالي، فإن الوجود الاستخباري التجسسي، وفقاً للكندي، لم ينقطع وتحديداً بعد عام 2003، وفي أغلب الأحيان كان الوجود الأميركي في العراق غطاء له.
وأضاف الكندي للميادين نت أن المشاريع التجسسية كانت بغطاء وتعاون أميركييْن، وهذا الأمر كان يُراقَب ويُشخّص دائماً.
وفي ما يخص توقيف "الباحثة" الإسرائيلية، قال الكندي إن هذه الحالة الأخيرة كانت جزءاً من متابعات جهات مختصة، قد لا تكون رسمية بصورة كاملة.
هذه الجهات، وفقاً له، تعدّ كل المحاولات التجسسية أعمالاً عدائية، وبما أن الشعب العراقي رافض للاحتلال الإسرائيلي ويعدّه عدواً له، فمن الطبيعي أن تكون هناك متابعة لحالات التجسس ومراقبتها لأنها حرب أمنية خطرة.
هذه الحرب التجسسية الأمنية خطرة ومستمرة، وتتكرر في كل الدول التي تطمع فيها "إسرائيل". وفي ما يخص الجهة التي تقف وراء خطفها، قال الكندي إن المعلومات الأمنية والحرب الاستخبارية تكون سرية نظراً إلى حساسية الموضوع.
ولفت إلى أن هناك سرية في المعلومات المعلنة، ولا توجد إشارة إلى جهة معينة، مضيفاً: "لكن، يقيناً، إن الجهات الرافضة للتجسس الإسرائيلي هي من حمت الشعب العراقي بالقيام بهذا العمل من خلال متابعة الجواسيس ومحاربة المخططات التخريبية الإسرائيلية".
متابعة دقيقة لحالات التجسس
وفي ما يتعلق بالشكوك في شأن وجود هذه "الباحثة" الإسرائيلية في بغداد، قال الكندي إن الجهات لم تتحرّك بناءً على شكوك، وإنما بموجب معلومات ومتابعة يقينية وتدقيق وتمحيص في معلوماتٍ مسبقة، وأيضاً من خلال متابعة وتتبُّع داخل بغداد حيال طبيعة عمل هذه الشخصية وسعيها للحصول على معلومات أو الاتصال بأشخاص معيّنين.
وبالتالي، وفقاً له، فإن اعتقالها بهذه الطريقة، كان بعد التيقّن من المعلومات، ولم يكن بناءً على شكوك تحوم حولها.
وفي ما يخصّ علاقتها بمسؤولين في إقليم كردستان، قال المحلل إن المعلومات كثيرة عن تعاون وتماهٍ وغضّ نظر من جانب المسؤولين في أربيل عن تحركاتها التجسّسية، قائلاً إن الكثير من الإخوة كانوا يقولون بأن الوجود الإسرائيلي، أفراداً ومنظمات، شبه علني في الإقليم أو على الأقل، يُغلَّف بتغليفات معيّنة قد تُطرح في أغلب الأحيان على أنها شخصيات يهودية وليست إسرائيلية.
ولكنّ المختصين في هذا المجال، بحسب الكندي، يعرفون أن التحركات الإسرائيلية الموسادية التي تنتقل من الكيان الإسرائيلي إلى الإقليم نحو أهداف عدة، ومنها ما حصل أكثر من مرة عبر استهداف العلماء النوويين والذين يعملون في مجال صناعة الصواريخ والصناعات العسكرية الحربية الإيرانية.
أيضاً فيما يتعلّق بدعم الجماعات المسلحة التي تستهدف ضرب المدن الإيرانية، أشار إلى أن هناك اعترافات من مسؤولين كبار على مستوى جون بولتن مستشار الأمن القومي الأميركي، بأن أميركا تسلّح المعارضة الإيرانية من إقليم كردستان بمساعدة "أصدقائها".
وكلمة "أصدقاء"، بحسب الكندي، تحتمل أن تشمل المسؤولين في الإقليم والموساد الإسرائيلي، الذي لديه محطات في إقليم كردستان.
ولعلّ الأبرز في هذا المجال، وفقاً له، الضربة التي وجّهتها إيران بالصواريخ على مقرّ الموساد قرب أربيل. وكانت الضربة دقيقة، ولم يستطع الإقليم أن يثبت أنه لم يكن هناك إسرائيليون في المكان الذي كان مخصصاً للسكن، وتمّ نفي الأمر، وكذلك إخفاء جثث الإسرائيليين الذين استهدفوا بالقصف.
مسؤولو الإقليم، وفقاً للكندي، لا يجدون حرجاً في التنسيق مع الإسرائيليين، وإن كانوا لم يثبتوه، ولكنهم لا يتحفّظون في هذا المجال، وبالتالي إقليم كردستان، وتحديداً أربيل هو المنطلق والحاضنة للنشاطات الإسرائيلية والعمل الاستخباري.