ما قصة عصا البشير التي كادت تتسبّب بأزمة داخل البرلمان؟
لطالما لازمت العصا الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير. رافقته في المنابر الإعلامية واللقاءات الجماهيرية. لوّح فيها مهدداً ورقص بها محتفلاً، حتى غدت علامة فارقة تميّزه عن سائر الزعماء العرب. ما قصة هذه العصا؟
رفيقته في السرّاء والضرّاء. هكذا يمكن وصف العصا التي رافقت الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير على امتداد سنوات حكمه الثلاثين. تلك "الرفيقة" التي اشتُهر بها واقترنت بصورته الإعلامية، لا يُعرف إذا ما زالت بحوزته في مكان احتجازه "الآمن"، لكن الثابت أن تلك العصا كادت تتسبب بأزمة داخل البرلمان السوداني خلال العام 2016.
حينها أثار اختفاء تلك العصا الفاخرة جلبة بعدما كان البشير أهداها إلى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان مهدي إبراهيم، بحسب ما أوردت بعض الصحف والوكالات.
صحيفة "الجريدة" السودانية ذكرت حينها أن إبراهيم نسي عصاه تحت قبة البرلمان ثم وجدها الحاجب، لكن الأخير لم يسلمها للأمانة العامة إلا بعد أيام، وعلى إثر استجوابه.
تلك العصا ذات المقبض العاجي قال عنها البشير خلال خطاب له في عام 2016 "عصاتي ليست عصا موسى.. هذه عصا عمر البشير"، ما يدلّ على أن هذه الأداة كانت مدعاة للتفاخر.
لكن على ما يبدو أن البشير لم يحمل عصا واحدة، إنما بدّل مجموعة من العصي. ففي عام 2009 أوردت صحيفة "الراي" الكويتية خبراً عن حصول مواطن لبناني يدعى عدنان نعمة على العصا التي كان يحملها البشير أثناء تظاهرات مؤيدة له ضد قرار محكمة الجنايات الدولية بحقه. نعمة الذي طلب من السفارة السودانية في بيروت الحصول على العصا، لبّت الأخيرة طلبه حيث تسلمها من القائم بالأعمال السوداني.
لكن ما قصة تلك العصا؟ ولماذا كانت تلازم البشير؟
يروي الدكتور حيدر إبراهيم المختص في العلوم الاجتماعية لـ الميادين نت أن العصا في السودان لها دلالات دينية وأخرى اجتماعية وشعبية.
ويوضح أن العصا ارتبطت بالطرق الصوفية بحيث كانت تلازم مشايخهم وعلماءهم في حلقات التعليم، وكان يُعاقب بواسطتها من يرتكب خطأ في تلاوة القرآن الكريم من قبل المريدين والطلاب.
وتنتشر الطرق الصوفية على نطاق واسع في السودان ولا سيما في أريافه.
يقول حيدر إن بعض حكام وزعماء السودان في التاريخ الحديث شاع حمله للعصا التي كان يطلبها من مشايخ الصوفية للتبرك بها.
ومن السياسيين الذين يحملون العصا الصادق المهدي الذي انتخب رئيساً لوزراء السودان بين عامي 1966 و1967 وعامي 1986 و1989، ويرأس حزب الأمة القومي المعارض. ويُشاهد أحياناً ضباط في الجيش السوداني يحملون العصا لكن ليس لأسباب دينية إنما للوجاهة.
أما الرئيس السوداني السابق جعفر النميري فكانت ترتبطه علاقة مميزة مع الشيخ الصوفي الخاتم في منطقة كركوج جنوب شرق السودان وكان يزوره بانتظام وينال بركته، وكانت العصا تلازمه دليلاً على بركة الشيخ، بحسب ما يقول حيدر.
وما زال اللسان الشعبي في السودان يتداول حتى اليوم حكاية شائعة حول العصا التي ربطت النميري بالشيخ الخاتم. يُنقل أن الشيخ كان يوصي النميري بالحرص على تلك العصا، مؤكداً له أنه في حال وقعت منه فسوف يخسر الحكم.
تلك الحكاية ليست ثابثة وربما تكون إحدى الروايات الشعبية الموروثة، لكنها تثير التساؤل عمّا إذا كان البشير أوقع عصاه في الفترة الأخيرة.
بكل الأحوال فإن حكاية العصا تختلف من حالة النميري إلى حالة البشير. فالأخير لم يحمل العصا لأسباب دينية تتعلق بالطرق الصوفية. ذلك أن "الحركة الإسلامية" التي أوصلت البشير إلى الحكم لديها مواقف عقائدية متعارضة مع الطرق الصوفية وتعتبر مسألة العصا بدعة غير جائزة من الناحية الشرعية.
أما السبب الحقيقي لاقتنائه العصا فيعود إلى قرية "حوش بانقا" إحدى ضواحي مدينة شندي شمالي السودان حيث يتحدر من قبيلة الجعليين إحدى أكبر القبائل السودانية.
تشتهر تلك المنطقة برقصة فروسية شعبية يُطلق عليها "العرضة" ويؤديها الرجال. في السابق كانت تستخدم السيوف في تأديتها، لكن بسبب القوانين التي منعت لاحقاً استخدام السيوف، استيعض عنها بالعصي. من هذا المنطلق لا تحمل عصا البشير دلالات دينية إنما ترتبط بالفولكلور الشعبي.
وللعصي في السودان علاقة أيضاً بالوجاهة الاجتماعية وبالسن. وتتعدد أنواع العصي بناء على شكلها وأنواع الأشجار التي تأتي منها. فالعصا المصنوعة من خشب الأبانوس هي الأغلى ثمناً والأكثر جمالاً ويحملها الأعلى مكانة.
وعندما يتقدم الرجل في السودان في السن، فإنه يصبح من الشائع أن يحمل العصا تبعاً للأعراف الاجتماعية وليس بالضرورة لهدف الاتكاء عليها.