وزير أمن المقاومة وقائدها المرعب.. ما لا يعرفه الكثيرون عن مصطفى بدر الدين
في دمشق، يمضي القائد تلو الآخر، عماد مغنية فولده جهاد ومحمد عيسى، وسمير القنطار وعلي فياض، والعشرات من أبناء حزب الله ومقاتليه، واليوم يرتقي مصطفى بدر الدين من رتبة قائد إلى رتبة شهيد؛ وهو أسطورة الحزب والرجل الذي حيكت عنه قصص البطولة والرعب..
"لن أعود من سوريا إلا شهيداً أو حاملاً راية النصر".. كلمات قصيرة افتتح بها حزب الله بيان نعيه لأبرز قادته العسكريين؛ مصطفى بدر الدين أو "السيد ذو الفقار"، كما عرفه رفاق الدرب والسلاح في سوريا ولبنان. كان لبدر الدين ما أراد، عاد شهيداً، بعد أن حارب المجموعات المسلحة في سوريا لسنوات، وحارب قبل ذلك المحتل الإسرائيلي مع صديقه ونسيبه القائد في المقاومة عماد مغنية، وقضى على عملاء الاحتلال في الجنوب اللبناني حتى اندحاره من لبنان عام 2000، وهزيمته في حرب تموز 2006.
ورغم أن التفاصيل الكاملة لم تتوضح بعد حول طريقة استهداف السيد ذو الفقار، فإن الثابت في الجريمة هو أن الإسرائيلي هو أكثر من له مصلحة بها، وأنها تأتي في سياق سعي إسرائيل لتصفية قادة حزب الله، كما إن طبيعة ومكان الإستهداف تحمل بصمات استخبارية لأجهزة دول كبرى، لطالما صرحت بملاحقتها له.
التحق بدر الدين المولود في منطقة الغبيري، بالجامعة الأميركية في بيروت بين العامين 1980 و 1984، ولكنه لم يتخرج منها، وعاد والتحق بعد ذلك بسنوات بالجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت وحصل منها على شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية، وهو يتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة. ارتبط اسم مصطفى بدر الدين بعمليات أمنية ضد مصالح الولايات المتحدة وفرنسا، سجن على إثرها في الكويت، لكنه تمكن من الهرب إبان الغزو العراقي للكويت، وعاد بعدها إلى لبنان، ليتعزز حضوره في صفوف المقاومة لاحقاً ويصبح رقماً صعباً فيها.
قبل ذلك شارك بدر الدين في المعارك التي شهدتها بيروت أثناء التصدي للاجتياح الإسرائيلي، ويذكر اسمه ضمن الشباب الذين شاركوا في معركة خلدة جنوب بيروت، وكبدوا الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة، وكانت أول مرة تحتجز فيها آلية عسكرية إسرائيلية، طافت يومها الضاحية الجنوبية لبيروت.
منذ العام 1991، عام عودته من الكويت وحتى العام 1999 كان بدر الدين قائداً ميدانياً في حزب الله ويقود مقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان مقرباً من عماد مغنية الذي أرسى مدرسة جديدة في الحروب العسكرية تقوم على المزج بين حرب العصابات والجيوش النظامية، وعلى الرغم من عدم وجود معلومات عن الرجل منذ العام 2000 وحتى العام 2008 إلا أن مصادر الحزب تقول إنه لعب دوراً حيوياً في حرب تموز 2006.
اغتيال رئيس الوزراء الأسبق للبنان رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 كان مفصلاً هاماً في حياة بدر الدين، حيث اتهمته المحكمة الدولية التي شكلت للتحقيق بمقتل الحريري لاحقاً، بالوقوف خلف الجريمة مع 3 آخرين، لكن حزب الله نفى التهم مراراً ورفض تسليم المشتبه بهم، دون أن يظهر بدر الدين أو يعلق على الموضوع.
شهد العام 2008 استشهاد القائد العسكري الأول في حزب الله؛ عماد مغنية، بتفجير استهدف سيارته في دمشق، ويقال إن بدر الدين استلم جزءاً كبيراً من الملفات التي كان الشهيد عماد يعمل عليها قبل استشهاده، ولاحقاً أصبح بدر الدين الرجل الثاني في الحزب، ومستشاراً عسكرياً لأمينه العام، وتقول المصادر إنه كان الرجل الأهم أمنياً في صفوف الحزب..
في سوريا.. السيد ذو الفقار كما عرفه رفاق السلاح
فرض دخول الحزب إلى سوريا ومشاركته في المعارك الدائرة هناك دوراً كبيراً لبدر الدين في المعركة، وتنقُل المصادر أن أولى إنجازاته كان التحضير لمعركة مدينة القصير في ريف حمص الغربي عام 2013، ونجاحه في طرد الجماعات المسلحة منها.
كما تكشف أوساط الحزب في سوريا أن بدر الدين كان المسؤول عن ملف سوريا كاملاً، وأنه كان دائم التواجد هناك في السنوات الأخيرة، رغم أنه لم يكن معروفاً في أوساط المقاتلين، بمعنى لا يتم الربط بين اسمه الجهادي وشخصيته الحقيقة.
تقول مصادر المقاومة في سوريا "منذ ما يقرب العام بدأت شخصية السيد ذو الفقار تصبح معروفة في الأوساط العسكرية في سوريا، بسبب تواجده الدائم على مختلف الجبهات، وزياراته المتكررة للمواقع العسكرية من مختلف الاختصاصات، كما إنه ظهر بشكل علني مرتين على الأقل؛ الأولى عند تشييع ابن أخته؛ جهاد عماد مغنية، في منطقة السيدة زينب في سوريا، بعد أن إغتالته الطائرات الإسرائيلية في منطقة القنيطرة"، ويقال أن بدر الدين هو من كان مستهدفاً بالغارة يومها.وفي التشييع ظهر السيد ذو الفقار محاطاً بعشرات الجنود من قوات النخبة في حزب الله يلبسون زياً عسكرياً أسود اللون، ويروي من شاهده حينها أن الرجل يفرض جواً من الهيبة والحضور الطاغي، كما إن حضوره يمتزج بحزم وصرامة عسكرية قلّ نظيرها، ويقال أنه كان يمشي بزيه العسكري والرعب يمشي أمامه..
أما الظهور الثاني العلني فكان أيضاً في مناسبة تشييع القائد في المقاومة أيضاً علاء البوسنة، (علي فياض) قبل أشهر، وحينها أيضاً كان الرجل محاطاً برجاله..ورغم الهالة العسكرية التي يفرضها حضور "السيد ذو الفقار" في المواقع العسكرية والمناسبات، إلا أنه رجل متواضع طيب القلب في الحياة العادية، كما تروي المصادر، حيث كان يخرج في كثير من الأحيان دون مرافقة ومواكب عسكرية، وبثياب عادية ويقود سيارته بنفسه، وقد أثارت طريقته البسيطة في التنقل حفيظة عدد من قادة المقاومة في سوريا، والذين كانوا ينتقدون طريقة تنقله وقلة عنايته بحمايته الشخصية، وقد شوهد مرات عديدة على الجبهات المتقدمة في درعا وحلب وحمص.
تتابع المصادر "كان تعلق مقاتلي الحزب بشخص السيد ذو الفقار شديداً رغم عدم معرفة الكثير منهم به شخصياً، إلا أنهم كانوا ينظرون إليه بعين القدوة والاحترام، عدا عن المهابة والخوف الذي يثيره فيهم سماع اسمه، وكانوا يحيكون حوله القصص والروايات، والتي وصل بعضها إلى سرد أساطير عن بطولات الرجل وإنجازاته سواء ضد إسرائيل أو ضد الجماعات المسلحة في سوريا".
وهو على الرغم من إصابته في قدمه، وسني عمره البالغة 56 سنة، والتي لا تتعرف إليها إلا بالنظر إلى شعره الأشيب، إلا أنه يتمتع بصحة جيدة، وبجسم رياضي ولياقة عالية، يجعله مثالاً يحتذى بين عناصر الحزب ومقاتليه.
وبانتظار ما سيعلن عنه حزب الله في الساعات القليلة القادمة حول ملابسات عملية الاغتيال، فإن مصادر مقربة منه أكدت أن كل المعلومات المتداولة حول طريقة اغتيال بدر الدين غير صحيحة، ومنها نظرية استهدافه قبل أيام في الغارة الإسرائيلية المزعومة على جرود لبنان الشرقية.
وشددت المصادر على أن بدر الدين كان في أحد مقرات الحزب قرب مطار دمشق الدولي وأنه كان في اجتماع ضمه إلى قيادات مهمة، وبعد أن غادر القادة بقليل حدث الانفجار الذي استهدفه.خسر حزب الله باستشهاد مصطفى بدر الدين قائداً عسكرياً وعقلاً استخبارياً مبدعاً، ولكن الحزب اعتاد على فقد القادة، والإتيان بمن يحمل الراية بعدهم، كما حملها أسلافهم.